اعداد الباحث : محمد عبد الفتاح الحمراوى
هدف البحث
يهدف البحث الى التعرف على السياسة الخارجية الصينية والتتحيات التى قدتواجهه هذة الدولة
ويهدف الى التعرف على اهداف ومحددات السياسة الخارجية الصينية والاشكاليات التى قد تواجهها والتعرف على السياسة الصينية تجاه الولايات المتحدة الامريكية وموقف الصين من الحرب على الارهاب ومدى التعاون بينها وبين اسرائيل
اهمية البحث
تكمن اهمية البحث فى يهدف الى التعرف على سياسة الصين الخارجية وهى دولة ذات قوة اقتصادية وعسكرية ومدى تأثير هذة السياسة فى التفاعلاات الدولية والاحداث العالميى والمشكلاات الدولية
منهج البحث
وفقا لطبيعة البحث سوف نستخدم المنهج الاستقرائى لأنه يستخدم فى وصف الواقع دون التطرق الى تحليل هذا الواقع
المشكله البحثية
تتمثل فى محاولة الاجابه على الاسئله البحثية والتى تتمثل فيما يلى:
1- هل تمثل السياسة الخارجية الصينية لها دور فى ادارة العلاقات الدولية
2- وما هي استراتيجة الصين في منطقة الشرق الاوسط
3- هل ستكون العلاقات الصينية - الامريكية تنافسية في الشرق الاوسط
4- هل الصين قادرة على ادارة الازمات التى تواجهها مع جيرانها
خطة البحث
ينقسم البحث الى مايلى:
المبحث الاول : سياسة الصين تجاه المنطقه العربيه
المبحث الثانى: صنع السياسة الصينية
المبحث الثالث: السياسة الخارجية الصينية تجاه آسيا
المبحث الرابع :السياسة الخارجية الصينية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية
المقدمة
تنتهج الصين بدأب وثبات سياسة خارجية سلمية مستقلة ، والهدف الاساسي لهذه السياسة هو حماية استقلال الصين و سيادتها وسلامة آراضيها ،. وفيما يلي اهم ملامح هذه السياسة : أ- ظلت الصين تنتهج مبدأ الاستقلال والتمسك بزمام المبادرة . وتحدد موقفها و سياستها في جميع الشؤون الدولية انطلاقا من المصالح الاساسية للشعب الصينى وشعوب العالم والتمييز بين الصواب والخطأ ، ولا تخضع لاى ضغوط خارجية . ان الصين لا تتحالف مع اية دولة عظمى او اية كتلة دول ، ولا تسعى لاقامة حلق عسكرى ، ولاتشترك في سباق التسلح ولا تمارس التوسع العسكرى . ب- تثابر الصين علي معارضة الهيمنة وصيانة السلام العالمي . وترى الصين ان اية دولة سواء كانت كبيرة ام صغيرة ، قوية ام ضعيفة ، غنية ام فقيرة ، تعتبر عضوا من اعضاء المجتمع الدولى علي قدر المساواة . ويجب ان تحل جميع النزاعات والخلافات الناشية بين البلدان بطريقة سلمية عبر التشاورات وليس باللجوء الي القوة او التهديد باستخدام القوة ولا يسمح بالتدخل في الشؤون الداخلية للغير باى حجة . ولن تفرض الصين نظامها الاجتماعى وايديولوجيتها السياسية علي الاخرين ، وفي نفس الوقت لن تسمح اية دولة بان تفرض نظامها الاجتماعى وايديولوجيتها السياسية عليها . - تعمل الصين بنشاط من اجل بناء نظام دولى اقتصادي وسياسى جديد عادل ومعقول. وترى الصين ان النظام الجديد يجب عليه ان يجسد مطالب تطور التاريخ وتقدم العصر وان يعكس رغبات شعوب مختلف دول العالم ومصالحها المشتركة . ويجب ان تكون المبادىء الخمسة للتعايش السلمى والمبادىء الاخرى المعترفة بها للعلاقات الدولية اساسا لبناء النظام الدولى السياسى والاقتصادى الجديد . ج- ترغب الصين فى اقامة وتطوير علاقات الصداقة والتعاون مع جميع البلدان علي اساس المبادىء الخمسة المتمثلة في الاحترام المتبادل للسيادة وسلامة الاراضى وعدم الاعتداء للغير وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير والمساواة والتعايش السلمى .
ان التطوير النشيط لعلاقات حسن الجوار والصداقة مع الدول المجاورة جزء هام من السياسة الخارجية الصينية . لقد حلت الصين قضايا خلفها التاريخ مع معظم الدول المجاورة وتتطور علاقات التعاون ذى المنفعة المتبادلة بينها وبين الدول المجاورة تطورا مزدهرا . ان تقوية التضامن والتعاون مع الدول النامية الغفيرة موطىء قدم اساسيا للسياسة الخارجية الصينية . وان الصين والدول النامية الغفيرة لها معانات تاريخية مشتركة وكذلك لها اهداف مشتركة لصيانة استقلالها وتحقيق تنميتها الاقتصادية ، وعليه فلها قاعدة التعاون العميقة ولها آفاق واسعة في هذا المجال . ان الصين تهتم كل الاهتمام بتحسين وتطوير علاقاتها مع الدول المتقدمة وتدعو الي تجاوز اختلاف النظم الاجتماعية والايديولوجية في العلاقات بين مختلف الدول والاحترام المتبادل والسعى لايجاد النقاط المشتركة وترك الخلافات جانبا وتوسيع التعاون ذى المنفعة المتبادلة .
تطبق الصين سياسة الانفتاح علي الخارج بصورة شاملة وتود ان توسع مجالات الاتصالات التجارية والتعاون الاقتصادي والتكنولوجي والتبادلات العلمية والثقافية علي نطاق واسع مع مختلف دول ومناطق العالم علي اساس مبدأ المساواة والمنفعة المتبادلة لدفع الازدهار المشترك. وحتي نهاية عام 2001 ، قد صادقت الصين علي اقامة ثلاثمائة وتسعين الف مؤسسة اجنبية التمويل ، وبلغت قيمة الاستثمارات الاجنبية التعاقدية سبعمائة وخمسة واربعين مليارا وتسعمائة مليون دولار امريكى ، وبلغت قيمة الاستثمارات الاجنبية المستخدمة بصورة فعلية ثلاثمائة وخمسة وتسعين مليارا وخمسمائة مليون دولار امريكى . ووصل اجمالى قيمة الواردات والصادرات الصينية في عام 2001 الي خمسمائة وتسعة مليارات وثمانمائة مليون دولار امريكى ، وذلك يحتل المركز السادس في العالم . انضمت الصين الي منظمة التجارة العالمية في اليوم الحادى عشر من ديسمبر عام 2001 بعد مفاوضات امتدت خمسة عشر عاما . وبالاضافة الي التمتع بحقوق معنية بعد دخول منظمة التجارة العالمية ، بدأت الصين تطبق نظام wto تطبيقا فعليا وتلعب دورا ايجابيا من اجل دفع الازهار والتقدم في العالم .
ان الصين بصفتها دولة دائمة العضوية في مجلس الامن الدولى ، تشترك بنشاط في ايجاد حلول سياسية لقضايا اقليمية ساخنة . وقد اوفدت الصين عسكريها للاشتراك في بعثات حفظ السلام الدولية التى تشرف عليها الامم المتحدة . وتؤيد الصين اصلاح الامم المتحدة وتدعمها مع غيرها من الهيئات المتعددة الاطراف لمواصلة لعب دورها الهام في معالجة الشؤون الدولية . وتعارض الصين بحزم جميع النشاطات الارهابية بمختلف اشكالها وتساهم مساهمة هامة في النضال الدولى لمكافحة الارهاب . تعمل الصين بجهد لدفع السيطرة علي التسلح الدولى ونزع السلاح وحظر الانتشار . وحتى الان ، قد انضمت الصين الي جميع المعاهدات الدولية بشأن السيطرة علي التسلح الدولى و حظر الانتشار . وفي مجال حظر الانتشار ، ظلت الصين تلتزم وتنفذ بصورة صارمة تعهداتها الدولية وتبذل جهدا في بناء بنية قانونية لادارة حظر الانتشار فيها ، وقد اقامت نظاما متكاملا اساسيا للتحكم في حظر الانتشار . ظلت حكومة الصين تهتم اهتماما بالغا بحقوق الانسان وبذلت جهودا متواصلة في هذا المجال وقد اشتركت الصين في ثماني عشرة معاهدة حول حقوق الانسان بما فيها
( المعاهدة الدولية حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ) ، كما وقعت علي المعاهدة الدولية حول الحقوق المدنية والسياسية. ان الصين ترغب في تعزيز التعاون مع المجتمع الدولى للعمل معا لمعالجة القضايا العالمية التي تواجه التنمية البشرية كتفاقم وتدهور البيئة الحيوية ونقص الموارد الطبيعية والفقر والبطالة وتضخم عدد السكان وانتشار الامراض والمخدرات وانتشار النشاطات الاجرامية الدولية وغيرها(1) .
__________________
(1) مقتبس من :
China Internet Information Center. All Rights Reserved
المبحث الاول: سياسة الصين تجاه المنطقه العربيه
أولا: المصالح العربية التي يتوقع العرب أن تدعمها الصين
لقد ألف العرب أن تكون الصين صديقهم كما ألفوا أن تكون علاقاتهم مع الصين ناعمة ليس فيها توتر على مختلف المستويات، وبرغم التحفظات الأيديولوجية التي كانت لبعض العرب على انتشار الأيديولوجية الشيوعية في الوطن العربي فإن ذلك لم يحل دون تنامي هذه العلاقات على مختلف المستويات ففي ظل تراجع الصين عن استخدام السياسة الخارجية لنشر الفكر والإيديولوجيا الشيوعية خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث أصبح هم الصين الجديد هو التنمية الاقتصادية، من أي مصدر وبأية وسيلة، وفقا لأي منهج اقتصادي سواء كان منهج كارل ماركس أو منهج ريكاردو أو منهج كينز، سواء جاءت المساعدات الاقتصادية من روسيا الشيوعية سابقا أو جاءت من اليابان الإمبريالية التي اعتدت على الصين وأضرت بأمنها الوطني وذاتيتها القومية، أو جاءت هذه المساعدات من أمريكا زعيمة الإمبريالية. وعلى حد قول فيلسوف الصين وباني نهضتها الحديثة دنج شياوبنج "لا يهم لون القطة طالما تصطاد الفئران" فالهدف هو التنمية والسعي من أجل بناء قوة الصين والوسيلة لا تهم (1)
وفي ظل انتهاء الحرب الباردة منذ عام 1990 وتزايد الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي، فقد نظر العرب بكل جدية لتقوم الصين بدور فاعل في دعم قضاياهم على المستوى الدوليلكن الصين التي خرجت من الحرب الباردة لتواجه الانفتاح والعولمة كما هو حال العالم العربي حافظت على وتيرة هادئة في دعم القضايا العربية دون أن تتمسك بسياساتها السابقة القائمة على الموقف الساخن وأصبحت الصين تبدي اهتماماً متزايداً بدعم اقتصادها
وحل مشاكلها الإقليمية والانفتاح في المجالين الدبلوماسي والاقتصادي على الوطن العربي لخدمة سياستها الجديدة ودعمها في مواجهة التكتلات الاقتصادية العملاقة.غير أن هذا التوجه الصيني الجديد قد نالت منه إسرائيل حظاً وافراً بتنامي العلاقات الصينية - الإسرائيلية في المجالات الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية؛ الأمر الذي أضعف التحالفات العربية على الصعيد الدولي لصالح القضايا العربية،
وكشف ظهر الموقف العربي في الأمم المتحدة أمام الضغوط والإملاءات الأمريكية والتجاوزات العدوانية الإسرائيلية المتصاعدة غير أن واقع الحال إزاء المصالح العربية والصينية اقتضى ولا يزال أن يبحث الطرفان عن آليات ووسائل تحقق رفع مستوى التشابك والتعاون المصلحي بين الطرفين على مختلف المستويات وهو ما كان يقف خلف فكرة إنشاء المنتدى العربي-الصيني. (2)
____________________________________
(1) أحمد منصور، صحيفة الوطن، 13/6/2005
(2) محمد نعمان جلال، العالم العربي ودواعي التحاور الجاد مع الصين، مجلة الصين اليوم، العدد 4 لعام 2003
أبرز المصالح العربية في السنوات العشر القادمة
تتعدد المصالح العربية التي يسعى العرب لتحقيقها خلال السنوات العشر القادمة على مختلف المستويات وفي مختلف المجالات، ولكن على صعيد توقع الدعم الصيني فإن أبرز هذه المصالح يتمثل بما يلي:
1- تشجيع التنمية الاقتصادية والاجتماعية بما يحقق استقراراً سياسياً ويعالج نسبة كبيرة من مشاكل الفقر والبطالة في معظم البلاد العربية.
2- تطوير دور العرب في رسم مستقبل الشرق الأوسط وسياسات النظام الدولي، لبناء نظام دولي يتمتع بالنزاهة والعدالة، وأن يتحقق للعرب مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي.
3- دعم الموقف العربي والفلسطيني بالضغط على إسرائيل للتجاوب مع الحقوق الفلسطينية والعربية وخاصة تلك المتعلقة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي ووقف عدوانه على الشعب الفلسطيني.(1)
4- تطوير التعاون العربي-الصيني في مجالات الأمن في الخليج بما يحقق التوازن مع التواجد الأمريكي والأوربي، ويحقق الأمن لدول الخليج، ويحافظ على حماية مصادرالطاقة فيه لحماية الحضارة الإنسانية والتطور الصناعي الدولي.
5- الاستفادة من تطور القوة الاقتصادية الصينية ونفوذها السياسي في تحجيم اتجاهات الهيمنة في السياسة الأمريكية المعاصرة، خاصة في سياسات النظام الدولي تجاه الشرق الأوسط.
6- المساعدة في تطوير الصناعة والتكنولوجيا في الوطن العربي، بما يحقق اقتصادا صناعيا متناميا، ويطور استخدامات التكنولوجيا فيها، ويوطن الصناعات التكنولوجية.
7- الاستفادة من تجربة الصين في تحقيق معدلات مرتفعة للتنمية الاقتصادية ومعالجة مشكلتي الفقر والبطالة في الوطن العربي
8- الاستفادة من القدرات والخبرات العسكرية الصينية في تطوير القدرات العسكرية العربية التقليدية منها وغير التقليدية لدعم اتجاه التوازن الإستراتيجي للعرب مع إسرائيل وكذلك في مجال تكنولوجيا التصنيع العسكري.
9- تطوير التعاون العربي-الصيني لبلورة موقف حضاري لسياسة حكيمة في التعامل مع ظاهرة الإرهاب الدولي تستند إلى شرعية المقاومة ضد الاحتلال العسكري بكافة الوسائل، ومحاربة أعمال الإرهاب المنظم ضد الأبرياء والمدنيين دون تمييز مهما كان مصدرها، ووضع إستراتيجية مشتركة مع العرب لإقرار هذه التوجهات في الأمم المتحدة، حيث أصبحت قضية الإرهاب الدولي القضية المحورية على أجندة السياسة الدولية بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001.(2)
_______________________
(1) المرجع السابق
(2) محمد عبدالوهاب الساكت ، الموقف العربى من القضايا الصينية ،السياسة الدولية ، ،يوليو2001، العدد145
وقد اهتم العرب والصينيون بقضية مكافحة الإرهاب، لكن المعضلة تكمن في سعي بعض الدول للخلط بين الإرهاب والمقاومة المشروعة للاحتلال. لقد قاوم الصينيون الاحتلال الياباني لمنشوريا وأيدت مصر تلك المقاومة بمجرد دخولها عصبة الأمم سنة 1937، وهو أمر يجعل الصين في مركز المتفهم لضرورة دعم المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي، حيث تختلف المقاومة المشروعة للاحتلال عن الإرهاب الذي يستهدف الأبرياء دون تمييز، كما يمكن أن يتم التعاون على تحييد الإسلام من الاتهام لان ظاهرة الإرهاب ظاهرة عالمية يمارسها الناس من أتباع مختلف الديانات لاعتبارات إرهابية لا علاقة لها بالدين(1).
ثانيا: المصالح الصينية التي يمكن للجانب العربي أن يخدم في تحقيقها
على مستوى التعاون والتبادل والدعم فان العرب يمكن لهم أن يقدموا خدمة للصين في تحقيق العديد من مصالحها، ومن أبرز ذلك:
1- التعاون الاقتصادي على صعيد فتح الأسواق العربية وتطبيق أنظمة الإعفاءات الجمركية المتبادلة مع الصين.
2- استفادة الصين من النفط والغاز العربي (الطاقة) دون المرور عبر معبر السياسة الأمريكية أو الغربية.
3- دعم الصين كقوة دولية اقتصادياً وسياسيا في منظومة النظام الدولي خاصة في ظل النفوذ الهائل لتكتل الدول الصناعية الثمانية في التجارة والاقتصاد والسياسة الدولية حيث ليس للصين فيها أي دور.
5- فتح المجال للتبادل والتلاقح الثقافي بين الصين والعرب وتحقيق الإسهام المشترك لمنع اندلاع ما يسمى بصراع الحضارات، ودفع العالم نحو توفير قواعد التنافس والتعاون والحوار الحضاري بعيد المدى كإستراتيجية إنسانية عامة.
6- فك العزلة الثقافية للصين في النظام الدولي في ظل هيمنة الحضارتين الأمريكية والأوربية (الحضارة الغربية) على السياسات الثقافية والتعليمية والاجتماعية للنظام الدولي ومؤسساته المختلفة.
ثالثا: الإشكالات القائمة في العلاقات الصينية-العربية
1- تطور العلاقات الصينية –الإسرائيلية على حساب العلاقات مع الدول العربية.
2- صعوبة اللغة الصينية مما يحول دون انتشارها في الأوساط العربية وبالعكس.
3- اعتماد الطرفين العربي والصيني على مصادر المعلومات والإعلام الغربي في تشكيل رؤيته ومعلوماته عن الآخر، وخصوصا الوسائل التي تسيطر عليها الولايات المتحدة وبريطانيا (CNN وBBC)، والذي يتسبب في:
§ نقل الصور المشوهة، وتنشئان سوء الفهم لدى كل طرف عن الآخر، مما يزيد الجهل ويعقد العلاقة.
______________________________ (1) محمد السيد سليم، نحو بناء منتدى عربي- صيني للتعاون، مجلة الصين اليوم، العدد4 لعام 2003
§ " أن علاقات الصين بالعامل العربي ودورها المستقبلي في العلاقات الدولية يستلزم وضوح الرؤية ضد محاولات التشويه والتشويش التي تقوم بها عناصر دولية معادية، بهدف بث الفرقة والتشكيك والاختلافات في علاقات الطرفين" (1)
§ إعطاء الانطباع الخاطئ للقيادات والمفكرين الصينيين عن منطقة الشرق الأوسط ودفعها للابتعاد عن الخوض في سياساتها، حيث تعرف المنطقة وفق هذه المصادر كما يلي:
منطقة مضطربة وفيها توقع غير المتوقع وقضايا المنطقة معقدة جدا ولا يمكن حلها
تعتبر المنطقة منبع الإرهاب في العالم سواء الإرهاب الأصولي أو الراديكالي ولا تستطيع الصين التأثير في المنطقة وهي على هذه الحال
4- ضعف الأثر الصيني في السياسات الدولية الخاصة بالشرق الأوسط، مما يحد من تأثيرها في الصراع العربي- الإسرائيلي.
وفى النصف الثانى من القرن العشرين كان للتشابه الكبير ما بين القضايا العربية والقضايا الصينية أثره البالغ فى تضامنهما من أجل إنهاء السيطرة الأجنبية وتوحيد الأوطان والمحافظة على السيادة ورفض سياسات الهيمنة وانتهاك سيادة الدول.وقد اعتمد الموقف العربى من القضايا الصينية على عدة اعتبارات أهمها ، التأييد المستمر والواضح من جانب الصين للقضايا العربية واهتمامها بتوطيد علاقاتها العربية ، كما أن هناك العديد من الاتفاقيات المشتركة بين البلاد العربية والصين ، تؤكد جميعها على ضرورة التعاون الاستراتيجى بين الطرفين والتقارب فى وجهات النظر ومن أهم القضايا التى تبلور الموقف العربى بشأنها مبكراً ، قضية الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية وسحب الاعتراف بحكومة الصين الوطنية ، ثم اهتمت المجموعة العربية بعد ذلك بقضية تمثيل الصين الشعبية فى الأمم المتحدة وأيدتها.كما تفهمت الدول العربية الموقف الصينى من قضية تايوان وأيدت سياسة الصين القائمة على أساس'دولة واحدة ونظامان'ومن أهم القضايا التى تبلور الموقف العربى بشأنها مبكراً ، قضية الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية وسحب الاعتراف بحكومة الصين الوطنية ، ثم اهتمت المجموعة العربية بعدذلك بقضية تمثيل الصين الشعبية فى الأمم المتحدة وأيدتها.كما تفهمت الدول العربية الموقفالصينى من قضية تايوان وأيدت سياسة الصين القائمة على أساس'دولة واحدة ونظامان'.وكان ذلك راجعاً الى التشابه الواضح فى التدخل الأجنبى لدعم الانفصالية فى
تايوان ، والدعم الأجنبى لاسرائيل الذى يساعدها على انتهاك القرارات الدولية والاستيلاء على الأراضى العربية (2)كذلك فإن الدول العربية تشارك الصين بصورة عامة فى موقفها من قضية المعالجة الدولية لحقوق الانسان ، حيث واجه كلا الطرفين ادعاءات مختلفة من جانب بعض الدول الأجنبية بانتهاكات لحقوق الانسان. الاقتصادى .
__________________________
(1) المرجع السابق
(2) محمد نعمان جلال، مصدر سابق.
رابعا: محددات السياسة الصينية المعاصرة تجاه الشرق الأوسط
1. سياسات الولايات المتحدة تجاه منطقة الشرق الأوسط وفي النظام الدولي، وآفاق مستقبلها ودورها في الشرق الأوسط، إضافة إلى تطور العلاقات الصينية الأمريكية وتزايد التبادل التجاري بينهما مما يحول دون تفاقم الأزمات بينهما، ويدفع الصين لتجنب أي صدام مع السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط
2. ارتباط العديد من الدول العربية سياسياً واقتصادياً مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي
3. تنامي العلاقات الصينية مع إسرائيل بدرجة تمنعها من انتقادها أو التصويت ضدها في الأمم المتحدة.
4. اعتماد السياسة الصينية الحالية على المصالح الاقتصادية، والتي يلزمها الأمن والاستقرار إقليميا ودوليا حسب الكثير من الإستراتيجيين الصينيين، وتأثر المصالح الصينية بأي إجراءات أو سياسات تتسبب في عدم الاستقرار.
5. استمرار عملية السلام في الشرق الأوسط، ومشاركة العرب فيها تحت الرعاية الأمريكية، وما يشكله ذلك من إطار للاستقرار النسبي في المنطقة.
6. النظرة الخاصة للصين إلى الشرق الأوسط والتي تقوم على:
§ أن سياستها تجاه الشرق الأوسط تخضع لسياستها العامة الداعية إلى بناء بيئة استقرار وسلام دولية
§ أن مسألة الشرق الأوسط مسالة معقدة جدا (1)[1]، ولدى العرب وجهات نظر مختلفة
§ تعتقد الصين أن للعرب دورا مهما، وهي تسعى لبناء تعاون اقتصادي معهم أكثر من ميلها لتعاون سياسي، حيث أن تطوير وتنمية الاقتصاد الصيني هي السبيل لإرغام العالم على الاستماع إليك(2) [2].
7. تبني الصين لرؤية خاصة لحل مشاكل الشرق الأوسط تقوم على ما يلي:
§ اعتماد التعاون الإقليمي كأساس للسياسة الأمنية
§ عدم الرغبة بالتورط عسكريا في منطقة الشرق الأوسط
§ قناعة الصين بأن التعاون الثنائي والمتعدد وبناء التنمية الاقتصادية سوف يحد من الأزمات في المنطقة ويعالج مشكلة الإرهاب
§ التزام الصين باعتماد القنوات الدبلوماسية في تطبيق سياساتها في الشرق الأوسط
§ تشجيع الصين لاتجاهات حوار الحضارات الثنائية والمتعددة
خامسا: مقترحات وبرامج لتطوير العلاقات بين الطرفين في القرن الحادي والعشرين
نحو تجذير علاقات عربية-صينية متماسكة على قاعدة التعاون الحضاري وتبادل المصالح والتحالف في النظام الدولي، ويمكن تحقيق ذلك من خلال:
1- توسيع التبادل الثقافي بين الصين والدول العربية من خلال وسائل متعددة منها: (1)
o تبادل المعلومات والوثائق والأفكار بين المؤسسات والأفراد المثقفين في الطرفين
o تطوير التبادل الثقافي وتعلم اللغات لدى الطرفين
o عقد الندوات المؤتمرات المشتركة بين المؤسسات المتشابهة
2-زيادة وتطوير التبادل الاقتصادي، وفتح مصانع صينية في الوطن العربي، ونقل صناعة التكنولوجيا إليه.
3- منح امتيازات للشركات الصينية للتنقيب عن النفط في بعض الدول العربية كما هو الحال في السودان.
4- إنشاء مناطق تجارة حرة بين الصين والدول العربية.
5- إعطاء مزيد من الحرية للمسلمين في الصين ليكونوا إضافة نوعية للمساهمة في تعزيز العلاقات بين الصين والعرب.
6- المساعدة في منح الدول العربية مقعدا في مجلس الأمن الدولي.
7- التعاون مع العرب لتصحيح الميزان الإستراتيجي في الشرق الأوسط
8- تطوير دور الصين في التعامل مع القضية الفلسطينية والضغط على الجانب الإسرائيلي
9- ضرورة الحد من التغلغل الإسرائيلي في العلاقات مع الصين على حساب الوطن العربي.
10- زيادة التبادل الدبلوماسي والسياسي بين الصين والدول العربية للحد من النفوذ والهيمنة الأمريكية.
11- تفعيل المنتدى العربي – الصيني عن طريق عقد مؤتمرات دورية على مختلف المستويات.
12- التعاون في القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك ومنها(2).
حوار وتعاون الحضارات في مواجهة توجهات صدام الحضارات، والعمل على تخفيف هيمنة الحضارة الغربية على العالم وتطبيق القانون الدولي بعدالة ودون تمييز، وإصلاح المنظمة الدولية، ووقف هيمنة الولايات المتحدة على السياسة الدولية ومواجهة استحقاقات تفشي ظاهرة الإرهاب وتمييزها عن المقاومة المشروعة ضد الاحتلال، والتوصل إلى وثيقة دولية تقوم على هذه القاعدة القانونية مواجهة استحقاقات العولمة الاقتصادية لصالح بناء اقتصاديات متنامية ومستقلة.
_________________________
. www.islamonline.net محمد جـواد الحـمد، الصين والعرب :كيف تتحقق شراكة جادة ، (1)
(2) محمدالسيد سليم، مرجع سابق
الدور الذي يلعبه الشرق الاوسط في علاقات الصين الخارجيةعندما تأسست جمهورية الصين في عام 1949 واجهت حصاراً من قيل الدول الغربية. وكان من نتائج هذا الحصار ان الصين اتجهت الى دول العالم الثالث لبناء علاقات صداقة. كانت مصر وسوريا والجزائر من الدول التي اسست علاقات مع الصين في العقود اللاحقة ولحقتها دول عربية أخرى. وبالنسبة للصين كانت هذه العلاقات الدبلوماسية مهمة لكسر الحصار الذي قادته الولايات المتحدة ضد الصين خاصة في موضوع عضوية الصين في الامم المتحدة. وحاولت الصين جاهدة منع تايوان من الانضمام للامم المتحدة معتمدة على دعم الدول الاسيوية والافريقية أكثر من غيرها ويذكر الصينيون الدور الذي لعبته الجزائر في المجال بايجابية.وفي مرحلة ما بعد الحرب الباردة واجهت الصين انتقادات حادة في موضوع حقوق الانسان خاصة بعد حادثة تياننمين سكوير في بكين حيث حاولت الولايات المتحدة والدول الغربية تمرير قرار عن طريق مؤتمر الامم المتحدة لحقوق الانسان يدين الصين (1)
تحتل منطقة الشرق الأوسط مكانة هامة فى السياسة الخارجية الصينية ، فقد ساهمت معظم دول المنطقة فى مجال إعادة الصين الى مكانتها الشرعية فى الأمم المتحدة ، وأيد الطرفان بعضهما فى الكثير من المشكلات الدولية الهامة.وبعد الحرب الباردة استمرت دول الشرق الأوسط فى تأييد الصين ايجابياً فى قضايا حقوق الانسان وتايوان والتحاق الصين بمنظمة التجارة العالمية.ويشترك الطرفان فى الكفاح من أجل إقامة نظام سياسى دولى جديد ولكن حتى الآن لم تتطور العلاقات بين الصين والشرق الأوسط بالدرجة الكافية، حيث تركز الصين بالدرجة الأولى على تعديل علاقاتها مع الدول الكبرى والمجاورة فى المجال الدبلوماسى ، وفى المقابل فإن دول الشرق الأوسط وبصفة خاصة الدول العربية مازالت تعتمد فى معظمها على الولايات المتحدة والدول الغربية سياسياً واقتصادياً ولاتبدى اهتماماً حقيقياً بالعلاقات مع الصين وهناك جهود ومساعى متبادلة لتطوير وتنمية العلاقات السياسية والاقتصادية بين الصين ودول الشرق الأوسط وتوطيد الروابط الثقافية والعلمية على المستويين الرسمى والشعبى،ولكن المعضلة تتمثل فى أن الشرق الأوسط به عدة دول لها مصالح مختلفة ، وهناك تناقض وصراع بين هذه الدول ، وهناك أيضاً عوامل عدم استقرار كثيرة وأوضاع معقدة ومتغيرة داخل هذه المنطقة ، ينبغى على الصين أن تعرف سبل التعامل معها.
وهنا وجدت الصين الدعم الذي تريد من دول العالم الثالث بما فيها دول الشرق الاوسط. ولازال الصراع الصيني - التايواني يدفع الدولتين للتأسيس علاقات دبلوماسية مع دول العالم الثالث. اتجهت تايوان لدول افريقيا وامريكا اللاتينية نظراً للدعم الضئيل الذي حصلت عليه من دول أسيا. فمن بين الدول الـ 24 التي تعترف بتايوان هناك 6 دول افريقية. وترى الصين في الزيارة التي قام بها رئيس تايوان لليبيا والامارات العربية المتحدة مؤشر على وجود ارض معركة دبلوماسية جديدة بين الصين وتايوان في الشرق الاوسط. والصراع الدبلوماسي الصيني - التايواني سيشهد ازدياداً في منطقة الشرق الاوسط نظراً لوجدود علاقات اقتصادية قوية مع منطقة الشرق الاوسط.(2)
_________________________________
(1) لى وى جيان ، تحليل ودراسة العلاقات بين الصين ودول الشرق الأوسط ، السياسة الدولية ، يوليو2001،العدد145
(2) www.arabic.peopledaily.com.cn
العلاقات الصينية الاسرائيلية:
شهدت مسيرة العلاقات بين الصين الشعبية وإسرائيل منعطفات خطيرة واختلافات عميقة لعقود طويلة تمتد من أوائل الخمسينيات حتى مطلع التسعينيات، إذ تباينت رؤية الدولتين وأسلوبهما ومواقفهما من عملية إقامة علاقاتهما الدبلوماسية؛ ولذلك اتسم الأداء النظري والعملي والدبلوماسي من جانب الدولتين بالتناقضات المتأرجحة بين "الإقدام والإحجام" و"الحماس والفتور"، وأصبح المشوار الصيني – الإسرائيلي الأكثر طولاً في تاريخ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدول
بدت في بداية عقد السبعينيات بوادر تحول سريع في سياسة الصين الخارجية تجاه الصراع العربي – الإسرائيلي، وبدأت بكين تبحث عن مصالحها الوطنية، وتخلت عن عدائها لإسرائيل واتخذت مواقف "معتدلة" وانتهجت سياسة "مرنة" إزاء العديد من المشكلات الدولية بصفة عامة والصراع العربي- الإسرائيلي بصفة خاصة.
ويمكن رد هذا التحول إلى الأسباب التالية:
1) زيادة التفاهم الصيني - الأمريكي، وخاصة بعد زيارة الرئيس الأمريكي للصين في عام 1972م، ولذلك خفّت حدّة العامل الأمريكي ولم يَعُد عقبة كبرى أمام "الدولتين" في إقامة علاقات دبلوماسية.
2) بعد وفاة الزعيم الصيني "ماو تسي تونغ" في عام 1976م بدأت السياسة الصينية تميل نحو تطوير العلاقات الصينية - الإسرائيلية، كما أثّرت سياسة الإصلاح الاقتصادي والسياسي والانفتاح على العالم الخارجي التي بدأتها الصين في أواخر 1978م.
3) تفاقم شدة الخلاف بين أكبر دولتين شيوعيتين في العالم: الاتحاد السوفييتي السابق والصين الشعبية، وكان من مصلحة الصين كبح توغل موسكو في شرق آسيا، ونظراً لأن إسرائيل تقف في وجه التوغل السوفييتي في الشرق الأوسط، فإن الصين وجدت نفسها تقف إلى جانب إسرائيل.
وقد أدركت إسرائيل هذا التحول الذي طرأ على موقف الصين وبادرت إلى إجراء اتصالاتها السرية الهادفة إلى التفاهم وبناء جسور الثقة مع بكين، وتبادل مسؤولون إسرائيليون وصينيون زيارات سرية لم يُعلن عنها.
التعاون العسكري:
أصبح المجال العسكري والصفقات العسكرية هما القاعدة الصلبة التي شُيِّد فوقها صرح العلاقات الإسرائيلية - الصينية، وهنا لا بد من إلقاء نظرة سريعة على الخطوط العريضة لهذا التعاون في ضوء التقارير التي نشرتها الصحف الإسرائيلية والمجلات الغربية المختصة في الشؤون العسكرية والدفاعية:
1) في عام 1980م كتب "كريغ كارخل" في مجلة "دتيهاوس" إن وفدًا عسكريًّا إسرائيليًّا زار الصين ودرس إمكانية بيع تقنية متقدمة.
2) في عام 1983م نشرت مجلة الأخبار الفرنسية خبراً تحت عنوان "2000 عسكري إسرائيلي يساعدون في تحسين الجيش الصيني".
3) في أوائل الثمانينيات عقدت الصين صفقة عسكرية مع إسرائيل قيمتها مليار دولار حصلت بموجبها على 54 طائرة "كفير" ودبابات من نوع "ميركانا" وصواريخ "جبرابيل"، كما بدأ تطوير الطائرة ف - 10 استنادًا إلى خبرة إسرائيل في إنتاج الطائرة لافي.
4) في عام 1984م نشرت المجلة البريطانية "جينس دينفس ويكلي" العسكرية خبرًا حول صفقات أسلحة تصل قيمتها إلى ثلاثة مليارات دولار بين الصين وإسرائيل. وكان من هذه الصفقات تزويد الصناعة العسكرية الإسرائيلية الصين بمدافع من عيار 105 وتطوير تسعة آلاف دبابة صينية عيار 69 . وفي غضون ذلك بدأت الاحتجاجات الأمريكية تصل إلى إسرائيل وتتهمها بأنها تزويد الصين بالتقنية الأمريكية التي تحصل عليها إسرائيل من أمريكا. (1)
5) شهد عام 1985م أول صفقة علنية بين الصين وإسرائيل حين اشترت الصين معدات حربية وقطع غيار للدبابات السوفيتية "تي - 62" التي أضاف إليها الصينيون مدافع إسرائيلية من عيار 105 ملم، وفي المقابل باعت بكين إلى تل أبيب كميات من الحديد ومعادن التيقات والفاناديوم والتاتنال وهي معادن مهمة لإنتاج الطائرات والصواريخ.
6) أكدت مجلة "ديفنس ويكلي" في عام 1986م إن إسرائيل باعت للصين الصاروخ المضاد للدبابات "مافتس".
7) نقلت إسرائيل للصين تقنية لإنتاج صاروخ جو - جو (بانيون 3) وهو تقليد للصاروخ الأمريكي "سايد وايندر".
8) قدمت إسرائيل - حسب تقرير لوكالة المخابرات الأمريكية - معلومات متقدمة للغاية إلى الصين عن أجهزة التوجيه بالصواريخ بصفة عامة وصاروخ "باتريوت" بصفة خاصة.
9) وفي مطلع التسعينيات بدأت المفاوضات الصينية الإسرائيلية لتزويد بكين بطائرات استخبارية على نمط "الأواكس" بقيمة 250 مليون دولار.
10) في معرض الصين العالمي للطيران عام 1995م شاركت ثماني مؤسسات إسرائيلية لصناعة الطيران، وذلك تحت اسم الدولة الإسرائيلية لأول مرة.
هذا، واعتبر التعاون الإسرائيلي الصيني في تطوير نظام فالكون للسيطرة، وإنتاج الطائرة المقاتلة "إف-10" من أهم مشروعات التعاون العسكري بين الطرفين.
________________________
(1) www.islamonline.net
العلاقات السياسية بين الدولتين:
شهدت السبعينيات أول اتصال رسمي معلن بين إسرائيل والصين وكان ذلك عام 1978م عندما اجتمع مندوب الصين الدائم في الأمم المتحدة مع وكيل وزارة الخارجية الإسرائيلية، وقد فتح في عام 1989م أول مكتب اتصال أكاديمي إسرائيلي في بكين.
في مطلع التسعينيات كرست إسرائيل جهودها للاتصال مع القادة الصينيين؛ إذ كان افتتاح الممثلية الإسرائيلية في بكين عام 1990م انقلابًا حقيقيًّا في العلاقة، وشهد عام 1991م اتصالات دبلوماسية مكثفة بين الصين وإسرائيل لوضع اللمسات الأخيرة وبناء جسور الثقة وتعميق التفاهم بهدف إقامة علاقاتهما الدبلوماسية، وفي عام 1991م أيضًا أعلنت الدولتان بشكل رسمي إقامة علاقات دبلوماسية بينهما.
وقد بلغ النشاط السياسي ذروته بين البلدين عندما قام رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحق رابين في عام 1993م بزيارة الصين بهدف إقناع الصين بشراء العتاد الإسرائيلي والتقني ومحاولة فتح الأسواق الصينية أمام المنتجات الإسرائيلية، وفي المقابل قام الرئيس الصيني بزيارة إلى إسرائيل العام الجاري استغرقت عدة أيام.
العلاقات العلمية والثقافية:
وقَّعت الدولتان في عام 1991م اتفاقية رسمية للتعاون بين أكاديميات العلوم فيهما أثناء زيارة الوفد العلمي الصيني إلى إسرائيل، وكانت جامعة بكين شهدت في عام 1986م افتتاح كلية لتعليم اللغة العبرية والآداب والتاريخ والديانات اليهودية، كما افتتحت إسرائيل مركزاً أكاديميًّا لها في بكين عام 1991م، كما تمَّ ترجمة بعض الكتب الصينية إلى العبرية.
العلاقات الاقتصادية:
كانت بداية النشاط الاقتصادي بين الجانبين عام 1988م عندما توجه رئيس القسم الاقتصادي في وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى بكين، ووضع بنفسه الخطوط العريضة للاستثمارات الإسرائيلية في الصين.
________________________
(1) المرجع السابق
المبحث الثانى:صنع السياسة الصينيةفى عهد ماو كانت معظم قرارات السياسة الخارجية يتم اتخاذها بطريقة عائلة كورليون فى قصة (God Father): فكان ماو بمثابة الأب الإله ثم جاء بعد ذلك حكم دينج ليفتح آفاقاً جديدة حيث توطدت روابط الصين بالمجتمع الدولى ولكن ظلت القرارات النهائية تتصف بالمركزية الشديدة. وعلى الرغم من ذلك فقد أصبحت عملية اتخاذ قرارات السياسة الخارجية الآن تتميز بالمؤسسية واللامركزية ولم تعد أيضاً تعتمد بشكل كبير على الصفة الفردية لأحد القادة.ومن أحد محاور التغير فى الصين إتاحة فرصة أكبر للدور الذى تلعبه هيئات الإدارة الحكومية المتناظرة والمختصة بقضايا السياسة الرئيسية والمعروفة باسم المجموعات القيادية الصغيرة. كما قامت بكين فى أواخر عام 2000 بتأسيس مجموعة قيادية جديدة للأمن القومى. كما تشكل هذه الهيئات الصورة العامة للنظام السياسى وأيضاً فإنها من شأنها تقييد السلطة التى يستقل بها فرد أو حزب.عملت الصين أيضاً على تنويع مصادر التحليلات السياسية التى تصل إليها من داخل الحكومة أو من خارجها. فعلى سبيل المثال فإن القسم الجديد للتخطيط المتطور لسياسة وزارة الخارجية يلعب الآن دوراً بارزاً كأحد مصادر الفكر السياسى الداخلية ومن ناحية أخرى فقد بدأت الحكومة فى تعيين متخصصين من خارج الحكومة للاستعانة بهم كمستشارين للقضايا الفنية مثل تلك التى تتعلق بعدم انتشار الأسلحة المحظورة والدفاع الصاروخى. هذا ويشارك عدد كبير من الدارسين والمحللين السياسيين الصينيين بصورة منتظمة فى مجموعات الدراسة الداخلية وكتابة التقريرات إلى جانب تصميم بعض المختصرات السياسية حيث يقوم هؤلاء الدارسون والمحللون السياسيون بكثير من الدراسات والزيارات للخارج للقاء بنظائرهم من الخبراء الدوليين بالإضافة إلى أنهم يلفتون أنظار الزعماء الصينيين إلى الاتجاهات الدولية السائدة ويطرحونها عليهم فى قالب من الخيارات السياسية.وهناك أيضاً عامل آخر كانت له بصمة واضحة فى تطوير عملية صنع القرار فى السياسة الخارجية للصين وهو توسيع رقعة المناقشة العامة لتشمل الشئون العالمية. فلم يكن هناك أية مناقشات مفتوحة تتناول المشكلات الحساسة مثل حظر الأسلحة أو الدفاع الصاروخى فى خلال العشر سنوات الماضية، ولكن فى الوقت الراهن يستطيع النقاد أن يتناولوا كل تلك القضايا بالدراسة فى آرائهم ولقاءاتهم التليفزيونية إلى جانب مؤلفاتهم بفرض تفعيل وهيكلة الدبلوماسية الصينية. وفى الوقت نفسه فقد بدأت فئة من الصينيين تضم مسئولى الإعلام والمتحدثين الرسميين للحزب الشيوعى والصحف اليومية الشعبية تجرى مباحثات باستخدام أسلوب المائدة المستديرة بالاستعانة بالإدارة الصريحة للمحللين الجدد حتى إن بعض الصحف وخاصة الهوانكى شيباو (أوقات عالمية) والنانفانج زومو (نهاية الأسبوع الجنوبى) قد نشرت بعض الآراء المطالبة بإيجاد بدائل لسياسة الحزب الرسمى مثل تلك التى تتعلق بكوريا الشمالية.
____________________
(1) المرجع السابق
أما عن الأسلوب الذى يتبعه الساسة فى تنفيذ الدبلوماسية الصينية المتطورة بشكل كبير، فقد تميز بالبراعة والفطنة وهو ما أثمرته نتائج التدريب المناضل الذى بدأته وزارة الخارجية منذ أكثر من عشرين عاماً مع بدء فترة الإصلاح حيث قضى الدبلوماسيون الصينيون وقتاً طويلاً فى دراسة العالم الخارجى من المتحدثين لغة أو أكثر من اللغات الأجنبية والحاصلين على درجات وشهادات علمية من جامعات أوروبا وأمريكا. كما عملت أيضاً على تعزيز فكرة تجنيد المؤهلات المتوسطة المحولة من الولايات الأخرى من أجل زيادة خبراتها فى شتى المجالات.صحب تلك التغييرات فى الواقع حملة صينية جديدة لتعميم وتعزيز السياسة الخارجية للدولة. ففى خلال العقود الماضية كانت المناظرات والتلخيصات يتم إحالتها إلى الصحف اليومية والتقارير الإخبارية والمطبوعات التى تصدرها وزارة الخارجية ثم تغير الوضع مؤخراً حيث أدركت الصين أهمية طرح وجهة نظرها للعالم الخارجى من أجل تحسين صورتها بين الدول.
وطبقاً لذلك فقد بدأت الصين فى منتصف التسعينيات فى إصدار الأوراق البيضاء الحكومية المتعلقة بالموضوعات الجدلية للسياسة الخارجية من أجل التعزيز والدفاع عن آرائها.
ومن هذا المنطلق فقد أصدرت الصين أكثر من ثلاثين وثيقة تتناول مجموعة متنوعة من القضايا الحساسة كتلك التى تتعلق بتنظيم عدد السكان وحقوق الإنسان إلى جانب قضية تايوان والتيبت وكذا قضية الدفاع الوطنى.وإلى جانب تلك التغييرات الداخلية فقد تبنت الصين طريقة أكثر ارتقاءً فى التعامل مع مجموعات الصحافة الدولية. وفى عام 1999 افتتحت وزارة الخارجية مركزاً إعلامياً دولياً جديداً لعقد المؤتمرات الصحفية نصف الإسبوعية والتى يتم ترجمتها فورياً بالإضافة إلى أنها تغطى مساحة مناسبة لطرح الأسئلة الجريئة والإجابات الحقيقية حتى وإن كانت تتعلق بالتغييرات الطفيفة التى طرأت على سياساتها المعلنة. كما دعا كبار مسئولى وزارة الخارجية الآن الصحفيين لعرض موجز للخلفية السياسية غير المعلنة من قبل نشر وثائق السياسة العظمى أو عقب اجتماع القمم الثنائية مثل زيارة يانج زيمن لكراوفورد، تكساس فى أكتوبر عام 2002. حيث تمثل تلك الخطوات انحرافاً مذهلاً لسلوك دولة اعتادت أن تضع شئونها الخارجية تحت السرية التامة.
_______________________________
(1) عاطف الحلوانى ، دبلوماسية الصين الجديدة ، قرأءات استراتيجية ، المجلد الثامن ، العدد الخامس ، مايو2005
ويمثل حاصل تلك التغييرات فى مضمون وسمات وتنفيذ سياسة الصين الخارجية خلال العشر سنوات الماضية طفرة تطويرية هامة التى طرأت على الطريقة الانطوائية والرجعية التى اعتادت الصين العمل بها فيما بين فترة الثمانينيات وأوائل التسعينيات. أثناء السنوات الثلاث الماضية وخاصة منذ أحداث الحادى عشر من سبتمبر عام 2001 بدأت المؤلفات الاستراتيجية الصينية تعكس تحولاً حاسماً فى وجهات النظر المتعلقة بالنظام الدولى والدور الذى تلعبه الصين نحوه،
ومن أحد أكبر المقومات النهائية للفكر الجديد بالصين هو قبول الصين مؤخراً إلى اعتبار العالم فى الوقت الحالى أحادى القطبية واعتبار أمريكا الكفة الراجحة التى سيستمر وجودها إلى عقود قادمة. على الرغم من أن الزعماء الصينيين ساندوا مبدأ تعدد الأقطاب كتيار مناسب لكل العصور (وأدانوا فى المقابل مبدأ أحادية القطب)، يعترف المحللون الصينيون فى الوقت الراهن بأن دولتهم لا ولن تستطيع فى أى وقت مجابهة أمريكا كقوة مسيطرة على العالم برمته فى الوقت الراهن، مع أن تلك الديناميكية لم تصبح مؤكدة بعد داخل آسيا. كما قام أحد خبراء السياسة الخارجية الصينية بنشر مقال مؤخراً يميز فيه بين القوة المهيمنة والسلوك المهيمن كما اقترح أن الصين فى إمكانها لأن تفضل القوة المهيمنة كحل مناسب عن السلوك المهيمن وأضاف قائلاً أن تحقيق الصين للسلام والتنمية جنباً إلى جنب مع الأهداف الاقتصادية المرجوة يمكن أن يظل منتعشاً فى العالم أحادى القطب وهذا هو الوضع الآن. والأمر الذى لم يدركه الصينيون حتى الآن هو أن الاقتصاد الصينى قد أفاد بصورة هائلة من التفوق العسكرى الأمريكى والمجهودات التى بذلتها أمريكا من أجل الحفاظ على الاستقرار فى المنطقة الآسيوية خلال العشرين سنة الماضية..(1)يعد تأكيد الصين على إقامة علاقات دولية قوية ووضعها على قمة هرم أولوياتها السياسية الخارجية امتداداً طبيعياً لذلك التيار الفكرى الحديث. كما يرى الاستراتيجيون الصينيون أن تحقيق مصالحهم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقوى العظمى بينما تكاد لا تتعلق بشئون الدول النامية لذلك فقد جاء ترتيب الأمم النامية فى قاع الهرم ويعبر ذلك التغيير وحده عن الطفرة الانتقالية المذهلة التى شهدتها الصين خلال فترة الستعينيات عندما كان بعض الصينيين ينكرون حقها فى الدخول فى نطاقات العولمة والدول العظمى والمؤتمرات التعددية. ولكن اليوم أصبح المسئولون الصينيون يعبرون بصورة واضحة عن حاجة بلادهم إلى المشاركة فى المسئوليات العالمية شأنها فى ذلك شأن غيرها من الدول العظمى. وانعكاساً لتلك التغيرات فقد أصبح الرئيس هيو جينتاو أول رئيس صينى يحضر اجتماعات مجموعة أكبر ثمانى دول صناعية فى العالم (G - 8).
___________________________
(1) المرجع السابق
المبحث الثالث : السياسة الخارجية الصينية تجاه اسيا
اولا" : العلاقة الباكستانية الصينية
ترتكز علاقة الصين بباكستان على مقومين أساسيين هما الأمن الصيني والمشاريع الاقتصادية الصينية داخل باكستان. ويصف دائما مسئولو الدولتين هذه العلاقة بأنها فريدة وعصية على أي تعكير وإفساد.
وتبدي الصين استعدادها الكامل لمساعدة حليفتها باكستان في التغلب على ما تعانيه من فقر وتخلف اقتصادي؛ وذلك من خلال مشاركتها الضخمة في المشاريع الباكستانية الكبرى، مثل ميناء "جوادار" وطريق "ميكران"، وتحديث طرق القطارات، فضلا عن تطوير التعاون التقني لدعم الاستخدام السلمي للطاقة النووية، حيث وقع البلدان في إبريل 2004 اتفاقا تقوم الصين بمقتضاه ببناء قاعدة "كاشما" النووية في باكستان بقوة 300 ميجاوات.
كما لا يخفى ازدياد حجم التبادل التجاري بين البلدين في الآونة الأخيرة والذي تصاعد من 1.8 بليون دولار عامي 2001 و2002 إلى 2.4 بليون دولار في 31 ديسمبر 2003؛ وازدياد الصادرات الباكستانية إلى الصين من 557 مليون دولار إلى 575 مليون دولار وارتفاع الصادرات الصينية إلى باكستان من 1.242 بليون دولار إلى 1.845 بليون دولار في نفس الفترة. هذا إلى جانب اتفاقية التجارة التي وقعت بين البلدين في يناير 2004، والتي سوف يتم بمقتضاها إزالة الجمارك الباكستانية عن 200 منتج صيني، وإزالة الجمارك الصينية عن 800 منتج باكستاني.(1)
والمؤكد هو أن تصاعد الدور الصيني إلى العالمية لا يعني أبدا أن تتنازل عما يربطها بباكستان من أواصر خاصة الأواصر الجغرافية؛ لأن الصين محرومة جغرافيا من الوصول إلى دول آسيا الوسطى، على عكس باكستان التي يمكنها بفضل قربها الجغرافي من تلك الدول أن تساعد الصين على الوصول إليها تجاريا، أي يمكن لباكستان أن تصير همزة الوصل لتوصيل المنتجات الصينية إلى دول وسط وغرب آسيا.
_____________________________
(1) شيرين حامد فهمي ، الصين وجنوب آسيا.. واقعية جديدة، ترجمةعن المركز الباكستاني للدراسات الإقليمية ، www.islamonline.net
فعبر ميناء "جوادار" الباكستاني الواقع حاليا تحت الإنشاء وأيضا عبر الطريق السريع "كاراكوروم" الذي يربط بين غربي الصين وشمال شرق باكستان، ستتمكن الصين من توصيل منتجاتها وبضائعها في سلام وأمان إلى دول آسيوية كثيرة؛ وهو ما سيجلب الثراء على الحليفين معا.
ومع تطور الوقائع والحقائق الجيو-اقتصادية، وحضور السوق الحرة بقوة على الساحة الاقتصادية، واستفحال العولمة والمنظمات الإقليمية، تحول الحليفان إلى انتهاج الدبلوماسية الاقتصادية كأفضل بديل لمواكبة ذلك التطور. فاتجهت باكستان إلى تنمية علاقاتها بمنطقة شرق آسيا وعكست الزيارات المتعاقبة للرئيس الباكستاني ورئيس وزرائه لعديد من دول شرق آسيا اقترابا وتعطشا باكستانيا للتعاون الاقتصادي مع هذه الدول ووضعها على قائمة الأولويات الباكستانية. (1)
ولا نستطيع أن نتحدث عن العلاقة الصينية الباكستانية دون ذكر عامل النفط الذي تعتمد عليه الصين اعتمادا أساسيا في صناعتها. فباكستان -كما سردنا من قبل- تتمتع بموقع جغرافي متميز، حيث تقع على مداخل ثلاثة: وسط آسيا، شرق آسيا، غرب آسيا. وما يهمنا في هذه النقطة منطقة وسط آسيا التي تطل على بحر القوقاز الذي يعتبر "الخليج الفارسي" للقرن الحادي والعشرين، لما يحتويه من كميات لا توصف من النفط والغاز. ولكي ينقل النفط القوقازي إلى الصين، بل وأيضا إلى الولايات المتحدة وغربي أوربا واليابان، لا بد أن يكون الطريق التجاري آمنا، بحيث لا يتعرض إلى المرور بالأراضي الإيرانية أو الروسية. وقد تبين من وجهة النظر الصينية والغربية واليابانية أن باكستان بوضعها الجغرافي تمثل أكثر الطرق أمانا للقيام بتلك المهمة.
_____________________
(1) المرجع السابق
ثانيا :العلاقات الصينية الهندية
جاء عقد التسعينيات، ليساهم في مزيد من العلاقات الإيجابية، وذلك بفعل التحول الذي شهدته الرؤية الإستراتيجية الهندية. وكان انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي عاملا إضافيا مؤثرا في تحول تلك الرؤية؛ أما أهم العوامل تأثيرا فكان ذيوع برامج التحرر أو اللبرلة الاقتصادية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، والتي انتهجت بعدها الحكومات الهندية المتعاقبة سياسات خارجية تتلون بلون البرجماتية أكثر من تلونها بلون الأيديولوجيا.
وقد بدت ملامح هذا التقارب بين البلدين في بعض الأمور التي أبرزها: تطور ملحوظ في العلاقات التجارية والتعليمية والثقافية؛ جهود كثيرة لتجاوز الحساسيات الحدودية؛ تقدم واضح في مجال الأسلحة المضادة للدمار الشامل (اتفاقية "حفظ السلام والهدوء" عام 1993، واتفاقية "مقاييس بناء الثقة" في عام 1996)؛ تدشين حوار أمني بين الطرفين في عامي 1999 و2000؛ زيارة "فاجبايي" للصين في 2003 التي كانت سببا في وضع أساس التقارب بين البلدين عبر تقزيم المشاكل ذات المدى البعيد بينهما واستغلال الفرص الجديدة للتعاون الاقتصادي بينهما، وقد قام كل منهما بالفعل بإرضاء الآخر (اعتراف الهند الرسمي بسيادة الصين على التبت، واعتراف الصين في المقابل بسيادة الهند على مملكة "سيكيم" السابقة)؛ الشروع في حل مشكلة الحدود بين الصين والهند على أساس مبدأ "التعايش السلمي"؛ واتفاق الدولتين في مارس 2004 على توطيد العلاقات العسكرية عبر تبادل الخبرات والتدريبات.(1)
ويرى بعض صانعي السياسات في جنوب آسيا أن الهند سوف تتحول من الصديق المؤيد للصين إلى المنافس اللدود. ويعللون ذلك بتطلعات النخبة الهندية -خاصة البراهمينيين Brahmins- نحو السيطرة والهيمنة العالمية؛ الأمر الذي ظهر جليا منذ تسلم حزب "باهارتيا جاناتا" السلطة الهندية في عام 1998، وإصراره منذ ذلك الحين على أخذ دور القوة الكبرى في المنطقة؛ ومن ثم عمله على توسيع العمق البحري والإستراتيجي الهندي من "أندومان" إلى جزر "نيكوبار"، وتدشين قواعد هندية في فيتنام وطاجكستان، وتوسيع الاتصالات الدفاعية والأمنية الهندية لكي تشمل إيران واليابان وكوريا الجنوبية، وتعميق الدبلوماسية الدفاعية الهندية في مختلف ربوع آسيا، وانخراط الحكومة الهندية في مشاريع الطرق الكبرى بالقارة الآسيوية، مثل مشروع الطريق السريع بين الهند وتايلاند وماينمار، وعلى إجراء اختبارات نووية في عام 1998؛ وهو ما أثار غيظ الصينيين.
________________________
(1) شيرين حامد فهمي ، العلاقات الصينية الهندية.. تطبيع أم تصادم ، ترجمة عن المركز الباكستاني للدراسات الإقليمية ؛ www.islamonline.net
هذا عن العملاق الهندي... فماذا عن العملاق الصيني؟ من المتوقع في السنوات القادمة أن يزداد الاعتماد الصيني على استيراد الطاقة (النفط) الذي سيصير عنصرا أساسيا في تحديد العلاقات الصينية الخارجية، بل وفي رسم رؤية الصين للعالم. وأقرب دليل على ذلك، الزيارات التي قام بها الرئيس الصيني "هو جينتاو" في يناير 2004 إلى كل من مصر والجزائر والجابون؛ وهي جميعها دول مصدرة للنفط، ولم تكن أبدا من ضمن أجندة الصين الخارجية.
ومن المتوقع أيضا، أن تصير توجسات الصين الأمنية والعسكرية تجاه الهند هي المحدد الأساسي لسياسة الدولة الصينية تجاه منطقة جنوب آسيا، فالمشاحنات الصينية الهندية في جنوبي آسيا وفي شمالي المحيط الهندي ليس بأمر مستبعد، بل من المفترض أن تصبح في المستقبل القريب ظاهرة مهيمنة على القارة الآسيوية. أما المحدد الآخر للسياسة الصينية تجاه منطقة جنوب آسيا، فهو يتمثل في النزاعات الصينية الهندية حول الحدود، وبالذات فيما يخص إقليم "التبت" الذي هو بمثابة "اللحم" الإستراتيجي الذي لن تستطيع الصين الاستغناء عنه أبدا.
ومن منظور الدوائر الصينية، فإن الهند هي الوحيدة التي لديها الإمكانية والرغبة لكي تقف في مواجهة حقيقية مع الصين. إلا أنه كما تشكل الطموحات الهندية الجارفة خطرا على الصين، فإن الأخيرة أيضا تشكل خطرا مماثلا على الهند، وهو الذي يتمثل في ذهاب حوالي 90% من مبيعات الأسلحة الصينية إلى الدول التي تقع على حدود الهند، والتي كانت دوما تكره تطلعات الهيمنة الهندية في المنطقة، ومن ثم كان لجوءها إلى تدشين علاقات أمنية مع قوى إقليمية أخرى، مثل الصين، أو مع قوى غير إقليمية مثل الولايات المتحدة؛ على أن يكون الهدف من وراء ذلك هو إحداث توازن مضاد مع الهند. (1)
وقد أدى ذلك إلى بزوغ تحالف صيني مع "جيران" الهند "الصغار"؛ الأمر الذي جعل الصين تبوء بمكانة في بالغ الأهمية لدى هؤلاء "الصغار"، وفي منطقة جنوب آسيا ككل. وأضحت الصين تمثل عنصر الاستقرار لديهم، وكذلك عنصر القوة التي تمكنهم من اتخاذ قرارات وسياسات مستقلة عن الدولة الهندية. هذا فضلا عن الدور الاقتصادي المهم الذي تلعبه الصين في المنطقة، في كل من باكستان وبنجلاديش ونيبال وسيريلانكا، حيث تعتبر الداعم الاقتصادي الأول لتلك الدول خاصة باكستان التي تتمتع -مقارنة بجميع دول المنطقة- بعلاقة وطيدة جدا مع الصين. وهكذا نرى، كيف تستخدم الصين الاقتصاد في فرض الضغوط على الهند.
______________________
(1) المرجع السابق
المبحث الرابع : السياسة الخارجية الصينية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية
تشكل العلاقات الأمريكية الصينية نموذجاً يجمع بين الصراع والتعاون الحذر ، حيث تتوافر لكلا البلدين عناصر القوة والارادة السياسية للقيام بدور عالمى ، فالولايات المتحدة بوصفها القوة العظمى الوحيدة فى العالم ، تريد الاحتفاظ بهذا الموقع المتميز لأطول مدى زمنى ممكن ، والصين بثقلها الديموغرافى والاقتصادى والسياسى والعسكرى المتزايد ، تسعى للوصول الى مرتبة القوة العظمى القادرة على التأثير فى حركة التفاعلات العالمية فى القرن الحادى والعشرين.واذا كانت العلاقات الأمريكية الصينية تتراوح بين الصراع والتعاون ، فإن الفترة الأخيرة للرئيس كلينتون اقتربت من الاتجاه الواقعى فى التعامل مع الصين ، حيث أقرت إدارة كلينتون بوجود قدر من التوافق فى المصالح مع وجود مساحة من الخلاف لايمكن تجاهلها.أما بالنسبة للصين فهى تطمح للوصول الى مرتبة القوة العظمى اقليمياً وعالمياً ، وفى ذات الوقت تقر بوجود قوة عظمى أخرى هامة هى الولايات المتحدة ، لها مصالح حيوية فى جميع أنحاء العالم ، يتعين على الصين احترامها ، ولكن بنفس القدر الذى تحترم به الولايات المتحدة المصالح الصينية اقليمياً وعالمياً ، ولاتغيب عن الرؤية الصينية إمكانية حدوث خلافات مع الولايات المتحدة أو درجة من درجات التناقض فى المصالح ، ولكنها ترى أن مثل هذه الأمور يمكن التعامل معها بالأساليب الدبلوماسية وبعيداً عن أساليب الصراع والمواجهة.(1)ومع مجىء الادارة الجمهورية الجديدة الى البيت الأبيض ، شهدت العلاقات الأمريكية الصينية العديد من التطورات التى تشير الى اتباع الجمهوريين للنهج الصراعى فى إدارة العلاقات مع الصين من خلال استراتيجية تعتمد على إضعاف الصين وردعها فى آن واحد.إلا أن هناك حدوداً يفرضها الواقع الدولى المعاصر بمتغيراته العديدة على هذا الطابع الصراعى.ولاشك أن كل طرف من أطراف هذه العلاقة يحاول توجيهها بما يحقق له أقصى استفادة ممكنة فى ظل عناصر قوته المتاحة وقدرته على تعبئتها وتوظيفها .
_________________________
(1) محمد سعد أبوعامود ، العلاقات الأمريكية الصينية ، السياسة الدولية ، يوليو 2001
ظهور الإرهاب بعد الحادى عشر من سبتمبر عام 2001 كتهديد رئيسى للأمن الدولى، أظهر بعداً جديداً على السياسة الخارجية الصينية وخلق فرصة كبيرة لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة. إن التعاون العميق والكبير مع واشنطن حول مكافحة الإرهاب ومنع الانتشار النووى قد زاد من إمكانية حدوث شراكة أمريكية صينية فى وضع دولى جديد على الرغم من تأثير السياسة الخارجية الأمريكية المتشابكة على العلاقات الأمريكية مع الصين. وعلى الرغم من أن أحداث الحادى عشر من سبتمبر قد تسببت فى تراجع ترتيب الصين من قائمة تهديدات الولايات المتحدة، فإن طريقة إدارة بوش فى شن حملة مكافحة الإرهاب وخاصة غزو العراق، قد أثارت مخاوف صينية كبيرة من اتجاهات السياسة الخارجية الأمريكية وبالتالى قيدت الشراكة التى فى طريقها للظهور بين البلدين. (1)
إن اهتمام الصين الجديد للعمل مع الشركاء الدوليين لمواجهة تهديد الإرهابيين وأيضاً محاربة الإرهاب العالمى قد أدى بالصين إلى الدخول فى حوار ثنائى مع الدول الأخرى لتشجيع التعاون لمحاربة الإرهاب. وفى أكتوبر 2001 اتفقت الصين وروسيا على إقامة مجموعة عمل روسية صينية للتصدى للإرهاب. وفى نفس الشهر تقابل الرؤساء جيانج زيمين وجورج بوش فى اجتماعات منتدى التعاون الاقتصادى لدول آسيا الباسيفك (أيبك) فى شنغهاى حيث توصلا إلى اتفاق للتبادل الصينى الأمريكى وللتعاون لمكافحة الإرهاب والتصدى له. وفى يناير 2002 اتفقت نيودلهى وبكين على إقامة مجموعة عمل ثنائية للتصدى للإرهاب. وبالإضافة إلى المعالجات الثنائية فقد اتجهت الصين إلى المنظمات المتعددة الأطراف مثل منظمة شنغهاى للتعاون. والتى تضم فى عضويتها كل من الصين وروسيا كزخستان وقيرغستان وطاجيكستان وأوزبكستان تم تأسيسها عام 2001 لمحاربة التطرف والنزاعات الانفصالية والإرهاب .(2)
______________________
(1) المرجع السابق
(2) فضيلة محجوب ، وعود وحدود الشراكة الأمريكية - الصينية ، قراءات استراتيجية ، www.ahram.org.eg
وبعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر فإن منظمة شنغهاى للتعاون واجهت تحديات وفرص فى نفس الوقت:أولاً: على الجانب الأول فإن الولايات المتحدة تحت ستار مكافحة الإرهاب فى آسيا الوسطى بدأت فى إقامة علاقات أمنية وثيقة مع بعض أعضاء منظمة شنغهاى للتعاون وأرست قوات فى المنطقة الأمر الذى قلل نسبياً من تماسك المنظمة ووظيفتها.وعلى الجانب الآخر إن الإحساس الجديد بخطورة التهديد الإرهابى بين أعضاء منظمة شنغهاى للتعاون قد أضاف حافزاً لتعميق أهمية المنظمة. وقد انتهزت الصين هذه الفرصة لزيادة التعاون مع منظمة شنغهاى. وقد توصلت إلى اتفاقية فى يونيو عام 2002 بين أعضاء منظمة شنغهاى للتعاون لإقامة منظمة إقليمية للتصدى للإرهاب بشكيك عاصمة قيرغستان لتدعيم التنسيق وتبادل المعلومات المخابراتية فى الحملة ضد الإرهاب. وفى صيف 2003 فإن الصين وأعضاء منظمة شنغهاى للتعاون فيما عدا أوزبكستان شنوا أول تدريب عسكرى مشترك حيث تدربوا على توجيه ضربة إلى معسكرات الإرهاب.وبإيجاز فإن أحداث الحادى عشر من سبتمبر قد أيقظت الوعى الصينى للتهديد الإرهابى، وبالتالى فإن الصين لم تتحرك فقط لكى تسعى بطريقة فعالة للتعاون الدولى لمواجهة التحديات الإرهابية ولكنها مدت تأييدها فى الحرب العالمية ضد الإرهاب من خلال المعالجات الثنائية والعالمية.(1)
ثانياً: إن العلاقات بين الدول أكثر سيولة تجز إعادة التحالف بين القوى العظمى وخاصة فى ظل النظام الدولى التعددى المرن للتعاون والمنافسة والتحالف وإعادة التحالف. وأثناء الحرب الباردة فإن الدول قد انقسمت إلى معسكرين متعاديين فى ظل خط أيديولوجى واليوم هذا الخط من التمييز غير واضح. إن الحلفاء التقليديين من الممكن أن يقعوا فى خلافات خطيرة، بينما بين الدول التى بدون روابط تحالفية من الممكن أن تكون قريبة أكثر بسبب الاهتمامات المشتركة ووجهات النظر المشتركة فى العالم. واليوم فأن العلاقات الدولية قد أصبحت أكثر فاعلية.
إن سياسة الولايات المتحدة مع الصين وسياسة الصين مع الولايات المتحدة تعد موضوعاً سياسياً حساساً فى داخل الوطن وسوف يظل مشكلة كبيرة فى كيفية منع هذه التطورات من أن تسبب تقهقراً كبيراً للعلاقات بينهما.
_______________________
(1) المرجع السابق
تحولات مؤثرة في علاقات الطرفين
في عصر الهيمنة الأمريكية على العالم، وغياب القطب الآخر الذي يحدث التوازن بعد سقوط الاتحاد السوفيتي بداية التسعينيات من القرن الماضي، تتجه الأنظار للبحث عمن يمكن أن يكون المنافس لتلك القوة المهيمنة على النظام العالمي‚ ويكاد يكون هناك شبه إجماع على أن الصين حتى الآن هي الدولة التي تملك المقومات التي تؤهلها لكي تتبوأ هذه المكانة، فمن الناحية البشرية يبلغ عدد سكان الصين مليارا وثلاثمائة مليون نسمة وهو يوازي أربعة أضعاف عدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية، ومن الناحية العسكرية يعتبر الجيش الصيني أكبر جيش في العالم، إذ يبلغ تعداده مليونين ونصف المليون جندي، كما تحتل الصين المرتبة الثالثة في الإنفاق العسكري بعد الولايات المتحدة وروسيا وذلك حسب التقارير الأمريكية(1)
ومن الناحية الاقتصادية، يعتبر الاقتصاد الصيني أكبر اقتصاد حقق نموا في التاريخ المنظور خلال الخمسة والعشرين عاما الماضية حيث حقق بشكل سنوي نموا 8-9%، واستطاعت الحكومة الصينية خلال هذه السنوات تخليص ثلاثمائة مليون صيني من الفقر، وأن تضاعف دخول الأفراد أربع مرات، كما أن الصين تحتفظ بثاني أكبر احتياطي عالمي من العملات الأجنبية وعلى رأسها الدولار الأمريكي، وأما من الناحية التجارية فقد أصبحت البضائع الصينية تشكل قلقاً للدول الصناعية الكبرى بسبب أسعارها المنافسة
ويبدو ان رؤية الصين المستقبلية للمنطقة تنحصر في استراتيجية "التعاون وليس التصادم مع الولايات المتحدة" لأن الصين ليس لديها النية ولا المصلحة ولا القدرة ان تدخل في صراع
مع الولايات المتحدة في منطقة تعتبرها الصين منطقة نفوذ امريكية. ومن جانب آخر، كان مستوى التعاون والتنسيق بين الصين والولايات المتحدة غير مسبوق في مسالة كوريا الشمالية، والحرب على الارهاب، و اصلاح الامم المتحدة. يدل السلوك الصيني في هذه الموضوعات على ان الصين لا تنوى مواجهة الولايات المتحدة في أي مكان حتى على حدودها (كوريا الشمالية) على الرغم من وجود مصلحة صينية في استمرار النظام السياسي.(2)
الحالي في كوريا الشمالية في ظل هذه الاعتبارات الإستراتيجية يحاول العرب رسم مستقبل أفضل لعلاقاتهم مع الصين، وتحاول هذه الورقة تحديد بعض محددات هذه العلاقة المستقبلية ومكوناتها من خلال الإجابة على سؤالين رئيسين، الأول: ما هي المصالح العربية التي يتوقع العرب أن تقوم مع الصين بدعمها، وتساعدهم على تحقيقها على مختلف المستويات وفي مختلف المجالات؟ والثاني: ما هي المصالح الصينية التي يعتقد العرب أنهم قادرون على التعاون مع الصين لتحقيقها على مختلف المستويات وفي مختلف المجالات؟ .
___________________________________________
(1) احمد منصور ، مرجع سبق ذكره
(2) المرجع السابق
الخاتمة
استطاعت الصين في السنوات الأخيرة أن تستفيد من عثرات الإدارات الأمريكية، بدءا برد الفعل البطيء حيال الأزمة المالية الآسيوية في عهد الرئيس كلينتون، وصولا إلى قصر نظر إدارة الرئيس بوش في مواجهة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.
وانعكس ذلك في اتباع الصين لسياسة القوة الناعمة، واستخدامها الإقناع بدلا من الإكراه، وتعظيم قدرتها على جذب الآخرين عبر وسائل عديدة، ثقافية ودبلوماسية واقتصادية، فضلا عن المشاركة في المنظمات المتعدية الجنسيات.
وعندما أطلق الكاتب الأمريكي "جوزيف ناي" مفهوم القوة الناعمة، فقد استخدم مفهوما أكثر تحديدا، مستبعدا الدبلوماسية الرسمية والاستثمار، وسائر أشكال التأثير التقليدية مثل القوة العسكرية، إلا أن الصين وجيرانها أوجدوا فكرة أوسع للقوة الناعمة في الإطار الآسيوي يشمل جميع المجالات -باستثناء المسائل الأمنية- بما فيها الاستثمار والمساعدات.
فالقوة الناعمة "العليا" تشتمل مفهوما يخص النخب، بينما المفهوم "الأدنى" أو القوة الناعمة "المنخفضة" تتناول القاعدة الجماهيرية الأوسع، وهو ما عملت بكين على تعزيزه من أجل تعظيم تأثرها بمنطقة جنوب شرق آسيا.
ورغم أن هذه القوة أوجدت إيجابيات كبيرة في العلاقات الصينية الآسيوية وخاصة جيرانها الأقرب، إلا أن القيم والنماذج التي وضعتها الصين لجنوب شرق آسيا أو للدول النامية الأخرى يمكن أن تكون كارثية على الديمقراطية والحكم الرشيد والمجتمعات المدنية الضعيفة، والأكثر من ذلك، تبدو الصين وكأنها تستخدم قوتها الناعمة لكي تدفع اليابان وتايوان وحتى الولايات المتحدة بعيدا عن التأثير الإقليمي.
مارست الصين حتى وقت قريب قوة ناعمة محدودة، حيث كانت تتبع سياسة خارجية دفاعية، ويفتقر الرأي العام إلى الثقة في إمكانية أن ترسم الصين سياستها كقوة عظمى، إذ رأى ثلث المستطلع آرائهم في استطلاع أجرته مجموعة "هورزون" البحثية عام 1995 أن الولايات المتحدة هي أكبر قوة عالمية، بينما رأى 13% أن الصين هي القوة الأكثر نفوذا، لكن هذه النسبة ارتفعت إلى 40% في استطلاع أجرته نفس المجموعة بعد عام، ثم جاء عام 1997 ليكون علامة بارزة لظهور القوة الناعمة الصينية حينما رفضت تقليل قيمة عملتها على خلفية الأزمة المالية في أسواق آسيا.
ومنذ ذلك التاريخ (1997) بدأت الصين تستخدم بعض تطبيقات القوة الناعمة، حيث دشنت ما عرف باسم (إستراتيجية "توزيع المكاسب "win –win strategy") في سياستها الخارجية، وأعلنت أنها ترغب عبر ذلك إلى الاستماع للدول الأخرى بمنطقة جنوب شرقي آسيا، واتخذت مبادرات حقيقية بالتوقيع على اتفاقية "صداقة" مع دول شرق آسيا، كما ألزمت نفسها بالعمل على إيجاد طريقة للتعامل المرن في منطقة بحر الصين الجنوبي.
وبينما رأت واشنطن أن تلك الإستراتيجية لا تحترم السيادة وتتخذ منحى عقابيا تجاه منطقة جنوب شرق آسيا، إلا أنه من الناحية الواقعية لم توقع الولايات المتحدة اتفاقية للصداقة ولم تلغِ العديد من العقوبات على منطقة جنوب شرق آسيا.
وتشمل عناصر الإستراتيجية الصينية بعض المكونات الأخرى أبرزها التركيز على الدول ذات العلاقة المضطربة مع الولايات المتحدة مثل الفلبين وكمبوديا، فقد عززت لصين علاقاتها مع رئيس الوزراء الكمبودي "هون شين" بالتزامن مع تدهور علاقاته مع واشنطن، وتتبع الصين أمرا مشابها خارج آسيا مثل علاقتها بالسودان وفنزويلا وأوزبكستان.
لقد عملت الصين ولا تزال على الدفع بقوتها المرنة في جنوب شرقي آسيا، إذ يفوق الدعم الذي تقدمه بكين إلى الفلبين أربع أضعاف حجم المساعدة الأمريكية لها في 2003، وتفوق نظيرتها الأمريكية في "لاوس" بثلاثة أضعاف في عام 2002، وتساوت المساعدة الصينية مع الأمريكية لدولة إندونيسيا، لكنها تفوقت عليها في تنوعها وتشعب اتجاهاتها.
ويمكن القول إنه منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي كان لبكين مساعدات أفضل تبتعد عن الأهداف السياسية، وتشمل تشجيع الشركات الصينية للاستثمار في الخارج، ودعم الفاعلين السياسيين، وتقليل المخاوف من نمو الاقتصاد الصيني، فقد استخدمت المساعدات الصينية المقدمة إلى تايلاند لجذب السياسيين التايلانديين للدراسة في الصين، كما اشترت الصين منتجات لإرضاء المزارعين التايلانديين الذين أعربوا عن قلقهم من تأثير التجارة مع الصين، وهو ما بدا أنموذجا واضحا في توظيف القوة الناعمة "المنخفضة فقد نجحت الصين في تغيير موقف قادة المنطقة منذ خمس سنوات، فلم يألوا جهدا في إزالة الآثار السلبية للتجارة مع الصين ومنح رجال الأعمال الصينيين والنخب الثقافية وصناع القرار فرصة الدخول للمنطقة إثر تحفظ النخب الأمريكية.
وإذا أسفر النفوذ الصيني عن تقويض الديمقراطية في المنطقة أو حماية البيئة والحكم الرشيد، فيمكنه تدمير المبادرات الأمريكية، ويدعم القادة المعارضين للديمقراطية والذين سعت أمريكا لعزلهم مثل سان شيوي في بورما.
من هنا يجب أن تهتم الولايات المتحدة بأن الصين يمكنها استخدام نفوذها وقوتها المرنة بالمنطقة لدفع دولها إلى اتخاذ خيارات أكثر وضوحا حيال التقارب مع القوى الخارجية، ولكي تحمي مصالحها الأساسية. ومن ثم على الولايات المتحدة أن تتخذ سياسة محددة ومركزة تتفهم كيفية تصاعد القوة الناعمة الصينية، فكما كان لأمريكا خلال الحرب الباردة دبلوماسيا على الأقل في كل سفارة يقوم بدراسة ما كان يفعله السوفييت على الأرض في تلك الدولة، فإنه يجب العودة لذلك مجددا لشرح علاقات الولايات المتحدة الثنائية مع الصين.
المراجع
(1)أحمد منصور، صحيفة الوطن، 13/6/2005
(2) حمد جـواد الحـمد، الصين والعرب :كيف تتحقق شراكة جادة ، www.islamonline.net
(3) شيرين حامد فهمي ، الصين وجنوب آسيا.. واقعية جديدة، ترجمةعن المركز الباكستاني للدراسات الإقليمية ، www.islamonline.net
(4) شيرين حامد فهمي ، العلاقات الصينية الهندية.. تطبيع أم تصادم ، ترجمة عن المركز الباكستاني للدراسات الإقليمية ؛ www.islamonline.net
(5) عاطف الحلوانى ، دبلوماسية الصين الجديدة ، قرأءات استراتيجية ، المجلد الثامن ، العدد الخامس ، مايو2005
(6) لي تشاوشينج، وزير خارجية الصين، مقابلة في جريدة الأهرام المصرية، 22/10/2005
(8) لي وجيان، ، ندوة حوار في مركز دراسات الشرق الأوسط في الأرد ن، 24/10/2005
(9) لى وى جيان ، تحليل ودراسة العلاقات بين الصين ودول الشرق الأوسط ، السياسة الدولية ، يوليو2001،العدد145
(10) فضيلة محجوب ، وعود وحدود الشراكة الأمريكية - الصينية ، قراءات استراتيجية ، www.ahram.org.eg
(11)محمد نعمان جلال، العالم العربي ودواعي التحاور الجاد مع الصين، مجلة الصين اليوم، العدد 4 لعام 2003
(12) محمد عبدالوهاب الساكت ، الموقف العربى من القضايا الصينية ،السياسة الدولية ، ،يوليو2001، العدد145
(13) محمد السيد سليم، نحو بناء منتدى عربي- صيني للتعاون، مجلة الصين اليوم، العدد4 لعام 2003
(14) محمد سعد أبوعامود ، العلاقات الأمريكية الصينية ، السياسة الدولية ، يوليو 2001
المراجع الاجنبية
China Internet Information Center. All Rights Reserved
الانترنيت
www.islamonline.net
www.arabic.peopledaily.com.cn net
www.ahram.org.eg
لي تشاوشينج، وزير خارجية الصين، مقابلة في جريدة الأهرام المصرية، 22/10/2005 (1)
(2) لي وجيان، ، ندوة حوار في مركز دراسات الشرق الأوسط في الأردن، 24/10/2005.
يهدف البحث الى التعرف على السياسة الخارجية الصينية والتتحيات التى قدتواجهه هذة الدولة
ويهدف الى التعرف على اهداف ومحددات السياسة الخارجية الصينية والاشكاليات التى قد تواجهها والتعرف على السياسة الصينية تجاه الولايات المتحدة الامريكية وموقف الصين من الحرب على الارهاب ومدى التعاون بينها وبين اسرائيل
اهمية البحث
تكمن اهمية البحث فى يهدف الى التعرف على سياسة الصين الخارجية وهى دولة ذات قوة اقتصادية وعسكرية ومدى تأثير هذة السياسة فى التفاعلاات الدولية والاحداث العالميى والمشكلاات الدولية
منهج البحث
وفقا لطبيعة البحث سوف نستخدم المنهج الاستقرائى لأنه يستخدم فى وصف الواقع دون التطرق الى تحليل هذا الواقع
المشكله البحثية
تتمثل فى محاولة الاجابه على الاسئله البحثية والتى تتمثل فيما يلى:
1- هل تمثل السياسة الخارجية الصينية لها دور فى ادارة العلاقات الدولية
2- وما هي استراتيجة الصين في منطقة الشرق الاوسط
3- هل ستكون العلاقات الصينية - الامريكية تنافسية في الشرق الاوسط
4- هل الصين قادرة على ادارة الازمات التى تواجهها مع جيرانها
خطة البحث
ينقسم البحث الى مايلى:
المبحث الاول : سياسة الصين تجاه المنطقه العربيه
المبحث الثانى: صنع السياسة الصينية
المبحث الثالث: السياسة الخارجية الصينية تجاه آسيا
المبحث الرابع :السياسة الخارجية الصينية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية
المقدمة
تنتهج الصين بدأب وثبات سياسة خارجية سلمية مستقلة ، والهدف الاساسي لهذه السياسة هو حماية استقلال الصين و سيادتها وسلامة آراضيها ،. وفيما يلي اهم ملامح هذه السياسة : أ- ظلت الصين تنتهج مبدأ الاستقلال والتمسك بزمام المبادرة . وتحدد موقفها و سياستها في جميع الشؤون الدولية انطلاقا من المصالح الاساسية للشعب الصينى وشعوب العالم والتمييز بين الصواب والخطأ ، ولا تخضع لاى ضغوط خارجية . ان الصين لا تتحالف مع اية دولة عظمى او اية كتلة دول ، ولا تسعى لاقامة حلق عسكرى ، ولاتشترك في سباق التسلح ولا تمارس التوسع العسكرى . ب- تثابر الصين علي معارضة الهيمنة وصيانة السلام العالمي . وترى الصين ان اية دولة سواء كانت كبيرة ام صغيرة ، قوية ام ضعيفة ، غنية ام فقيرة ، تعتبر عضوا من اعضاء المجتمع الدولى علي قدر المساواة . ويجب ان تحل جميع النزاعات والخلافات الناشية بين البلدان بطريقة سلمية عبر التشاورات وليس باللجوء الي القوة او التهديد باستخدام القوة ولا يسمح بالتدخل في الشؤون الداخلية للغير باى حجة . ولن تفرض الصين نظامها الاجتماعى وايديولوجيتها السياسية علي الاخرين ، وفي نفس الوقت لن تسمح اية دولة بان تفرض نظامها الاجتماعى وايديولوجيتها السياسية عليها . - تعمل الصين بنشاط من اجل بناء نظام دولى اقتصادي وسياسى جديد عادل ومعقول. وترى الصين ان النظام الجديد يجب عليه ان يجسد مطالب تطور التاريخ وتقدم العصر وان يعكس رغبات شعوب مختلف دول العالم ومصالحها المشتركة . ويجب ان تكون المبادىء الخمسة للتعايش السلمى والمبادىء الاخرى المعترفة بها للعلاقات الدولية اساسا لبناء النظام الدولى السياسى والاقتصادى الجديد . ج- ترغب الصين فى اقامة وتطوير علاقات الصداقة والتعاون مع جميع البلدان علي اساس المبادىء الخمسة المتمثلة في الاحترام المتبادل للسيادة وسلامة الاراضى وعدم الاعتداء للغير وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير والمساواة والتعايش السلمى .
ان التطوير النشيط لعلاقات حسن الجوار والصداقة مع الدول المجاورة جزء هام من السياسة الخارجية الصينية . لقد حلت الصين قضايا خلفها التاريخ مع معظم الدول المجاورة وتتطور علاقات التعاون ذى المنفعة المتبادلة بينها وبين الدول المجاورة تطورا مزدهرا . ان تقوية التضامن والتعاون مع الدول النامية الغفيرة موطىء قدم اساسيا للسياسة الخارجية الصينية . وان الصين والدول النامية الغفيرة لها معانات تاريخية مشتركة وكذلك لها اهداف مشتركة لصيانة استقلالها وتحقيق تنميتها الاقتصادية ، وعليه فلها قاعدة التعاون العميقة ولها آفاق واسعة في هذا المجال . ان الصين تهتم كل الاهتمام بتحسين وتطوير علاقاتها مع الدول المتقدمة وتدعو الي تجاوز اختلاف النظم الاجتماعية والايديولوجية في العلاقات بين مختلف الدول والاحترام المتبادل والسعى لايجاد النقاط المشتركة وترك الخلافات جانبا وتوسيع التعاون ذى المنفعة المتبادلة .
تطبق الصين سياسة الانفتاح علي الخارج بصورة شاملة وتود ان توسع مجالات الاتصالات التجارية والتعاون الاقتصادي والتكنولوجي والتبادلات العلمية والثقافية علي نطاق واسع مع مختلف دول ومناطق العالم علي اساس مبدأ المساواة والمنفعة المتبادلة لدفع الازدهار المشترك. وحتي نهاية عام 2001 ، قد صادقت الصين علي اقامة ثلاثمائة وتسعين الف مؤسسة اجنبية التمويل ، وبلغت قيمة الاستثمارات الاجنبية التعاقدية سبعمائة وخمسة واربعين مليارا وتسعمائة مليون دولار امريكى ، وبلغت قيمة الاستثمارات الاجنبية المستخدمة بصورة فعلية ثلاثمائة وخمسة وتسعين مليارا وخمسمائة مليون دولار امريكى . ووصل اجمالى قيمة الواردات والصادرات الصينية في عام 2001 الي خمسمائة وتسعة مليارات وثمانمائة مليون دولار امريكى ، وذلك يحتل المركز السادس في العالم . انضمت الصين الي منظمة التجارة العالمية في اليوم الحادى عشر من ديسمبر عام 2001 بعد مفاوضات امتدت خمسة عشر عاما . وبالاضافة الي التمتع بحقوق معنية بعد دخول منظمة التجارة العالمية ، بدأت الصين تطبق نظام wto تطبيقا فعليا وتلعب دورا ايجابيا من اجل دفع الازهار والتقدم في العالم .
ان الصين بصفتها دولة دائمة العضوية في مجلس الامن الدولى ، تشترك بنشاط في ايجاد حلول سياسية لقضايا اقليمية ساخنة . وقد اوفدت الصين عسكريها للاشتراك في بعثات حفظ السلام الدولية التى تشرف عليها الامم المتحدة . وتؤيد الصين اصلاح الامم المتحدة وتدعمها مع غيرها من الهيئات المتعددة الاطراف لمواصلة لعب دورها الهام في معالجة الشؤون الدولية . وتعارض الصين بحزم جميع النشاطات الارهابية بمختلف اشكالها وتساهم مساهمة هامة في النضال الدولى لمكافحة الارهاب . تعمل الصين بجهد لدفع السيطرة علي التسلح الدولى ونزع السلاح وحظر الانتشار . وحتى الان ، قد انضمت الصين الي جميع المعاهدات الدولية بشأن السيطرة علي التسلح الدولى و حظر الانتشار . وفي مجال حظر الانتشار ، ظلت الصين تلتزم وتنفذ بصورة صارمة تعهداتها الدولية وتبذل جهدا في بناء بنية قانونية لادارة حظر الانتشار فيها ، وقد اقامت نظاما متكاملا اساسيا للتحكم في حظر الانتشار . ظلت حكومة الصين تهتم اهتماما بالغا بحقوق الانسان وبذلت جهودا متواصلة في هذا المجال وقد اشتركت الصين في ثماني عشرة معاهدة حول حقوق الانسان بما فيها
( المعاهدة الدولية حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ) ، كما وقعت علي المعاهدة الدولية حول الحقوق المدنية والسياسية. ان الصين ترغب في تعزيز التعاون مع المجتمع الدولى للعمل معا لمعالجة القضايا العالمية التي تواجه التنمية البشرية كتفاقم وتدهور البيئة الحيوية ونقص الموارد الطبيعية والفقر والبطالة وتضخم عدد السكان وانتشار الامراض والمخدرات وانتشار النشاطات الاجرامية الدولية وغيرها(1) .
__________________
(1) مقتبس من :
China Internet Information Center. All Rights Reserved
المبحث الاول: سياسة الصين تجاه المنطقه العربيه
أولا: المصالح العربية التي يتوقع العرب أن تدعمها الصين
لقد ألف العرب أن تكون الصين صديقهم كما ألفوا أن تكون علاقاتهم مع الصين ناعمة ليس فيها توتر على مختلف المستويات، وبرغم التحفظات الأيديولوجية التي كانت لبعض العرب على انتشار الأيديولوجية الشيوعية في الوطن العربي فإن ذلك لم يحل دون تنامي هذه العلاقات على مختلف المستويات ففي ظل تراجع الصين عن استخدام السياسة الخارجية لنشر الفكر والإيديولوجيا الشيوعية خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث أصبح هم الصين الجديد هو التنمية الاقتصادية، من أي مصدر وبأية وسيلة، وفقا لأي منهج اقتصادي سواء كان منهج كارل ماركس أو منهج ريكاردو أو منهج كينز، سواء جاءت المساعدات الاقتصادية من روسيا الشيوعية سابقا أو جاءت من اليابان الإمبريالية التي اعتدت على الصين وأضرت بأمنها الوطني وذاتيتها القومية، أو جاءت هذه المساعدات من أمريكا زعيمة الإمبريالية. وعلى حد قول فيلسوف الصين وباني نهضتها الحديثة دنج شياوبنج "لا يهم لون القطة طالما تصطاد الفئران" فالهدف هو التنمية والسعي من أجل بناء قوة الصين والوسيلة لا تهم (1)
وفي ظل انتهاء الحرب الباردة منذ عام 1990 وتزايد الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي، فقد نظر العرب بكل جدية لتقوم الصين بدور فاعل في دعم قضاياهم على المستوى الدوليلكن الصين التي خرجت من الحرب الباردة لتواجه الانفتاح والعولمة كما هو حال العالم العربي حافظت على وتيرة هادئة في دعم القضايا العربية دون أن تتمسك بسياساتها السابقة القائمة على الموقف الساخن وأصبحت الصين تبدي اهتماماً متزايداً بدعم اقتصادها
وحل مشاكلها الإقليمية والانفتاح في المجالين الدبلوماسي والاقتصادي على الوطن العربي لخدمة سياستها الجديدة ودعمها في مواجهة التكتلات الاقتصادية العملاقة.غير أن هذا التوجه الصيني الجديد قد نالت منه إسرائيل حظاً وافراً بتنامي العلاقات الصينية - الإسرائيلية في المجالات الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية؛ الأمر الذي أضعف التحالفات العربية على الصعيد الدولي لصالح القضايا العربية،
وكشف ظهر الموقف العربي في الأمم المتحدة أمام الضغوط والإملاءات الأمريكية والتجاوزات العدوانية الإسرائيلية المتصاعدة غير أن واقع الحال إزاء المصالح العربية والصينية اقتضى ولا يزال أن يبحث الطرفان عن آليات ووسائل تحقق رفع مستوى التشابك والتعاون المصلحي بين الطرفين على مختلف المستويات وهو ما كان يقف خلف فكرة إنشاء المنتدى العربي-الصيني. (2)
____________________________________
(1) أحمد منصور، صحيفة الوطن، 13/6/2005
(2) محمد نعمان جلال، العالم العربي ودواعي التحاور الجاد مع الصين، مجلة الصين اليوم، العدد 4 لعام 2003
أبرز المصالح العربية في السنوات العشر القادمة
تتعدد المصالح العربية التي يسعى العرب لتحقيقها خلال السنوات العشر القادمة على مختلف المستويات وفي مختلف المجالات، ولكن على صعيد توقع الدعم الصيني فإن أبرز هذه المصالح يتمثل بما يلي:
1- تشجيع التنمية الاقتصادية والاجتماعية بما يحقق استقراراً سياسياً ويعالج نسبة كبيرة من مشاكل الفقر والبطالة في معظم البلاد العربية.
2- تطوير دور العرب في رسم مستقبل الشرق الأوسط وسياسات النظام الدولي، لبناء نظام دولي يتمتع بالنزاهة والعدالة، وأن يتحقق للعرب مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي.
3- دعم الموقف العربي والفلسطيني بالضغط على إسرائيل للتجاوب مع الحقوق الفلسطينية والعربية وخاصة تلك المتعلقة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي ووقف عدوانه على الشعب الفلسطيني.(1)
4- تطوير التعاون العربي-الصيني في مجالات الأمن في الخليج بما يحقق التوازن مع التواجد الأمريكي والأوربي، ويحقق الأمن لدول الخليج، ويحافظ على حماية مصادرالطاقة فيه لحماية الحضارة الإنسانية والتطور الصناعي الدولي.
5- الاستفادة من تطور القوة الاقتصادية الصينية ونفوذها السياسي في تحجيم اتجاهات الهيمنة في السياسة الأمريكية المعاصرة، خاصة في سياسات النظام الدولي تجاه الشرق الأوسط.
6- المساعدة في تطوير الصناعة والتكنولوجيا في الوطن العربي، بما يحقق اقتصادا صناعيا متناميا، ويطور استخدامات التكنولوجيا فيها، ويوطن الصناعات التكنولوجية.
7- الاستفادة من تجربة الصين في تحقيق معدلات مرتفعة للتنمية الاقتصادية ومعالجة مشكلتي الفقر والبطالة في الوطن العربي
8- الاستفادة من القدرات والخبرات العسكرية الصينية في تطوير القدرات العسكرية العربية التقليدية منها وغير التقليدية لدعم اتجاه التوازن الإستراتيجي للعرب مع إسرائيل وكذلك في مجال تكنولوجيا التصنيع العسكري.
9- تطوير التعاون العربي-الصيني لبلورة موقف حضاري لسياسة حكيمة في التعامل مع ظاهرة الإرهاب الدولي تستند إلى شرعية المقاومة ضد الاحتلال العسكري بكافة الوسائل، ومحاربة أعمال الإرهاب المنظم ضد الأبرياء والمدنيين دون تمييز مهما كان مصدرها، ووضع إستراتيجية مشتركة مع العرب لإقرار هذه التوجهات في الأمم المتحدة، حيث أصبحت قضية الإرهاب الدولي القضية المحورية على أجندة السياسة الدولية بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001.(2)
_______________________
(1) المرجع السابق
(2) محمد عبدالوهاب الساكت ، الموقف العربى من القضايا الصينية ،السياسة الدولية ، ،يوليو2001، العدد145
وقد اهتم العرب والصينيون بقضية مكافحة الإرهاب، لكن المعضلة تكمن في سعي بعض الدول للخلط بين الإرهاب والمقاومة المشروعة للاحتلال. لقد قاوم الصينيون الاحتلال الياباني لمنشوريا وأيدت مصر تلك المقاومة بمجرد دخولها عصبة الأمم سنة 1937، وهو أمر يجعل الصين في مركز المتفهم لضرورة دعم المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي، حيث تختلف المقاومة المشروعة للاحتلال عن الإرهاب الذي يستهدف الأبرياء دون تمييز، كما يمكن أن يتم التعاون على تحييد الإسلام من الاتهام لان ظاهرة الإرهاب ظاهرة عالمية يمارسها الناس من أتباع مختلف الديانات لاعتبارات إرهابية لا علاقة لها بالدين(1).
ثانيا: المصالح الصينية التي يمكن للجانب العربي أن يخدم في تحقيقها
على مستوى التعاون والتبادل والدعم فان العرب يمكن لهم أن يقدموا خدمة للصين في تحقيق العديد من مصالحها، ومن أبرز ذلك:
1- التعاون الاقتصادي على صعيد فتح الأسواق العربية وتطبيق أنظمة الإعفاءات الجمركية المتبادلة مع الصين.
2- استفادة الصين من النفط والغاز العربي (الطاقة) دون المرور عبر معبر السياسة الأمريكية أو الغربية.
3- دعم الصين كقوة دولية اقتصادياً وسياسيا في منظومة النظام الدولي خاصة في ظل النفوذ الهائل لتكتل الدول الصناعية الثمانية في التجارة والاقتصاد والسياسة الدولية حيث ليس للصين فيها أي دور.
5- فتح المجال للتبادل والتلاقح الثقافي بين الصين والعرب وتحقيق الإسهام المشترك لمنع اندلاع ما يسمى بصراع الحضارات، ودفع العالم نحو توفير قواعد التنافس والتعاون والحوار الحضاري بعيد المدى كإستراتيجية إنسانية عامة.
6- فك العزلة الثقافية للصين في النظام الدولي في ظل هيمنة الحضارتين الأمريكية والأوربية (الحضارة الغربية) على السياسات الثقافية والتعليمية والاجتماعية للنظام الدولي ومؤسساته المختلفة.
ثالثا: الإشكالات القائمة في العلاقات الصينية-العربية
1- تطور العلاقات الصينية –الإسرائيلية على حساب العلاقات مع الدول العربية.
2- صعوبة اللغة الصينية مما يحول دون انتشارها في الأوساط العربية وبالعكس.
3- اعتماد الطرفين العربي والصيني على مصادر المعلومات والإعلام الغربي في تشكيل رؤيته ومعلوماته عن الآخر، وخصوصا الوسائل التي تسيطر عليها الولايات المتحدة وبريطانيا (CNN وBBC)، والذي يتسبب في:
§ نقل الصور المشوهة، وتنشئان سوء الفهم لدى كل طرف عن الآخر، مما يزيد الجهل ويعقد العلاقة.
______________________________ (1) محمد السيد سليم، نحو بناء منتدى عربي- صيني للتعاون، مجلة الصين اليوم، العدد4 لعام 2003
§ " أن علاقات الصين بالعامل العربي ودورها المستقبلي في العلاقات الدولية يستلزم وضوح الرؤية ضد محاولات التشويه والتشويش التي تقوم بها عناصر دولية معادية، بهدف بث الفرقة والتشكيك والاختلافات في علاقات الطرفين" (1)
§ إعطاء الانطباع الخاطئ للقيادات والمفكرين الصينيين عن منطقة الشرق الأوسط ودفعها للابتعاد عن الخوض في سياساتها، حيث تعرف المنطقة وفق هذه المصادر كما يلي:
منطقة مضطربة وفيها توقع غير المتوقع وقضايا المنطقة معقدة جدا ولا يمكن حلها
تعتبر المنطقة منبع الإرهاب في العالم سواء الإرهاب الأصولي أو الراديكالي ولا تستطيع الصين التأثير في المنطقة وهي على هذه الحال
4- ضعف الأثر الصيني في السياسات الدولية الخاصة بالشرق الأوسط، مما يحد من تأثيرها في الصراع العربي- الإسرائيلي.
وفى النصف الثانى من القرن العشرين كان للتشابه الكبير ما بين القضايا العربية والقضايا الصينية أثره البالغ فى تضامنهما من أجل إنهاء السيطرة الأجنبية وتوحيد الأوطان والمحافظة على السيادة ورفض سياسات الهيمنة وانتهاك سيادة الدول.وقد اعتمد الموقف العربى من القضايا الصينية على عدة اعتبارات أهمها ، التأييد المستمر والواضح من جانب الصين للقضايا العربية واهتمامها بتوطيد علاقاتها العربية ، كما أن هناك العديد من الاتفاقيات المشتركة بين البلاد العربية والصين ، تؤكد جميعها على ضرورة التعاون الاستراتيجى بين الطرفين والتقارب فى وجهات النظر ومن أهم القضايا التى تبلور الموقف العربى بشأنها مبكراً ، قضية الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية وسحب الاعتراف بحكومة الصين الوطنية ، ثم اهتمت المجموعة العربية بعد ذلك بقضية تمثيل الصين الشعبية فى الأمم المتحدة وأيدتها.كما تفهمت الدول العربية الموقف الصينى من قضية تايوان وأيدت سياسة الصين القائمة على أساس'دولة واحدة ونظامان'ومن أهم القضايا التى تبلور الموقف العربى بشأنها مبكراً ، قضية الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية وسحب الاعتراف بحكومة الصين الوطنية ، ثم اهتمت المجموعة العربية بعدذلك بقضية تمثيل الصين الشعبية فى الأمم المتحدة وأيدتها.كما تفهمت الدول العربية الموقفالصينى من قضية تايوان وأيدت سياسة الصين القائمة على أساس'دولة واحدة ونظامان'.وكان ذلك راجعاً الى التشابه الواضح فى التدخل الأجنبى لدعم الانفصالية فى
تايوان ، والدعم الأجنبى لاسرائيل الذى يساعدها على انتهاك القرارات الدولية والاستيلاء على الأراضى العربية (2)كذلك فإن الدول العربية تشارك الصين بصورة عامة فى موقفها من قضية المعالجة الدولية لحقوق الانسان ، حيث واجه كلا الطرفين ادعاءات مختلفة من جانب بعض الدول الأجنبية بانتهاكات لحقوق الانسان. الاقتصادى .
__________________________
(1) المرجع السابق
(2) محمد نعمان جلال، مصدر سابق.
رابعا: محددات السياسة الصينية المعاصرة تجاه الشرق الأوسط
1. سياسات الولايات المتحدة تجاه منطقة الشرق الأوسط وفي النظام الدولي، وآفاق مستقبلها ودورها في الشرق الأوسط، إضافة إلى تطور العلاقات الصينية الأمريكية وتزايد التبادل التجاري بينهما مما يحول دون تفاقم الأزمات بينهما، ويدفع الصين لتجنب أي صدام مع السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط
2. ارتباط العديد من الدول العربية سياسياً واقتصادياً مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي
3. تنامي العلاقات الصينية مع إسرائيل بدرجة تمنعها من انتقادها أو التصويت ضدها في الأمم المتحدة.
4. اعتماد السياسة الصينية الحالية على المصالح الاقتصادية، والتي يلزمها الأمن والاستقرار إقليميا ودوليا حسب الكثير من الإستراتيجيين الصينيين، وتأثر المصالح الصينية بأي إجراءات أو سياسات تتسبب في عدم الاستقرار.
5. استمرار عملية السلام في الشرق الأوسط، ومشاركة العرب فيها تحت الرعاية الأمريكية، وما يشكله ذلك من إطار للاستقرار النسبي في المنطقة.
6. النظرة الخاصة للصين إلى الشرق الأوسط والتي تقوم على:
§ أن سياستها تجاه الشرق الأوسط تخضع لسياستها العامة الداعية إلى بناء بيئة استقرار وسلام دولية
§ أن مسألة الشرق الأوسط مسالة معقدة جدا (1)[1]، ولدى العرب وجهات نظر مختلفة
§ تعتقد الصين أن للعرب دورا مهما، وهي تسعى لبناء تعاون اقتصادي معهم أكثر من ميلها لتعاون سياسي، حيث أن تطوير وتنمية الاقتصاد الصيني هي السبيل لإرغام العالم على الاستماع إليك(2) [2].
7. تبني الصين لرؤية خاصة لحل مشاكل الشرق الأوسط تقوم على ما يلي:
§ اعتماد التعاون الإقليمي كأساس للسياسة الأمنية
§ عدم الرغبة بالتورط عسكريا في منطقة الشرق الأوسط
§ قناعة الصين بأن التعاون الثنائي والمتعدد وبناء التنمية الاقتصادية سوف يحد من الأزمات في المنطقة ويعالج مشكلة الإرهاب
§ التزام الصين باعتماد القنوات الدبلوماسية في تطبيق سياساتها في الشرق الأوسط
§ تشجيع الصين لاتجاهات حوار الحضارات الثنائية والمتعددة
خامسا: مقترحات وبرامج لتطوير العلاقات بين الطرفين في القرن الحادي والعشرين
نحو تجذير علاقات عربية-صينية متماسكة على قاعدة التعاون الحضاري وتبادل المصالح والتحالف في النظام الدولي، ويمكن تحقيق ذلك من خلال:
1- توسيع التبادل الثقافي بين الصين والدول العربية من خلال وسائل متعددة منها: (1)
o تبادل المعلومات والوثائق والأفكار بين المؤسسات والأفراد المثقفين في الطرفين
o تطوير التبادل الثقافي وتعلم اللغات لدى الطرفين
o عقد الندوات المؤتمرات المشتركة بين المؤسسات المتشابهة
2-زيادة وتطوير التبادل الاقتصادي، وفتح مصانع صينية في الوطن العربي، ونقل صناعة التكنولوجيا إليه.
3- منح امتيازات للشركات الصينية للتنقيب عن النفط في بعض الدول العربية كما هو الحال في السودان.
4- إنشاء مناطق تجارة حرة بين الصين والدول العربية.
5- إعطاء مزيد من الحرية للمسلمين في الصين ليكونوا إضافة نوعية للمساهمة في تعزيز العلاقات بين الصين والعرب.
6- المساعدة في منح الدول العربية مقعدا في مجلس الأمن الدولي.
7- التعاون مع العرب لتصحيح الميزان الإستراتيجي في الشرق الأوسط
8- تطوير دور الصين في التعامل مع القضية الفلسطينية والضغط على الجانب الإسرائيلي
9- ضرورة الحد من التغلغل الإسرائيلي في العلاقات مع الصين على حساب الوطن العربي.
10- زيادة التبادل الدبلوماسي والسياسي بين الصين والدول العربية للحد من النفوذ والهيمنة الأمريكية.
11- تفعيل المنتدى العربي – الصيني عن طريق عقد مؤتمرات دورية على مختلف المستويات.
12- التعاون في القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك ومنها(2).
حوار وتعاون الحضارات في مواجهة توجهات صدام الحضارات، والعمل على تخفيف هيمنة الحضارة الغربية على العالم وتطبيق القانون الدولي بعدالة ودون تمييز، وإصلاح المنظمة الدولية، ووقف هيمنة الولايات المتحدة على السياسة الدولية ومواجهة استحقاقات تفشي ظاهرة الإرهاب وتمييزها عن المقاومة المشروعة ضد الاحتلال، والتوصل إلى وثيقة دولية تقوم على هذه القاعدة القانونية مواجهة استحقاقات العولمة الاقتصادية لصالح بناء اقتصاديات متنامية ومستقلة.
_________________________
. www.islamonline.net محمد جـواد الحـمد، الصين والعرب :كيف تتحقق شراكة جادة ، (1)
(2) محمدالسيد سليم، مرجع سابق
الدور الذي يلعبه الشرق الاوسط في علاقات الصين الخارجيةعندما تأسست جمهورية الصين في عام 1949 واجهت حصاراً من قيل الدول الغربية. وكان من نتائج هذا الحصار ان الصين اتجهت الى دول العالم الثالث لبناء علاقات صداقة. كانت مصر وسوريا والجزائر من الدول التي اسست علاقات مع الصين في العقود اللاحقة ولحقتها دول عربية أخرى. وبالنسبة للصين كانت هذه العلاقات الدبلوماسية مهمة لكسر الحصار الذي قادته الولايات المتحدة ضد الصين خاصة في موضوع عضوية الصين في الامم المتحدة. وحاولت الصين جاهدة منع تايوان من الانضمام للامم المتحدة معتمدة على دعم الدول الاسيوية والافريقية أكثر من غيرها ويذكر الصينيون الدور الذي لعبته الجزائر في المجال بايجابية.وفي مرحلة ما بعد الحرب الباردة واجهت الصين انتقادات حادة في موضوع حقوق الانسان خاصة بعد حادثة تياننمين سكوير في بكين حيث حاولت الولايات المتحدة والدول الغربية تمرير قرار عن طريق مؤتمر الامم المتحدة لحقوق الانسان يدين الصين (1)
تحتل منطقة الشرق الأوسط مكانة هامة فى السياسة الخارجية الصينية ، فقد ساهمت معظم دول المنطقة فى مجال إعادة الصين الى مكانتها الشرعية فى الأمم المتحدة ، وأيد الطرفان بعضهما فى الكثير من المشكلات الدولية الهامة.وبعد الحرب الباردة استمرت دول الشرق الأوسط فى تأييد الصين ايجابياً فى قضايا حقوق الانسان وتايوان والتحاق الصين بمنظمة التجارة العالمية.ويشترك الطرفان فى الكفاح من أجل إقامة نظام سياسى دولى جديد ولكن حتى الآن لم تتطور العلاقات بين الصين والشرق الأوسط بالدرجة الكافية، حيث تركز الصين بالدرجة الأولى على تعديل علاقاتها مع الدول الكبرى والمجاورة فى المجال الدبلوماسى ، وفى المقابل فإن دول الشرق الأوسط وبصفة خاصة الدول العربية مازالت تعتمد فى معظمها على الولايات المتحدة والدول الغربية سياسياً واقتصادياً ولاتبدى اهتماماً حقيقياً بالعلاقات مع الصين وهناك جهود ومساعى متبادلة لتطوير وتنمية العلاقات السياسية والاقتصادية بين الصين ودول الشرق الأوسط وتوطيد الروابط الثقافية والعلمية على المستويين الرسمى والشعبى،ولكن المعضلة تتمثل فى أن الشرق الأوسط به عدة دول لها مصالح مختلفة ، وهناك تناقض وصراع بين هذه الدول ، وهناك أيضاً عوامل عدم استقرار كثيرة وأوضاع معقدة ومتغيرة داخل هذه المنطقة ، ينبغى على الصين أن تعرف سبل التعامل معها.
وهنا وجدت الصين الدعم الذي تريد من دول العالم الثالث بما فيها دول الشرق الاوسط. ولازال الصراع الصيني - التايواني يدفع الدولتين للتأسيس علاقات دبلوماسية مع دول العالم الثالث. اتجهت تايوان لدول افريقيا وامريكا اللاتينية نظراً للدعم الضئيل الذي حصلت عليه من دول أسيا. فمن بين الدول الـ 24 التي تعترف بتايوان هناك 6 دول افريقية. وترى الصين في الزيارة التي قام بها رئيس تايوان لليبيا والامارات العربية المتحدة مؤشر على وجود ارض معركة دبلوماسية جديدة بين الصين وتايوان في الشرق الاوسط. والصراع الدبلوماسي الصيني - التايواني سيشهد ازدياداً في منطقة الشرق الاوسط نظراً لوجدود علاقات اقتصادية قوية مع منطقة الشرق الاوسط.(2)
_________________________________
(1) لى وى جيان ، تحليل ودراسة العلاقات بين الصين ودول الشرق الأوسط ، السياسة الدولية ، يوليو2001،العدد145
(2) www.arabic.peopledaily.com.cn
العلاقات الصينية الاسرائيلية:
شهدت مسيرة العلاقات بين الصين الشعبية وإسرائيل منعطفات خطيرة واختلافات عميقة لعقود طويلة تمتد من أوائل الخمسينيات حتى مطلع التسعينيات، إذ تباينت رؤية الدولتين وأسلوبهما ومواقفهما من عملية إقامة علاقاتهما الدبلوماسية؛ ولذلك اتسم الأداء النظري والعملي والدبلوماسي من جانب الدولتين بالتناقضات المتأرجحة بين "الإقدام والإحجام" و"الحماس والفتور"، وأصبح المشوار الصيني – الإسرائيلي الأكثر طولاً في تاريخ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدول
بدت في بداية عقد السبعينيات بوادر تحول سريع في سياسة الصين الخارجية تجاه الصراع العربي – الإسرائيلي، وبدأت بكين تبحث عن مصالحها الوطنية، وتخلت عن عدائها لإسرائيل واتخذت مواقف "معتدلة" وانتهجت سياسة "مرنة" إزاء العديد من المشكلات الدولية بصفة عامة والصراع العربي- الإسرائيلي بصفة خاصة.
ويمكن رد هذا التحول إلى الأسباب التالية:
1) زيادة التفاهم الصيني - الأمريكي، وخاصة بعد زيارة الرئيس الأمريكي للصين في عام 1972م، ولذلك خفّت حدّة العامل الأمريكي ولم يَعُد عقبة كبرى أمام "الدولتين" في إقامة علاقات دبلوماسية.
2) بعد وفاة الزعيم الصيني "ماو تسي تونغ" في عام 1976م بدأت السياسة الصينية تميل نحو تطوير العلاقات الصينية - الإسرائيلية، كما أثّرت سياسة الإصلاح الاقتصادي والسياسي والانفتاح على العالم الخارجي التي بدأتها الصين في أواخر 1978م.
3) تفاقم شدة الخلاف بين أكبر دولتين شيوعيتين في العالم: الاتحاد السوفييتي السابق والصين الشعبية، وكان من مصلحة الصين كبح توغل موسكو في شرق آسيا، ونظراً لأن إسرائيل تقف في وجه التوغل السوفييتي في الشرق الأوسط، فإن الصين وجدت نفسها تقف إلى جانب إسرائيل.
وقد أدركت إسرائيل هذا التحول الذي طرأ على موقف الصين وبادرت إلى إجراء اتصالاتها السرية الهادفة إلى التفاهم وبناء جسور الثقة مع بكين، وتبادل مسؤولون إسرائيليون وصينيون زيارات سرية لم يُعلن عنها.
التعاون العسكري:
أصبح المجال العسكري والصفقات العسكرية هما القاعدة الصلبة التي شُيِّد فوقها صرح العلاقات الإسرائيلية - الصينية، وهنا لا بد من إلقاء نظرة سريعة على الخطوط العريضة لهذا التعاون في ضوء التقارير التي نشرتها الصحف الإسرائيلية والمجلات الغربية المختصة في الشؤون العسكرية والدفاعية:
1) في عام 1980م كتب "كريغ كارخل" في مجلة "دتيهاوس" إن وفدًا عسكريًّا إسرائيليًّا زار الصين ودرس إمكانية بيع تقنية متقدمة.
2) في عام 1983م نشرت مجلة الأخبار الفرنسية خبراً تحت عنوان "2000 عسكري إسرائيلي يساعدون في تحسين الجيش الصيني".
3) في أوائل الثمانينيات عقدت الصين صفقة عسكرية مع إسرائيل قيمتها مليار دولار حصلت بموجبها على 54 طائرة "كفير" ودبابات من نوع "ميركانا" وصواريخ "جبرابيل"، كما بدأ تطوير الطائرة ف - 10 استنادًا إلى خبرة إسرائيل في إنتاج الطائرة لافي.
4) في عام 1984م نشرت المجلة البريطانية "جينس دينفس ويكلي" العسكرية خبرًا حول صفقات أسلحة تصل قيمتها إلى ثلاثة مليارات دولار بين الصين وإسرائيل. وكان من هذه الصفقات تزويد الصناعة العسكرية الإسرائيلية الصين بمدافع من عيار 105 وتطوير تسعة آلاف دبابة صينية عيار 69 . وفي غضون ذلك بدأت الاحتجاجات الأمريكية تصل إلى إسرائيل وتتهمها بأنها تزويد الصين بالتقنية الأمريكية التي تحصل عليها إسرائيل من أمريكا. (1)
5) شهد عام 1985م أول صفقة علنية بين الصين وإسرائيل حين اشترت الصين معدات حربية وقطع غيار للدبابات السوفيتية "تي - 62" التي أضاف إليها الصينيون مدافع إسرائيلية من عيار 105 ملم، وفي المقابل باعت بكين إلى تل أبيب كميات من الحديد ومعادن التيقات والفاناديوم والتاتنال وهي معادن مهمة لإنتاج الطائرات والصواريخ.
6) أكدت مجلة "ديفنس ويكلي" في عام 1986م إن إسرائيل باعت للصين الصاروخ المضاد للدبابات "مافتس".
7) نقلت إسرائيل للصين تقنية لإنتاج صاروخ جو - جو (بانيون 3) وهو تقليد للصاروخ الأمريكي "سايد وايندر".
8) قدمت إسرائيل - حسب تقرير لوكالة المخابرات الأمريكية - معلومات متقدمة للغاية إلى الصين عن أجهزة التوجيه بالصواريخ بصفة عامة وصاروخ "باتريوت" بصفة خاصة.
9) وفي مطلع التسعينيات بدأت المفاوضات الصينية الإسرائيلية لتزويد بكين بطائرات استخبارية على نمط "الأواكس" بقيمة 250 مليون دولار.
10) في معرض الصين العالمي للطيران عام 1995م شاركت ثماني مؤسسات إسرائيلية لصناعة الطيران، وذلك تحت اسم الدولة الإسرائيلية لأول مرة.
هذا، واعتبر التعاون الإسرائيلي الصيني في تطوير نظام فالكون للسيطرة، وإنتاج الطائرة المقاتلة "إف-10" من أهم مشروعات التعاون العسكري بين الطرفين.
________________________
(1) www.islamonline.net
العلاقات السياسية بين الدولتين:
شهدت السبعينيات أول اتصال رسمي معلن بين إسرائيل والصين وكان ذلك عام 1978م عندما اجتمع مندوب الصين الدائم في الأمم المتحدة مع وكيل وزارة الخارجية الإسرائيلية، وقد فتح في عام 1989م أول مكتب اتصال أكاديمي إسرائيلي في بكين.
في مطلع التسعينيات كرست إسرائيل جهودها للاتصال مع القادة الصينيين؛ إذ كان افتتاح الممثلية الإسرائيلية في بكين عام 1990م انقلابًا حقيقيًّا في العلاقة، وشهد عام 1991م اتصالات دبلوماسية مكثفة بين الصين وإسرائيل لوضع اللمسات الأخيرة وبناء جسور الثقة وتعميق التفاهم بهدف إقامة علاقاتهما الدبلوماسية، وفي عام 1991م أيضًا أعلنت الدولتان بشكل رسمي إقامة علاقات دبلوماسية بينهما.
وقد بلغ النشاط السياسي ذروته بين البلدين عندما قام رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحق رابين في عام 1993م بزيارة الصين بهدف إقناع الصين بشراء العتاد الإسرائيلي والتقني ومحاولة فتح الأسواق الصينية أمام المنتجات الإسرائيلية، وفي المقابل قام الرئيس الصيني بزيارة إلى إسرائيل العام الجاري استغرقت عدة أيام.
العلاقات العلمية والثقافية:
وقَّعت الدولتان في عام 1991م اتفاقية رسمية للتعاون بين أكاديميات العلوم فيهما أثناء زيارة الوفد العلمي الصيني إلى إسرائيل، وكانت جامعة بكين شهدت في عام 1986م افتتاح كلية لتعليم اللغة العبرية والآداب والتاريخ والديانات اليهودية، كما افتتحت إسرائيل مركزاً أكاديميًّا لها في بكين عام 1991م، كما تمَّ ترجمة بعض الكتب الصينية إلى العبرية.
العلاقات الاقتصادية:
كانت بداية النشاط الاقتصادي بين الجانبين عام 1988م عندما توجه رئيس القسم الاقتصادي في وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى بكين، ووضع بنفسه الخطوط العريضة للاستثمارات الإسرائيلية في الصين.
________________________
(1) المرجع السابق
المبحث الثانى:صنع السياسة الصينيةفى عهد ماو كانت معظم قرارات السياسة الخارجية يتم اتخاذها بطريقة عائلة كورليون فى قصة (God Father): فكان ماو بمثابة الأب الإله ثم جاء بعد ذلك حكم دينج ليفتح آفاقاً جديدة حيث توطدت روابط الصين بالمجتمع الدولى ولكن ظلت القرارات النهائية تتصف بالمركزية الشديدة. وعلى الرغم من ذلك فقد أصبحت عملية اتخاذ قرارات السياسة الخارجية الآن تتميز بالمؤسسية واللامركزية ولم تعد أيضاً تعتمد بشكل كبير على الصفة الفردية لأحد القادة.ومن أحد محاور التغير فى الصين إتاحة فرصة أكبر للدور الذى تلعبه هيئات الإدارة الحكومية المتناظرة والمختصة بقضايا السياسة الرئيسية والمعروفة باسم المجموعات القيادية الصغيرة. كما قامت بكين فى أواخر عام 2000 بتأسيس مجموعة قيادية جديدة للأمن القومى. كما تشكل هذه الهيئات الصورة العامة للنظام السياسى وأيضاً فإنها من شأنها تقييد السلطة التى يستقل بها فرد أو حزب.عملت الصين أيضاً على تنويع مصادر التحليلات السياسية التى تصل إليها من داخل الحكومة أو من خارجها. فعلى سبيل المثال فإن القسم الجديد للتخطيط المتطور لسياسة وزارة الخارجية يلعب الآن دوراً بارزاً كأحد مصادر الفكر السياسى الداخلية ومن ناحية أخرى فقد بدأت الحكومة فى تعيين متخصصين من خارج الحكومة للاستعانة بهم كمستشارين للقضايا الفنية مثل تلك التى تتعلق بعدم انتشار الأسلحة المحظورة والدفاع الصاروخى. هذا ويشارك عدد كبير من الدارسين والمحللين السياسيين الصينيين بصورة منتظمة فى مجموعات الدراسة الداخلية وكتابة التقريرات إلى جانب تصميم بعض المختصرات السياسية حيث يقوم هؤلاء الدارسون والمحللون السياسيون بكثير من الدراسات والزيارات للخارج للقاء بنظائرهم من الخبراء الدوليين بالإضافة إلى أنهم يلفتون أنظار الزعماء الصينيين إلى الاتجاهات الدولية السائدة ويطرحونها عليهم فى قالب من الخيارات السياسية.وهناك أيضاً عامل آخر كانت له بصمة واضحة فى تطوير عملية صنع القرار فى السياسة الخارجية للصين وهو توسيع رقعة المناقشة العامة لتشمل الشئون العالمية. فلم يكن هناك أية مناقشات مفتوحة تتناول المشكلات الحساسة مثل حظر الأسلحة أو الدفاع الصاروخى فى خلال العشر سنوات الماضية، ولكن فى الوقت الراهن يستطيع النقاد أن يتناولوا كل تلك القضايا بالدراسة فى آرائهم ولقاءاتهم التليفزيونية إلى جانب مؤلفاتهم بفرض تفعيل وهيكلة الدبلوماسية الصينية. وفى الوقت نفسه فقد بدأت فئة من الصينيين تضم مسئولى الإعلام والمتحدثين الرسميين للحزب الشيوعى والصحف اليومية الشعبية تجرى مباحثات باستخدام أسلوب المائدة المستديرة بالاستعانة بالإدارة الصريحة للمحللين الجدد حتى إن بعض الصحف وخاصة الهوانكى شيباو (أوقات عالمية) والنانفانج زومو (نهاية الأسبوع الجنوبى) قد نشرت بعض الآراء المطالبة بإيجاد بدائل لسياسة الحزب الرسمى مثل تلك التى تتعلق بكوريا الشمالية.
____________________
(1) المرجع السابق
أما عن الأسلوب الذى يتبعه الساسة فى تنفيذ الدبلوماسية الصينية المتطورة بشكل كبير، فقد تميز بالبراعة والفطنة وهو ما أثمرته نتائج التدريب المناضل الذى بدأته وزارة الخارجية منذ أكثر من عشرين عاماً مع بدء فترة الإصلاح حيث قضى الدبلوماسيون الصينيون وقتاً طويلاً فى دراسة العالم الخارجى من المتحدثين لغة أو أكثر من اللغات الأجنبية والحاصلين على درجات وشهادات علمية من جامعات أوروبا وأمريكا. كما عملت أيضاً على تعزيز فكرة تجنيد المؤهلات المتوسطة المحولة من الولايات الأخرى من أجل زيادة خبراتها فى شتى المجالات.صحب تلك التغييرات فى الواقع حملة صينية جديدة لتعميم وتعزيز السياسة الخارجية للدولة. ففى خلال العقود الماضية كانت المناظرات والتلخيصات يتم إحالتها إلى الصحف اليومية والتقارير الإخبارية والمطبوعات التى تصدرها وزارة الخارجية ثم تغير الوضع مؤخراً حيث أدركت الصين أهمية طرح وجهة نظرها للعالم الخارجى من أجل تحسين صورتها بين الدول.
وطبقاً لذلك فقد بدأت الصين فى منتصف التسعينيات فى إصدار الأوراق البيضاء الحكومية المتعلقة بالموضوعات الجدلية للسياسة الخارجية من أجل التعزيز والدفاع عن آرائها.
ومن هذا المنطلق فقد أصدرت الصين أكثر من ثلاثين وثيقة تتناول مجموعة متنوعة من القضايا الحساسة كتلك التى تتعلق بتنظيم عدد السكان وحقوق الإنسان إلى جانب قضية تايوان والتيبت وكذا قضية الدفاع الوطنى.وإلى جانب تلك التغييرات الداخلية فقد تبنت الصين طريقة أكثر ارتقاءً فى التعامل مع مجموعات الصحافة الدولية. وفى عام 1999 افتتحت وزارة الخارجية مركزاً إعلامياً دولياً جديداً لعقد المؤتمرات الصحفية نصف الإسبوعية والتى يتم ترجمتها فورياً بالإضافة إلى أنها تغطى مساحة مناسبة لطرح الأسئلة الجريئة والإجابات الحقيقية حتى وإن كانت تتعلق بالتغييرات الطفيفة التى طرأت على سياساتها المعلنة. كما دعا كبار مسئولى وزارة الخارجية الآن الصحفيين لعرض موجز للخلفية السياسية غير المعلنة من قبل نشر وثائق السياسة العظمى أو عقب اجتماع القمم الثنائية مثل زيارة يانج زيمن لكراوفورد، تكساس فى أكتوبر عام 2002. حيث تمثل تلك الخطوات انحرافاً مذهلاً لسلوك دولة اعتادت أن تضع شئونها الخارجية تحت السرية التامة.
_______________________________
(1) عاطف الحلوانى ، دبلوماسية الصين الجديدة ، قرأءات استراتيجية ، المجلد الثامن ، العدد الخامس ، مايو2005
ويمثل حاصل تلك التغييرات فى مضمون وسمات وتنفيذ سياسة الصين الخارجية خلال العشر سنوات الماضية طفرة تطويرية هامة التى طرأت على الطريقة الانطوائية والرجعية التى اعتادت الصين العمل بها فيما بين فترة الثمانينيات وأوائل التسعينيات. أثناء السنوات الثلاث الماضية وخاصة منذ أحداث الحادى عشر من سبتمبر عام 2001 بدأت المؤلفات الاستراتيجية الصينية تعكس تحولاً حاسماً فى وجهات النظر المتعلقة بالنظام الدولى والدور الذى تلعبه الصين نحوه،
ومن أحد أكبر المقومات النهائية للفكر الجديد بالصين هو قبول الصين مؤخراً إلى اعتبار العالم فى الوقت الحالى أحادى القطبية واعتبار أمريكا الكفة الراجحة التى سيستمر وجودها إلى عقود قادمة. على الرغم من أن الزعماء الصينيين ساندوا مبدأ تعدد الأقطاب كتيار مناسب لكل العصور (وأدانوا فى المقابل مبدأ أحادية القطب)، يعترف المحللون الصينيون فى الوقت الراهن بأن دولتهم لا ولن تستطيع فى أى وقت مجابهة أمريكا كقوة مسيطرة على العالم برمته فى الوقت الراهن، مع أن تلك الديناميكية لم تصبح مؤكدة بعد داخل آسيا. كما قام أحد خبراء السياسة الخارجية الصينية بنشر مقال مؤخراً يميز فيه بين القوة المهيمنة والسلوك المهيمن كما اقترح أن الصين فى إمكانها لأن تفضل القوة المهيمنة كحل مناسب عن السلوك المهيمن وأضاف قائلاً أن تحقيق الصين للسلام والتنمية جنباً إلى جنب مع الأهداف الاقتصادية المرجوة يمكن أن يظل منتعشاً فى العالم أحادى القطب وهذا هو الوضع الآن. والأمر الذى لم يدركه الصينيون حتى الآن هو أن الاقتصاد الصينى قد أفاد بصورة هائلة من التفوق العسكرى الأمريكى والمجهودات التى بذلتها أمريكا من أجل الحفاظ على الاستقرار فى المنطقة الآسيوية خلال العشرين سنة الماضية..(1)يعد تأكيد الصين على إقامة علاقات دولية قوية ووضعها على قمة هرم أولوياتها السياسية الخارجية امتداداً طبيعياً لذلك التيار الفكرى الحديث. كما يرى الاستراتيجيون الصينيون أن تحقيق مصالحهم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقوى العظمى بينما تكاد لا تتعلق بشئون الدول النامية لذلك فقد جاء ترتيب الأمم النامية فى قاع الهرم ويعبر ذلك التغيير وحده عن الطفرة الانتقالية المذهلة التى شهدتها الصين خلال فترة الستعينيات عندما كان بعض الصينيين ينكرون حقها فى الدخول فى نطاقات العولمة والدول العظمى والمؤتمرات التعددية. ولكن اليوم أصبح المسئولون الصينيون يعبرون بصورة واضحة عن حاجة بلادهم إلى المشاركة فى المسئوليات العالمية شأنها فى ذلك شأن غيرها من الدول العظمى. وانعكاساً لتلك التغيرات فقد أصبح الرئيس هيو جينتاو أول رئيس صينى يحضر اجتماعات مجموعة أكبر ثمانى دول صناعية فى العالم (G - 8).
___________________________
(1) المرجع السابق
المبحث الثالث : السياسة الخارجية الصينية تجاه اسيا
اولا" : العلاقة الباكستانية الصينية
ترتكز علاقة الصين بباكستان على مقومين أساسيين هما الأمن الصيني والمشاريع الاقتصادية الصينية داخل باكستان. ويصف دائما مسئولو الدولتين هذه العلاقة بأنها فريدة وعصية على أي تعكير وإفساد.
وتبدي الصين استعدادها الكامل لمساعدة حليفتها باكستان في التغلب على ما تعانيه من فقر وتخلف اقتصادي؛ وذلك من خلال مشاركتها الضخمة في المشاريع الباكستانية الكبرى، مثل ميناء "جوادار" وطريق "ميكران"، وتحديث طرق القطارات، فضلا عن تطوير التعاون التقني لدعم الاستخدام السلمي للطاقة النووية، حيث وقع البلدان في إبريل 2004 اتفاقا تقوم الصين بمقتضاه ببناء قاعدة "كاشما" النووية في باكستان بقوة 300 ميجاوات.
كما لا يخفى ازدياد حجم التبادل التجاري بين البلدين في الآونة الأخيرة والذي تصاعد من 1.8 بليون دولار عامي 2001 و2002 إلى 2.4 بليون دولار في 31 ديسمبر 2003؛ وازدياد الصادرات الباكستانية إلى الصين من 557 مليون دولار إلى 575 مليون دولار وارتفاع الصادرات الصينية إلى باكستان من 1.242 بليون دولار إلى 1.845 بليون دولار في نفس الفترة. هذا إلى جانب اتفاقية التجارة التي وقعت بين البلدين في يناير 2004، والتي سوف يتم بمقتضاها إزالة الجمارك الباكستانية عن 200 منتج صيني، وإزالة الجمارك الصينية عن 800 منتج باكستاني.(1)
والمؤكد هو أن تصاعد الدور الصيني إلى العالمية لا يعني أبدا أن تتنازل عما يربطها بباكستان من أواصر خاصة الأواصر الجغرافية؛ لأن الصين محرومة جغرافيا من الوصول إلى دول آسيا الوسطى، على عكس باكستان التي يمكنها بفضل قربها الجغرافي من تلك الدول أن تساعد الصين على الوصول إليها تجاريا، أي يمكن لباكستان أن تصير همزة الوصل لتوصيل المنتجات الصينية إلى دول وسط وغرب آسيا.
_____________________________
(1) شيرين حامد فهمي ، الصين وجنوب آسيا.. واقعية جديدة، ترجمةعن المركز الباكستاني للدراسات الإقليمية ، www.islamonline.net
فعبر ميناء "جوادار" الباكستاني الواقع حاليا تحت الإنشاء وأيضا عبر الطريق السريع "كاراكوروم" الذي يربط بين غربي الصين وشمال شرق باكستان، ستتمكن الصين من توصيل منتجاتها وبضائعها في سلام وأمان إلى دول آسيوية كثيرة؛ وهو ما سيجلب الثراء على الحليفين معا.
ومع تطور الوقائع والحقائق الجيو-اقتصادية، وحضور السوق الحرة بقوة على الساحة الاقتصادية، واستفحال العولمة والمنظمات الإقليمية، تحول الحليفان إلى انتهاج الدبلوماسية الاقتصادية كأفضل بديل لمواكبة ذلك التطور. فاتجهت باكستان إلى تنمية علاقاتها بمنطقة شرق آسيا وعكست الزيارات المتعاقبة للرئيس الباكستاني ورئيس وزرائه لعديد من دول شرق آسيا اقترابا وتعطشا باكستانيا للتعاون الاقتصادي مع هذه الدول ووضعها على قائمة الأولويات الباكستانية. (1)
ولا نستطيع أن نتحدث عن العلاقة الصينية الباكستانية دون ذكر عامل النفط الذي تعتمد عليه الصين اعتمادا أساسيا في صناعتها. فباكستان -كما سردنا من قبل- تتمتع بموقع جغرافي متميز، حيث تقع على مداخل ثلاثة: وسط آسيا، شرق آسيا، غرب آسيا. وما يهمنا في هذه النقطة منطقة وسط آسيا التي تطل على بحر القوقاز الذي يعتبر "الخليج الفارسي" للقرن الحادي والعشرين، لما يحتويه من كميات لا توصف من النفط والغاز. ولكي ينقل النفط القوقازي إلى الصين، بل وأيضا إلى الولايات المتحدة وغربي أوربا واليابان، لا بد أن يكون الطريق التجاري آمنا، بحيث لا يتعرض إلى المرور بالأراضي الإيرانية أو الروسية. وقد تبين من وجهة النظر الصينية والغربية واليابانية أن باكستان بوضعها الجغرافي تمثل أكثر الطرق أمانا للقيام بتلك المهمة.
_____________________
(1) المرجع السابق
ثانيا :العلاقات الصينية الهندية
جاء عقد التسعينيات، ليساهم في مزيد من العلاقات الإيجابية، وذلك بفعل التحول الذي شهدته الرؤية الإستراتيجية الهندية. وكان انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي عاملا إضافيا مؤثرا في تحول تلك الرؤية؛ أما أهم العوامل تأثيرا فكان ذيوع برامج التحرر أو اللبرلة الاقتصادية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، والتي انتهجت بعدها الحكومات الهندية المتعاقبة سياسات خارجية تتلون بلون البرجماتية أكثر من تلونها بلون الأيديولوجيا.
وقد بدت ملامح هذا التقارب بين البلدين في بعض الأمور التي أبرزها: تطور ملحوظ في العلاقات التجارية والتعليمية والثقافية؛ جهود كثيرة لتجاوز الحساسيات الحدودية؛ تقدم واضح في مجال الأسلحة المضادة للدمار الشامل (اتفاقية "حفظ السلام والهدوء" عام 1993، واتفاقية "مقاييس بناء الثقة" في عام 1996)؛ تدشين حوار أمني بين الطرفين في عامي 1999 و2000؛ زيارة "فاجبايي" للصين في 2003 التي كانت سببا في وضع أساس التقارب بين البلدين عبر تقزيم المشاكل ذات المدى البعيد بينهما واستغلال الفرص الجديدة للتعاون الاقتصادي بينهما، وقد قام كل منهما بالفعل بإرضاء الآخر (اعتراف الهند الرسمي بسيادة الصين على التبت، واعتراف الصين في المقابل بسيادة الهند على مملكة "سيكيم" السابقة)؛ الشروع في حل مشكلة الحدود بين الصين والهند على أساس مبدأ "التعايش السلمي"؛ واتفاق الدولتين في مارس 2004 على توطيد العلاقات العسكرية عبر تبادل الخبرات والتدريبات.(1)
ويرى بعض صانعي السياسات في جنوب آسيا أن الهند سوف تتحول من الصديق المؤيد للصين إلى المنافس اللدود. ويعللون ذلك بتطلعات النخبة الهندية -خاصة البراهمينيين Brahmins- نحو السيطرة والهيمنة العالمية؛ الأمر الذي ظهر جليا منذ تسلم حزب "باهارتيا جاناتا" السلطة الهندية في عام 1998، وإصراره منذ ذلك الحين على أخذ دور القوة الكبرى في المنطقة؛ ومن ثم عمله على توسيع العمق البحري والإستراتيجي الهندي من "أندومان" إلى جزر "نيكوبار"، وتدشين قواعد هندية في فيتنام وطاجكستان، وتوسيع الاتصالات الدفاعية والأمنية الهندية لكي تشمل إيران واليابان وكوريا الجنوبية، وتعميق الدبلوماسية الدفاعية الهندية في مختلف ربوع آسيا، وانخراط الحكومة الهندية في مشاريع الطرق الكبرى بالقارة الآسيوية، مثل مشروع الطريق السريع بين الهند وتايلاند وماينمار، وعلى إجراء اختبارات نووية في عام 1998؛ وهو ما أثار غيظ الصينيين.
________________________
(1) شيرين حامد فهمي ، العلاقات الصينية الهندية.. تطبيع أم تصادم ، ترجمة عن المركز الباكستاني للدراسات الإقليمية ؛ www.islamonline.net
هذا عن العملاق الهندي... فماذا عن العملاق الصيني؟ من المتوقع في السنوات القادمة أن يزداد الاعتماد الصيني على استيراد الطاقة (النفط) الذي سيصير عنصرا أساسيا في تحديد العلاقات الصينية الخارجية، بل وفي رسم رؤية الصين للعالم. وأقرب دليل على ذلك، الزيارات التي قام بها الرئيس الصيني "هو جينتاو" في يناير 2004 إلى كل من مصر والجزائر والجابون؛ وهي جميعها دول مصدرة للنفط، ولم تكن أبدا من ضمن أجندة الصين الخارجية.
ومن المتوقع أيضا، أن تصير توجسات الصين الأمنية والعسكرية تجاه الهند هي المحدد الأساسي لسياسة الدولة الصينية تجاه منطقة جنوب آسيا، فالمشاحنات الصينية الهندية في جنوبي آسيا وفي شمالي المحيط الهندي ليس بأمر مستبعد، بل من المفترض أن تصبح في المستقبل القريب ظاهرة مهيمنة على القارة الآسيوية. أما المحدد الآخر للسياسة الصينية تجاه منطقة جنوب آسيا، فهو يتمثل في النزاعات الصينية الهندية حول الحدود، وبالذات فيما يخص إقليم "التبت" الذي هو بمثابة "اللحم" الإستراتيجي الذي لن تستطيع الصين الاستغناء عنه أبدا.
ومن منظور الدوائر الصينية، فإن الهند هي الوحيدة التي لديها الإمكانية والرغبة لكي تقف في مواجهة حقيقية مع الصين. إلا أنه كما تشكل الطموحات الهندية الجارفة خطرا على الصين، فإن الأخيرة أيضا تشكل خطرا مماثلا على الهند، وهو الذي يتمثل في ذهاب حوالي 90% من مبيعات الأسلحة الصينية إلى الدول التي تقع على حدود الهند، والتي كانت دوما تكره تطلعات الهيمنة الهندية في المنطقة، ومن ثم كان لجوءها إلى تدشين علاقات أمنية مع قوى إقليمية أخرى، مثل الصين، أو مع قوى غير إقليمية مثل الولايات المتحدة؛ على أن يكون الهدف من وراء ذلك هو إحداث توازن مضاد مع الهند. (1)
وقد أدى ذلك إلى بزوغ تحالف صيني مع "جيران" الهند "الصغار"؛ الأمر الذي جعل الصين تبوء بمكانة في بالغ الأهمية لدى هؤلاء "الصغار"، وفي منطقة جنوب آسيا ككل. وأضحت الصين تمثل عنصر الاستقرار لديهم، وكذلك عنصر القوة التي تمكنهم من اتخاذ قرارات وسياسات مستقلة عن الدولة الهندية. هذا فضلا عن الدور الاقتصادي المهم الذي تلعبه الصين في المنطقة، في كل من باكستان وبنجلاديش ونيبال وسيريلانكا، حيث تعتبر الداعم الاقتصادي الأول لتلك الدول خاصة باكستان التي تتمتع -مقارنة بجميع دول المنطقة- بعلاقة وطيدة جدا مع الصين. وهكذا نرى، كيف تستخدم الصين الاقتصاد في فرض الضغوط على الهند.
______________________
(1) المرجع السابق
المبحث الرابع : السياسة الخارجية الصينية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية
تشكل العلاقات الأمريكية الصينية نموذجاً يجمع بين الصراع والتعاون الحذر ، حيث تتوافر لكلا البلدين عناصر القوة والارادة السياسية للقيام بدور عالمى ، فالولايات المتحدة بوصفها القوة العظمى الوحيدة فى العالم ، تريد الاحتفاظ بهذا الموقع المتميز لأطول مدى زمنى ممكن ، والصين بثقلها الديموغرافى والاقتصادى والسياسى والعسكرى المتزايد ، تسعى للوصول الى مرتبة القوة العظمى القادرة على التأثير فى حركة التفاعلات العالمية فى القرن الحادى والعشرين.واذا كانت العلاقات الأمريكية الصينية تتراوح بين الصراع والتعاون ، فإن الفترة الأخيرة للرئيس كلينتون اقتربت من الاتجاه الواقعى فى التعامل مع الصين ، حيث أقرت إدارة كلينتون بوجود قدر من التوافق فى المصالح مع وجود مساحة من الخلاف لايمكن تجاهلها.أما بالنسبة للصين فهى تطمح للوصول الى مرتبة القوة العظمى اقليمياً وعالمياً ، وفى ذات الوقت تقر بوجود قوة عظمى أخرى هامة هى الولايات المتحدة ، لها مصالح حيوية فى جميع أنحاء العالم ، يتعين على الصين احترامها ، ولكن بنفس القدر الذى تحترم به الولايات المتحدة المصالح الصينية اقليمياً وعالمياً ، ولاتغيب عن الرؤية الصينية إمكانية حدوث خلافات مع الولايات المتحدة أو درجة من درجات التناقض فى المصالح ، ولكنها ترى أن مثل هذه الأمور يمكن التعامل معها بالأساليب الدبلوماسية وبعيداً عن أساليب الصراع والمواجهة.(1)ومع مجىء الادارة الجمهورية الجديدة الى البيت الأبيض ، شهدت العلاقات الأمريكية الصينية العديد من التطورات التى تشير الى اتباع الجمهوريين للنهج الصراعى فى إدارة العلاقات مع الصين من خلال استراتيجية تعتمد على إضعاف الصين وردعها فى آن واحد.إلا أن هناك حدوداً يفرضها الواقع الدولى المعاصر بمتغيراته العديدة على هذا الطابع الصراعى.ولاشك أن كل طرف من أطراف هذه العلاقة يحاول توجيهها بما يحقق له أقصى استفادة ممكنة فى ظل عناصر قوته المتاحة وقدرته على تعبئتها وتوظيفها .
_________________________
(1) محمد سعد أبوعامود ، العلاقات الأمريكية الصينية ، السياسة الدولية ، يوليو 2001
ظهور الإرهاب بعد الحادى عشر من سبتمبر عام 2001 كتهديد رئيسى للأمن الدولى، أظهر بعداً جديداً على السياسة الخارجية الصينية وخلق فرصة كبيرة لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة. إن التعاون العميق والكبير مع واشنطن حول مكافحة الإرهاب ومنع الانتشار النووى قد زاد من إمكانية حدوث شراكة أمريكية صينية فى وضع دولى جديد على الرغم من تأثير السياسة الخارجية الأمريكية المتشابكة على العلاقات الأمريكية مع الصين. وعلى الرغم من أن أحداث الحادى عشر من سبتمبر قد تسببت فى تراجع ترتيب الصين من قائمة تهديدات الولايات المتحدة، فإن طريقة إدارة بوش فى شن حملة مكافحة الإرهاب وخاصة غزو العراق، قد أثارت مخاوف صينية كبيرة من اتجاهات السياسة الخارجية الأمريكية وبالتالى قيدت الشراكة التى فى طريقها للظهور بين البلدين. (1)
إن اهتمام الصين الجديد للعمل مع الشركاء الدوليين لمواجهة تهديد الإرهابيين وأيضاً محاربة الإرهاب العالمى قد أدى بالصين إلى الدخول فى حوار ثنائى مع الدول الأخرى لتشجيع التعاون لمحاربة الإرهاب. وفى أكتوبر 2001 اتفقت الصين وروسيا على إقامة مجموعة عمل روسية صينية للتصدى للإرهاب. وفى نفس الشهر تقابل الرؤساء جيانج زيمين وجورج بوش فى اجتماعات منتدى التعاون الاقتصادى لدول آسيا الباسيفك (أيبك) فى شنغهاى حيث توصلا إلى اتفاق للتبادل الصينى الأمريكى وللتعاون لمكافحة الإرهاب والتصدى له. وفى يناير 2002 اتفقت نيودلهى وبكين على إقامة مجموعة عمل ثنائية للتصدى للإرهاب. وبالإضافة إلى المعالجات الثنائية فقد اتجهت الصين إلى المنظمات المتعددة الأطراف مثل منظمة شنغهاى للتعاون. والتى تضم فى عضويتها كل من الصين وروسيا كزخستان وقيرغستان وطاجيكستان وأوزبكستان تم تأسيسها عام 2001 لمحاربة التطرف والنزاعات الانفصالية والإرهاب .(2)
______________________
(1) المرجع السابق
(2) فضيلة محجوب ، وعود وحدود الشراكة الأمريكية - الصينية ، قراءات استراتيجية ، www.ahram.org.eg
وبعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر فإن منظمة شنغهاى للتعاون واجهت تحديات وفرص فى نفس الوقت:أولاً: على الجانب الأول فإن الولايات المتحدة تحت ستار مكافحة الإرهاب فى آسيا الوسطى بدأت فى إقامة علاقات أمنية وثيقة مع بعض أعضاء منظمة شنغهاى للتعاون وأرست قوات فى المنطقة الأمر الذى قلل نسبياً من تماسك المنظمة ووظيفتها.وعلى الجانب الآخر إن الإحساس الجديد بخطورة التهديد الإرهابى بين أعضاء منظمة شنغهاى للتعاون قد أضاف حافزاً لتعميق أهمية المنظمة. وقد انتهزت الصين هذه الفرصة لزيادة التعاون مع منظمة شنغهاى. وقد توصلت إلى اتفاقية فى يونيو عام 2002 بين أعضاء منظمة شنغهاى للتعاون لإقامة منظمة إقليمية للتصدى للإرهاب بشكيك عاصمة قيرغستان لتدعيم التنسيق وتبادل المعلومات المخابراتية فى الحملة ضد الإرهاب. وفى صيف 2003 فإن الصين وأعضاء منظمة شنغهاى للتعاون فيما عدا أوزبكستان شنوا أول تدريب عسكرى مشترك حيث تدربوا على توجيه ضربة إلى معسكرات الإرهاب.وبإيجاز فإن أحداث الحادى عشر من سبتمبر قد أيقظت الوعى الصينى للتهديد الإرهابى، وبالتالى فإن الصين لم تتحرك فقط لكى تسعى بطريقة فعالة للتعاون الدولى لمواجهة التحديات الإرهابية ولكنها مدت تأييدها فى الحرب العالمية ضد الإرهاب من خلال المعالجات الثنائية والعالمية.(1)
ثانياً: إن العلاقات بين الدول أكثر سيولة تجز إعادة التحالف بين القوى العظمى وخاصة فى ظل النظام الدولى التعددى المرن للتعاون والمنافسة والتحالف وإعادة التحالف. وأثناء الحرب الباردة فإن الدول قد انقسمت إلى معسكرين متعاديين فى ظل خط أيديولوجى واليوم هذا الخط من التمييز غير واضح. إن الحلفاء التقليديين من الممكن أن يقعوا فى خلافات خطيرة، بينما بين الدول التى بدون روابط تحالفية من الممكن أن تكون قريبة أكثر بسبب الاهتمامات المشتركة ووجهات النظر المشتركة فى العالم. واليوم فأن العلاقات الدولية قد أصبحت أكثر فاعلية.
إن سياسة الولايات المتحدة مع الصين وسياسة الصين مع الولايات المتحدة تعد موضوعاً سياسياً حساساً فى داخل الوطن وسوف يظل مشكلة كبيرة فى كيفية منع هذه التطورات من أن تسبب تقهقراً كبيراً للعلاقات بينهما.
_______________________
(1) المرجع السابق
تحولات مؤثرة في علاقات الطرفين
في عصر الهيمنة الأمريكية على العالم، وغياب القطب الآخر الذي يحدث التوازن بعد سقوط الاتحاد السوفيتي بداية التسعينيات من القرن الماضي، تتجه الأنظار للبحث عمن يمكن أن يكون المنافس لتلك القوة المهيمنة على النظام العالمي‚ ويكاد يكون هناك شبه إجماع على أن الصين حتى الآن هي الدولة التي تملك المقومات التي تؤهلها لكي تتبوأ هذه المكانة، فمن الناحية البشرية يبلغ عدد سكان الصين مليارا وثلاثمائة مليون نسمة وهو يوازي أربعة أضعاف عدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية، ومن الناحية العسكرية يعتبر الجيش الصيني أكبر جيش في العالم، إذ يبلغ تعداده مليونين ونصف المليون جندي، كما تحتل الصين المرتبة الثالثة في الإنفاق العسكري بعد الولايات المتحدة وروسيا وذلك حسب التقارير الأمريكية(1)
ومن الناحية الاقتصادية، يعتبر الاقتصاد الصيني أكبر اقتصاد حقق نموا في التاريخ المنظور خلال الخمسة والعشرين عاما الماضية حيث حقق بشكل سنوي نموا 8-9%، واستطاعت الحكومة الصينية خلال هذه السنوات تخليص ثلاثمائة مليون صيني من الفقر، وأن تضاعف دخول الأفراد أربع مرات، كما أن الصين تحتفظ بثاني أكبر احتياطي عالمي من العملات الأجنبية وعلى رأسها الدولار الأمريكي، وأما من الناحية التجارية فقد أصبحت البضائع الصينية تشكل قلقاً للدول الصناعية الكبرى بسبب أسعارها المنافسة
ويبدو ان رؤية الصين المستقبلية للمنطقة تنحصر في استراتيجية "التعاون وليس التصادم مع الولايات المتحدة" لأن الصين ليس لديها النية ولا المصلحة ولا القدرة ان تدخل في صراع
مع الولايات المتحدة في منطقة تعتبرها الصين منطقة نفوذ امريكية. ومن جانب آخر، كان مستوى التعاون والتنسيق بين الصين والولايات المتحدة غير مسبوق في مسالة كوريا الشمالية، والحرب على الارهاب، و اصلاح الامم المتحدة. يدل السلوك الصيني في هذه الموضوعات على ان الصين لا تنوى مواجهة الولايات المتحدة في أي مكان حتى على حدودها (كوريا الشمالية) على الرغم من وجود مصلحة صينية في استمرار النظام السياسي.(2)
الحالي في كوريا الشمالية في ظل هذه الاعتبارات الإستراتيجية يحاول العرب رسم مستقبل أفضل لعلاقاتهم مع الصين، وتحاول هذه الورقة تحديد بعض محددات هذه العلاقة المستقبلية ومكوناتها من خلال الإجابة على سؤالين رئيسين، الأول: ما هي المصالح العربية التي يتوقع العرب أن تقوم مع الصين بدعمها، وتساعدهم على تحقيقها على مختلف المستويات وفي مختلف المجالات؟ والثاني: ما هي المصالح الصينية التي يعتقد العرب أنهم قادرون على التعاون مع الصين لتحقيقها على مختلف المستويات وفي مختلف المجالات؟ .
___________________________________________
(1) احمد منصور ، مرجع سبق ذكره
(2) المرجع السابق
الخاتمة
استطاعت الصين في السنوات الأخيرة أن تستفيد من عثرات الإدارات الأمريكية، بدءا برد الفعل البطيء حيال الأزمة المالية الآسيوية في عهد الرئيس كلينتون، وصولا إلى قصر نظر إدارة الرئيس بوش في مواجهة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.
وانعكس ذلك في اتباع الصين لسياسة القوة الناعمة، واستخدامها الإقناع بدلا من الإكراه، وتعظيم قدرتها على جذب الآخرين عبر وسائل عديدة، ثقافية ودبلوماسية واقتصادية، فضلا عن المشاركة في المنظمات المتعدية الجنسيات.
وعندما أطلق الكاتب الأمريكي "جوزيف ناي" مفهوم القوة الناعمة، فقد استخدم مفهوما أكثر تحديدا، مستبعدا الدبلوماسية الرسمية والاستثمار، وسائر أشكال التأثير التقليدية مثل القوة العسكرية، إلا أن الصين وجيرانها أوجدوا فكرة أوسع للقوة الناعمة في الإطار الآسيوي يشمل جميع المجالات -باستثناء المسائل الأمنية- بما فيها الاستثمار والمساعدات.
فالقوة الناعمة "العليا" تشتمل مفهوما يخص النخب، بينما المفهوم "الأدنى" أو القوة الناعمة "المنخفضة" تتناول القاعدة الجماهيرية الأوسع، وهو ما عملت بكين على تعزيزه من أجل تعظيم تأثرها بمنطقة جنوب شرق آسيا.
ورغم أن هذه القوة أوجدت إيجابيات كبيرة في العلاقات الصينية الآسيوية وخاصة جيرانها الأقرب، إلا أن القيم والنماذج التي وضعتها الصين لجنوب شرق آسيا أو للدول النامية الأخرى يمكن أن تكون كارثية على الديمقراطية والحكم الرشيد والمجتمعات المدنية الضعيفة، والأكثر من ذلك، تبدو الصين وكأنها تستخدم قوتها الناعمة لكي تدفع اليابان وتايوان وحتى الولايات المتحدة بعيدا عن التأثير الإقليمي.
مارست الصين حتى وقت قريب قوة ناعمة محدودة، حيث كانت تتبع سياسة خارجية دفاعية، ويفتقر الرأي العام إلى الثقة في إمكانية أن ترسم الصين سياستها كقوة عظمى، إذ رأى ثلث المستطلع آرائهم في استطلاع أجرته مجموعة "هورزون" البحثية عام 1995 أن الولايات المتحدة هي أكبر قوة عالمية، بينما رأى 13% أن الصين هي القوة الأكثر نفوذا، لكن هذه النسبة ارتفعت إلى 40% في استطلاع أجرته نفس المجموعة بعد عام، ثم جاء عام 1997 ليكون علامة بارزة لظهور القوة الناعمة الصينية حينما رفضت تقليل قيمة عملتها على خلفية الأزمة المالية في أسواق آسيا.
ومنذ ذلك التاريخ (1997) بدأت الصين تستخدم بعض تطبيقات القوة الناعمة، حيث دشنت ما عرف باسم (إستراتيجية "توزيع المكاسب "win –win strategy") في سياستها الخارجية، وأعلنت أنها ترغب عبر ذلك إلى الاستماع للدول الأخرى بمنطقة جنوب شرقي آسيا، واتخذت مبادرات حقيقية بالتوقيع على اتفاقية "صداقة" مع دول شرق آسيا، كما ألزمت نفسها بالعمل على إيجاد طريقة للتعامل المرن في منطقة بحر الصين الجنوبي.
وبينما رأت واشنطن أن تلك الإستراتيجية لا تحترم السيادة وتتخذ منحى عقابيا تجاه منطقة جنوب شرق آسيا، إلا أنه من الناحية الواقعية لم توقع الولايات المتحدة اتفاقية للصداقة ولم تلغِ العديد من العقوبات على منطقة جنوب شرق آسيا.
وتشمل عناصر الإستراتيجية الصينية بعض المكونات الأخرى أبرزها التركيز على الدول ذات العلاقة المضطربة مع الولايات المتحدة مثل الفلبين وكمبوديا، فقد عززت لصين علاقاتها مع رئيس الوزراء الكمبودي "هون شين" بالتزامن مع تدهور علاقاته مع واشنطن، وتتبع الصين أمرا مشابها خارج آسيا مثل علاقتها بالسودان وفنزويلا وأوزبكستان.
لقد عملت الصين ولا تزال على الدفع بقوتها المرنة في جنوب شرقي آسيا، إذ يفوق الدعم الذي تقدمه بكين إلى الفلبين أربع أضعاف حجم المساعدة الأمريكية لها في 2003، وتفوق نظيرتها الأمريكية في "لاوس" بثلاثة أضعاف في عام 2002، وتساوت المساعدة الصينية مع الأمريكية لدولة إندونيسيا، لكنها تفوقت عليها في تنوعها وتشعب اتجاهاتها.
ويمكن القول إنه منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي كان لبكين مساعدات أفضل تبتعد عن الأهداف السياسية، وتشمل تشجيع الشركات الصينية للاستثمار في الخارج، ودعم الفاعلين السياسيين، وتقليل المخاوف من نمو الاقتصاد الصيني، فقد استخدمت المساعدات الصينية المقدمة إلى تايلاند لجذب السياسيين التايلانديين للدراسة في الصين، كما اشترت الصين منتجات لإرضاء المزارعين التايلانديين الذين أعربوا عن قلقهم من تأثير التجارة مع الصين، وهو ما بدا أنموذجا واضحا في توظيف القوة الناعمة "المنخفضة فقد نجحت الصين في تغيير موقف قادة المنطقة منذ خمس سنوات، فلم يألوا جهدا في إزالة الآثار السلبية للتجارة مع الصين ومنح رجال الأعمال الصينيين والنخب الثقافية وصناع القرار فرصة الدخول للمنطقة إثر تحفظ النخب الأمريكية.
وإذا أسفر النفوذ الصيني عن تقويض الديمقراطية في المنطقة أو حماية البيئة والحكم الرشيد، فيمكنه تدمير المبادرات الأمريكية، ويدعم القادة المعارضين للديمقراطية والذين سعت أمريكا لعزلهم مثل سان شيوي في بورما.
من هنا يجب أن تهتم الولايات المتحدة بأن الصين يمكنها استخدام نفوذها وقوتها المرنة بالمنطقة لدفع دولها إلى اتخاذ خيارات أكثر وضوحا حيال التقارب مع القوى الخارجية، ولكي تحمي مصالحها الأساسية. ومن ثم على الولايات المتحدة أن تتخذ سياسة محددة ومركزة تتفهم كيفية تصاعد القوة الناعمة الصينية، فكما كان لأمريكا خلال الحرب الباردة دبلوماسيا على الأقل في كل سفارة يقوم بدراسة ما كان يفعله السوفييت على الأرض في تلك الدولة، فإنه يجب العودة لذلك مجددا لشرح علاقات الولايات المتحدة الثنائية مع الصين.
المراجع
(1)أحمد منصور، صحيفة الوطن، 13/6/2005
(2) حمد جـواد الحـمد، الصين والعرب :كيف تتحقق شراكة جادة ، www.islamonline.net
(3) شيرين حامد فهمي ، الصين وجنوب آسيا.. واقعية جديدة، ترجمةعن المركز الباكستاني للدراسات الإقليمية ، www.islamonline.net
(4) شيرين حامد فهمي ، العلاقات الصينية الهندية.. تطبيع أم تصادم ، ترجمة عن المركز الباكستاني للدراسات الإقليمية ؛ www.islamonline.net
(5) عاطف الحلوانى ، دبلوماسية الصين الجديدة ، قرأءات استراتيجية ، المجلد الثامن ، العدد الخامس ، مايو2005
(6) لي تشاوشينج، وزير خارجية الصين، مقابلة في جريدة الأهرام المصرية، 22/10/2005
(8) لي وجيان، ، ندوة حوار في مركز دراسات الشرق الأوسط في الأرد ن، 24/10/2005
(9) لى وى جيان ، تحليل ودراسة العلاقات بين الصين ودول الشرق الأوسط ، السياسة الدولية ، يوليو2001،العدد145
(10) فضيلة محجوب ، وعود وحدود الشراكة الأمريكية - الصينية ، قراءات استراتيجية ، www.ahram.org.eg
(11)محمد نعمان جلال، العالم العربي ودواعي التحاور الجاد مع الصين، مجلة الصين اليوم، العدد 4 لعام 2003
(12) محمد عبدالوهاب الساكت ، الموقف العربى من القضايا الصينية ،السياسة الدولية ، ،يوليو2001، العدد145
(13) محمد السيد سليم، نحو بناء منتدى عربي- صيني للتعاون، مجلة الصين اليوم، العدد4 لعام 2003
(14) محمد سعد أبوعامود ، العلاقات الأمريكية الصينية ، السياسة الدولية ، يوليو 2001
المراجع الاجنبية
China Internet Information Center. All Rights Reserved
الانترنيت
www.islamonline.net
www.arabic.peopledaily.com.cn net
www.ahram.org.eg
لي تشاوشينج، وزير خارجية الصين، مقابلة في جريدة الأهرام المصرية، 22/10/2005 (1)
(2) لي وجيان، ، ندوة حوار في مركز دراسات الشرق الأوسط في الأردن، 24/10/2005.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق