الاثنين، 15 سبتمبر 2008

أثر الحادى عشر من سبتمبر على النسق الدولى

اعدا الباحث : محمد عبد الفتاح الحمراوى
اهمية البحث
تكمن اهية البحث فى تناوله للتحديات التى واجهات العالم عقب احداث االحادى عشر من سبتمبر 2001 والتى من شأنها ان تعيد صياغة العلاات الدولية وهيكل النظام الدولى

هدف البحث
يهدف البحث الى محاولة التعرف على خصائص النسق الدولى والنظام الدولى بعد احداث الحادى عشر من سبتمبر وتدعياته على النظام العالمى وطبيعة العلاقات بين القوى الكبرى وكيفية تفاعلها مع الحدث وذلك من خلال تناول تأثر الحدث على كل من العلاقات الامريكية مع غيرها من القوى الكبرى وهل غيلر الحدث من شكل النظام الدولى من كونه احادى القطبيه الى نظام جديد

المشكله البحثية
تكمن فى محاولة التعرف على وضع القوى الكبرى بعد 11سبتمبر وهل غير الحدث من وضع هذة القوى فى تفاعلاتها الدولية وطبيعية العلاقة الامريكية مع الدول الكبرى بعد الحادى عشر من سبتمبر ومدى التعاون بينهم وذلك من خلال محاولة الاجابه على الاسئله البحثية التالية :

· هل غيرت احداث 11سبتمبر من وضع وشكل النسق الدولى
· هل هناك بوادر لظهور قوى قطبية جديده ام سيظل النظام الدولى احادى القبية
· هل غيرت الولايات المتحدة من سياستها الخارجية بعد11سبتمبر تجاه العالم الخارجى

تقسيم البحث
ينقسم البحث الى :
المبحث الاول : تأصيل تاريخى للنظام العالمى
المبحث الثانى: تاثيراحداث 11 من سبتمبر على النظام الدولى
المبحث الثالث : تاثيراحداث 11 من سبتمبر على النظام العالمى
المبحث الرابع : تاثيراحداث 11 من سبتمبر على المجموعة الاوربية
المبحث الخامس تاثيراحداث 11من سبتمبرعلى روسيا
المبحث السادس: تاثيراحداث 11 من سبتمبر على الصين
المبحث السابع: تاثيراحداث 11 من سبتمبر على العالم العربى
المبحث الثامن :: تاثيراحداث 11 من سبتمبر على الشرق الاوسط
الخاتمة





المقدمة

منذ وقوع احداث 11 سبتمبر 2001م ونحن نعيش في عالم غير العالم الذي كان قبل ذلك التاريخ، هذه حقيقة لا يمكن انكارها، كل شيء تغير تقريباً خاصة بالنسبة لنا في العالمين العربي والإسلامي حيث وضعنا موضع اتهام لازال قائماً وسيمضي وقت غير قصير حتى نتخلص من التهم التي الصقت بنا جزافاً من اجل تبرير اهداف استراتيجية لم تكن وليدة لحظتها حسب معرفتنا بطريقة تفكير المجتمعات الغربية التي لا تتخذ قرارات انفعالية كما يحدث في عالمنا الملقب بالثالث بل ان القرارات هناك تكون مدروسة بعناية - احياناً - ويحسب رد الفعل والنتائج المتوقعة حتى لا تترك الامور للمصادفة، وانه في السنوات الخمس الأخيرة شاهدنا تخبطات لا تنتمي الى مدرسة الفكر الاستراتيجي بقدر ما تنتمي الى مدرسة الغاية تبرر الوسيلة الميكافيلية
.
إن الأحداث الدولية الكبرى من قبيل الحربين العالميتين: الأولى والثانية والثورة البلشفية وتأسيس الأمم المتحدة وانهيار الاتحاد السوفييتي واندلاع حرب الخليج الثانية.. كان لها الأثر البالغ في تبديل وتطوير مسار العلاقات الدولية وخلق مناخ دولي جديد تتحكم فيه قوى ومعطيات دولية جديدة..
وبالنظر إلى خطورة أحداث 11 شتنبر وتداعياتها الآنية واللاحقة وإلى الجهة المستهدفة باعتبارها "رائدة" ما يسمى "بالنظام الدولي الجديد", فقد أفرزت مجموعة من المعطيات والنتائج وأسهمت في إعادة النظر في العديد من القضايا وجسدت منطلقا لحقبة متميزة ومنعطفا جديدا في حقل العلاقات الدولية. ويكفي أن نشير هنا إلى اختزال الأولويات الأمريكية و"الدولية" في مكافحة "الإرهاب" ورصد مختلف الإمكانيات من أجل ذلك.
والحقيقة أن هذه الأحداث - ورغم آثارها المدمرة على مختلف الواجهات - مكنت الولايات المتحدة الأمريكية – وتحت ذريعة مكافحة "الإرهاب" وحماية أمنها القومي- من التموقع عسكريا واقتصاديا في مناطق استراتيجية, ومن تدبير مختلف القضايا والأزمات الدولية بشكل منفرد, بالشكل الذي يكرس هيمنتها العسكرية والاقتصادية والديبلوماسية دوليا, ونذكر في هذا السياق: غزو أفغانستان والتخلص من نظام طالبان, احتلال العراق وإسقاط نظام صدام أيضا, تجريم حركات التحرر وبخاصة في كل من فلسطين ولبنان,

فرض إصلاحات "ديموقراطية" في الأقطار العربية.. واستصدار قرارات من مجلس الأمن خدمة لهذه الأهداف. وينبغي الإشارة إلى أن الوضع الدولي الذي تمخض عن انهيار الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الدولية لم يكن جليا ويعبر عن أحادية قطبية نهائية وواضحة, طالما لم تقر معظم دول العالم بهذه الأحادية أو "بالنظام الدولي الجديد" الذي بشر به جورج بوش الأب

, خصوصا وأن معظم القوى الدولية الكبرى والصاعدة لم تعلن أو تفرض قطبيتها بشكل علني ولم تقبل بعد بالقطبية الأمريكية المزعومة من جانب واحد, والتي حاولت أمريكا تأكيدها دوليا تارة بالترهيب وتارة بالترغيب.
فإذا كانت هذه الدولة تملك المقومات الأساسية لتلعب دور المدبر الأول للقضايا والأزمات الدولية ديبلوماسيا, فعلى المستوى العسكري نجد هناك قوى تنافسها كروسيا, أو من المنتظر أن تنافسها في الأمد القصير كاليابان وألمانيا والصين والهند.. وعلى المستوى الاقتصادي هناك اليابان والاتحاد الأوربي الملتف حول ألمانيا الموحدة.أما القول بأن نظام القطبية - الذي أعلنته وفرضته الولايات المتحدة الأمريكية بمنطقها ومن جانب واحد - قد أصبح لاغيا, فهو يحمل بين طياته قدرا كبيرا من المبالغة, بحيث نجد أن الولايات المتحدة - وكما ذكرنا - عززت من احتكارها لتدبير مختلف الشؤون والقضايا الدولية وإعمال تدخلاتها في الشؤون الداخلية للعديد من الدول.ومع ذلك, يمكن القول أيضا أن هذه الأحداث أثبتت نسبية مقولة القوة الأمريكية التي لا تهزم, الأمر الذي يمكن أن يشجع القوى الدولية الكبرى والصاعدة(الصين, روسيا, ألمانيا, اليابان..) على فرض قطبيتها والخروج من حالة الانتظار قريبا (1)
لا نستطيع ان نقول اننا كنا افضل حالاً قبل احداث سبتمبر فمنطقتنا دائماً ما كانت مستهدفة كونها مهد الديانات والحضارات والثروات، ولكن مازاد من ذي قبل اننا اصبحنا مسيرين غير مخيرين في ما يخص شؤوننا وثقافتنا وهويتنا واصبح التدخل لفرض امور تعنينا وحدنا شيئا مستمرا والملاحظات تنهمر علينا من كل جانب من اجل تغيير هذا الأمر أو اصلاح ذاك، وهذا أمر نتقبله إذا كان في اطاره السليم،
فالكمال لله وحده ولا توجد مجتمعات خالية من العيوب أو النواقص فمدينة أفلاطون الفاضلة لا وجود لها الا في مخيلة صاحبها مادام الناس مختلفين لكل منهم مشربهم . منذ نهاية الحرب الباردة ظهر واضحاً فى العلاقات الدولية المعاصرة صراع بين الاتجاه الى عالم متعدد الأقطاب ، والاتجاه الى عالم أحادى القطبية تحاول فيه الولايات المتحدة أن تنفرد بوضعية القوة العظمى.ومن أهم ملامح الاتجاه الأول ، النمو السريع والمستمر لاقتصاد الصين وزيادة مكانتها الدولية ، وقيام الاتحاد الأوربى باستكمال مسيرته الاتحادية وتأكيده على تطبيق سياسات خارجية وأمنية مشتركة ، مما يشكل تحدياً مباشراً للدور الأمريكى.وهناك أيضاً محاولات من جانب روسيا لتأكيد مكانتها الاقليمية
__________________________________________________
(1) إدريس لكريني ،الحوار المتمدن - العدد: 1679 ، 2006 / 9 / 20 ، (www.rezgar.com )
بالاضافة الى جهود اليابان لكى تصبح قوة دولية فاعلة، ومن ناحية أخرى فإن الولايات المتحدة تعتمد على وضعها كقوة عظمى وحيدة فى عالم ما بعد الحرب الباردة ، وتسعى لكى تقيم نظام عالمى جديد تحت سيطرتها ، ولكى تطور الولايات المتحدة وضعها الى قائدة للعالم لابد أن تبحث عن مناطق جديدة لتأكيد وضعها فى أوربا وآسيا من خلال توسيع الناتو شرقاً وتقوية التعاون الأمنى الأمريكى اليابانى.ويجب ملاحظة أن تأثير الولايات المتحدة ووضعها المهيمن يختلف فى كل مجال ومنطقة ، فتأثير الولايات المتحدة فى المجالات الاقتصادية الدولية أكبر بينما تأثيرها أضعف فى المجالات السياسية الدولية -الأمم المتحدة مثلاً- كما أن سيطرتها فى أمريكا وأوربا والشرق الأوسط أقوى بينما سيطرتها أضعف فى آسيا وأفريقيا
إن التقدم والتفاعل الايجابى الى حد ما فى تعدل علاقات القوى الكبرى يظهر بصورة واضحة فى الاقليم الآسيوباسيفيكى ، فمنذ نهاية الحرب الباردة عدلت القوى الكبرى فى الاقليم استراتيجياتها من منظور مصالحها الذاتية ، بهدف تحقيق علاقات قوى فى صالح كل منهما وبهدف تحقيق وضع متميز فى الاقليم.ورغم أن الصراع بين الاتجاه الى تعدد الأقطاب والاتجاه الى أحادية القطب لم ينته بعد وقد يستمر لفترة من الزمن ، فإن بؤرة الصراع سوف تنتقل أكثر فأكثر الى المجالات الاقتصادية ، حيث أصبح الأمن الاقتصادى هو أهم أنواع الأمن وأصبح الاستقرار الاقتصادى هو مقدمة وأساس للاستقرار السياسى(1).
وبالرغم من أن النظام العالمى أثناء الحرب الباردة كان ثنائى القطبية، إلا أنه كان يوجد قطب آخر لا يقل أهمية عن القوتين العسكريتين السياسيتين،ألا وهو حركة عدم الانحياز.وقد عرفت حركة عدم الانحياز منذ إنشائها فى سبتمبر1961، ومنذ أول مؤتمر تطورا سريعا. فمن خمس وعشرين دولة مشاركة فى مؤتمر بلجراد وصل عدد الدول المشاركة إلى أكثر من مائة دولة فى الثمانينيات
.وقد حضرت عدة دول أخرى المؤتمرات كمراقبين أو كضيوف.والسمة الرئيسية لحركة دول عدم الانحياز هى معارضتها لتقسيم العالم الى قوتين عسكريتين - سياسيتين ومقاومتها للضغوط لانضمام أعضائها إلى واحدة من تلك القوتين.وقد لعبت حركة دول عدم الانحياز دورا إيجابيا وفعالا فى الأمم المتحدة وأسهمت فى تخفيف حدة التوتر فى العالم.كما أسهمت فى نجاح مؤتمر الأمن والتعاون فى أوروبا




.لقد تصدت لتقسيم العالم إلى مناطق نفوذ وسيطرة كما أسهمت إسهاما جوهريا فى تعريف القانون والمعايير الدولية علاوة على تطبيقاتها الموجهة إلى جعل العلاقات الدولية علاقات ديمقراطية.وبذلك مالت حركة دول عدم الانحياز إلى التطلع إلى تأسيس نظام عالمى جديد يرتكز على الاحترام والثقة المتبادلة بين الدول. وعلى الرغم من ذلك، كانت توجد نزاعات وحتى صراعات بين بعض بلدان الحركة، وكان يوجد نظام ديكتاتورى فى بعض هذه الدول لكن هذه المشاكل لم يكن لها تأثير خطير على جوهر الحركة ودورها الرئيسى فى العلاقات الدولية. (2)
















(2) انظر فى : السياسة الدولية بعد الحرب الباردة ، قراءات إستراتيجية ، مركز الدرسات السياسية والاستراتيجية


المبحث الاول" النظام العالمي الجديد من منظور تاريخي

يقصد بالنظام الدولي مجموعة الوحدات السياسية -سواء على مستوى الدولة أو ما هو أصغر أو أكبر- التي تتفاعل فيما بينها بصورة منتظمة ومتكررة لتصل إلى مرحلة الاعتماد المتبادل مما يجعل هذه الوحدات تعمل كأجزاء متكاملة في نسق معين.وبالتالي فإن النظام الدولي يمثل حجم التفاعلات التي تقوم بها الدول والمنظمات الدولية والعوامل دون القومية مثل حركات التحرير والعوامل عبر القومية مثل الشركات المتعددة الجنسية وغيرها (1)

تطور النظام الدوليلدراسة مدى تأثير أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 في النظام الدولي يجدر بنا أولاً أن نعطي نبذة موجزة عن مراحل تطور النظام الدولي في محاولة لتحديد خصائص هذه المراحل ورصد أهم التغيرات التي حدثت على هذا النظام لكي يكون تقييمنا موضوعياً ووضع تأثير أحداث 11 سبتمبر/أيلول في إطارها الصحيح، وستتم مناقشة أهم الوحدات الفاعلة في كل مرحلة ورصد أهم الظواهر التي نتجت عن تفاعل هذه الوحدات.

المرحلة الأولى 1648 - 1914تبدأ هذه المرحلة من معاهدة وستفاليا سنة 1648 والتي أنهت الحروب الدينية وأقامت النظام الدولي الحديث المبني على تعدد الدول القومية واستقلالها، كما أخذت بفكرة توازن القوى كوسيلة لتحقيق السلام وأعطت أهمية للبعثات الدبلوماسية، وتنتهي هذه المرحلة بنهاية الحرب العالمية الأولى. كانت الدولة القومية هي العامل الوحيد في السياسة الدولية، ولم تعرف هذه المرحلة المنظمات الدولية ولا المؤسسات غير القومية مثل الشركات العالمية،


وكانت قوة الدولة مرادفة لقوتها العسكرية، وكانت أوروبا تمثل مركز الثقل في هذا النظام. أما الولايات المتحدة الأميركية فكانت على أطراف هذا النظام ولم يكن لها دور فعال نتيجة سياسة العزلة التي اتبعتها وكانت الفكرة القومية هي الظاهرة الأساسية في النظام الدولي فهي أساس قيام الدول وأساس الصراع بين المصالح القومية للدول، ولم تكن الظواهر الأيدولوجية الأخرى قد ظهرت بعد مثل الصراع بين الرأسمالية والاشتراكية وغيرها.



(1)عماد جابر،النظام العالمى ، مجلة السياسة الدولية العدد 148 أبريل 2002

المرحلة الثانية 1914 - 1989تبدأ هذه المرحلة من الحرب العالمية الأولى وحتى نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، وقد تميزت هذه المرحلة بتعدد أطراف النظام الدولي نتيجة استقلال عدد من دول العالم الثالث وظهور مجموعة كبيرة من الوحدات السياسية في المجتمع الدولي ومنها المنظمات الدولية والإقليمية وبروز الشركات العالمية وحركات التحرير، وقد اتجه النظام بعد الحرب العالمة الثانية نحو نظام الثنائية القطبية بين المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي والمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وتوسعت قاعدة النظام الدولي ومراكز القوى خارج أوروبا. وخلال هذه المرحلة ظهرت الأيدولوجية كإحدى أهم الظواهر في المجتمع الدولي وأخذ الانقسام داخل النظام الدولي يأخذ طابع الصراع الأيدولوجي بين المعسكر الشرقي الاشتراكي والمعسكر الغربي الرأسمالي، وتبع ذلك ظهور عدد من الظواهر مثل الحرب الباردة والتعايش السلمي والوفاق الدولي وغيرها.(1)

المرحلة الثالثة 1989 - ...تبدأ هذه المرحلة من نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي وحتى الآن، ويطلق عليها النظام الدولي الجديد وأخيراً العولمة، وتعود بدايات شيوع هذا المفهوم إلى حرب الخليج الثانية (1990) حيث بدأت الدعاية الأميركية بالترويج لهذا المفهوم رغم وجود محاولات سابقة في هذا المجال.لقد اتجه النظام الدولي خلال هذه المرحلة نحو أحادية القطبية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وظهور الولايات المتحدة كقائدة للمعسكر الرأسمالي المنفردة بقيادة العالم وتمدد دورها وهيمنتها على الأمم المتحدة والشرعية الدولية. وقد شهدت هذه المرحلة زيادة عدد الدول نتيجة الانقسامات والانشقاقات التي حدثت في كثير من الدول، وفي الوقت نفسه يشير النظام خلال هذه المرحلة إلى أنماط تفاعلات جديدة تركز على الجوانب الثقافية والحضارية وتوزيع مصادر القوة والنفوذ بصورة جديدة تعطي دورا أكبر للمنظمات غير الحكومية



(2) نظام بركات ، تداعيات أحداث سبتمبر على النظام الدولي ، المعرفه ‘ ((www.aljazeera.net

، مما جعل البعض يطلق عليه اسم النظام العالمي الجديد بدلاً من النظام الدولي الجديد. ارتبطت هذه المرحلة بمجموعة من القيم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية مثل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان واحترام قواعد القانون الدولي وإعلاء الشرعية الدولية وتسوية المنازعات بالطرق السلمية.وشهدت السنوات الأخيرة من عقد التسعينيات شيوع مفهوم العولمة الذي ارتبط بأحداث الثورة الصناعية الثالثة والطفرة الهائلة في وسائل وتكنولوجيا الاتصال. ويشير مفهوم العولمة إلى جملة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تمتد تفاعلاتها لتشمل معظم دول العالم، وهي تعبر عن مرحلة تاريخية جوهرها زيادة التداخل والترابط بين مناطق العالم مما أدى إلى تراجع أهمية الحدود وسيادة الدولة في ظل تعدد الظواهر التي تتخطى هذه الحدود. (1)
النظام العالمى الجديد فى أكثر معانيه عمومية عبارة عن مفهوم تحليلى وصفى يشير إلى مجموعة من المعايير والإجراءات والمؤسسات التى تعطى للمجتمع الدولى نمطاً وهيكلاً فى أى وقت معين.تمت صياغة النظام العالمى الجديد كمصطلح جديد بعد ضم العراق للكويت، وأول من استخدم هذا المصطلح هو الرئيس السابق للولايات المتحدة جورج بوش. ولقد أخذ المصطلح قوة دفع واستخدم باطراد فى إطار المناقشات التى دارت حول عالم ما بعد الحرب الباردة. يمثل المعدل المتسارع للتغير الدولى فى السنوات الأخيرة حداً فاصلاً فيما بين المراحل التاريخية المختلفة، ويتضح هذا فى انهيار الاتحاد السوفيتى ونهاية الحرب الباردة، بالإضافة إلى إعادة توحيد الألمانيتين. وهناك أمثلة أخرى حول التغير الجذرى، وتظهر فى التوجه الأوروبى نحو التكامل السياسى، الاقتصادى والمالى التام، وبروز اليابان كعملاق اقتصادى وتطور شرق آسيا كمحرك للنمو العالمى.وأخيراً، يمثل الانتشار الواسع للقيم الليبرالية - السياسية والاقتصادية - التى تتجاوز حدود الجغرافيا والثقافة (وهو ما يعرف بالعولمة) يمثل أكثر التغيرات الجذرية التى أسهم كل من انتشار المعرفة وتكنولوجيا الاتصالات فى حدوثها. وفيما بين كل هذه التغيرات، انبثق مفهوم نظام عالمى جديد وحصل على قوة دفع.(2)

___________________________________________________________
(1) المرجع السابق
(2) حنوش زكي : مستقبل حقوق الإنسان والشعوب في ظل النظام العالمي الجديد، الفكر العربي العدد 90 خريف 1997، ص231


هذا المفهوم الخاص بالنظام العالمى الجديد فى القرن الـ21 لم يكن بعيداً عن مفهوم التحالف الأوروبى القوى مع أمريكا واستناداً إلى التجربة الناجحة الخاصة بعملية خفض حدة التوتر بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى عندما سهل الاتصال متعدد الأطراف عبر ما كان يعرف بالستار الحديدى، عملية تغيير النظم فى أوروبا الشرقية وأيضاً التكامل الأوروبى، التجربة الأكثر نجاحاً للتعددية. إن الأوربيين مقتنعون بأن هذا النظام يمكن فقط أن يتم بناؤه على شكل تضمينى وعلى تعاليم وقواعد بناءه ومشتركة وخاضعة للقانون الدولى. أن الغرب بوحدته فى المفاهيم الأساسية للأمن والنظام والذى كان ذات مرة هو حجر الأساس للعلاقة الأمريكية – الأوروبي.(1)
وشهدت حقبة ما بعد الحرب الباردة تبلور استراتيجية جديدة للولايات المتحدة ، تتوائم مع دورها العالمى الجديد فى مناطق العالم المختلفة.والهدف الواضح من ذلك هو استمرار الولايات المتحدة منفردة على قمة النظام الدولى والغاء أو تأخير ظهور قوة مناوئة لها ، وكان جوهر الاستراتيجية الجديدة هو قدرة الولايات المتحدة ، وبالتالى قدرة حلفائها عبر الأطلنطى على استخدام القوة العسكرية خارجياً بكفاءة تامة استناداً الى قوة برية قادرة ، وقوة بحرية عائمة ، وقوة جوية توفر الحماية اللازمة لعمل هاتين القوتين ، إضافة الى قيادة استراتيجية قادرة على أدارة العمليات العسكرية فى كل مسارح العالم الاقليمية.,يعاون ذلك كله سلسلة من القواعد العسكرية الأمريكية والحليفة وحاملات الطائرات العائمة ، وقوة الصواريخ الباليستية التى تستند عليها القوة الأمريكية لادارةعملياتها العسكرية الخارجية

وكانت حرب الخليج هى نقطة البداية لبروز الاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة ، وقد تبلورت هذه الاستراتيجية بشكل كامل بعد أحداث 11 سبتمبر وحرب الولايات المتحدة ضد الارهاب فى أفغانستان.وقد أدى التطور التكنولوجى السريع الى تطوير أداء القوة العسكرية الأمريكية بصورة كبيرة ، كما أدى التطور التكنولوجى الأمريكى أيضاً الى انفراد الولايات المتحدة بالتخطيط الاستراتيجى وباتخاذ القرارات السياسية دون استشارة كافية من باقى حلفائها الأوربيين ، وصاحب ذلك ظهور مصالح جديدة للولايات المتحدة فى اتجاهات جديدة من العالم ، وهو ما ترافق مع تغير الأهمية الجيواستراتيجية للعديد من مناطق العالم الاقليمية ، وتبرز أفغانستان مثالاً واضحاً لذلك ، فهى تتوسط كل القوى العسكرية النووية الفعلية والمحتملة فى آسيا 'روسيا ، الصين ، باكستان ، الهند ، وإيران' كما تعتبر الحلقة الأخيرة فى سلسلة حصار الصين ـ القوة العظمى المحتملة المناوئة للولايات المتحدة




(1)عبد النور بن عنتر، ". إلى أين تتجه العلاقات الأوروبية الأمريكية ،www.islamonline.com

اهتمام السياسى والعسكرى لها ولدول الحلف حيث أن أى أحداث غير مواتية فى المنطقة تغير ميزان القوى فى المنطقة ، قد تؤدى الى تغير ميزان القوى لغير صالح الولايات المتحدولاشك أن أحداث أفغانستان الأخيرة تشكل نقطة فاصلة فى التوازنات العالمية والاقليمية ، وتؤكد بقاء الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة فى العالم ، وتثير بعض التساؤلات الهامة مثل علاقة القوة العظمى ـ الولايات المتحدة تحديداً ـ بحدث أو أحداث اقليمية، والأهمية الجيوستراتيجية الجديدة لأفغانستان وآسيا الوسطى عموماً فى الاستراتيجية الأمريكية الجديدة ، ثم تأثيرات ذلك على سياسة اسرائيل فى الشرق الأوسط.وبطبيعة الحال فإن تحرك القوة العظمى نحو أزمة اقليمية لايكون فقط بهدف حل الأزمة ، ولكن لتحقيق مصالح حيوية أخرى لهذه القوة ، وينطبق ذلك على أفغانستان ، كما انطبق على أزمة الخليج ، كما أن العنف الأمريكى الزائد عن الحد فى التعامل مع أفغانستان أعطى الضوء الأخضر لاسرائيل لتمارس نفس السياسة ضد الفلسطينيين.هذا ما أدت اليه السياسة العالمية للولايات المتحدة.ويبقى على العرب التفكير جدياً فيما يجب عليهم القيام به للتوائم مع هذه الظروف والمتغيرات العالمية والاقليمية الجديدة

وتستخدم عبارة نظام عالمى جديد بصورة عامة بدون تعريف واضح، وإن كانت الأفكار تختلف حول المضمون حيث تتجه معظم التعريفات إلى الاشتراك فى مهام صنع السلام بأنماطها المختلفة فى مختلف بقاع العالم المتوترة وتهدف هذه المهام إلى الحفاظ على، أو إعادة القانون والنظام: وذلك بردع ووقف العدوان والاضطهاد، تخفيف معاناة المدنيين وتعزيز حقوق الإنسان والحقوق المدنية، لذلك يمكن للمرء أن يعرف النظام العالمى الجديد باعتباره نظاماً دولياً تتصرف فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها معاً تحت غطاء الأمم المتحدة للحفاظ على السلام أو تحقيقه عن طريق تعزيز القانون والنظام الدوليين ضد المعتدين، خارقى القانون والطغاة وإذا كان النظام العالمى الجديد سيظل قائماً ويتفاعل، فإن على المجتمع الدولى أن يذهب فى بعض الحالات إلى ما وراء الإقناع، الوساطة، التوفيق، إلى الردع واستخدام القوة،حيث سيتم استخدام القوة من أجل إجبار بعض الدول على وقف ارتكاب أفعال معينة وأداء أفعال أخرى. النظام العالمي الجديد اصطلاح في السياسة بدأ استخدامه بشكل واسع نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن العشرين المنصرم، وبالتحديد مع ظروف تفكّك الاتحاد السوفيتي، حيث اقترن بالعولمة ليعبر عن انتقال عمليات السلع ورؤوس الأموال وتقنيات الإنتاج والأشخاص والمعلومات بين المجتمعات البشرية بحرية ودون قيود. لكنه ومن الناحية العملية يعبر عن اتجاه للهيمنة على مقدرات العالم من طرف واحد (أمريكا) أو ما يسمى بالقطب الواحد.(1)



------------------------------------------------------------------------------

) محمدالسيد سعيد، مجلة العربي الكويتية، العدد 494 يناير 2000 ص73.1)


من الواضح أن هناك نظاماً عالمياً جديداً ومؤثراً قد انبثق بصورة أصيلة، خاصة فى ظل العقد الأخير. ويمكن رؤية هذا فى تحول ألمانيا واليابان فيما بعد الحرب العالمية الثانية إلى عملاقين مستقرين ديمقراطيين وصناعيين. أيضاً ما هو واضح من التكامل الاقتصادى والسياسى لأوروبا الغربية. هناك مؤشر ثالث للنظام العالمى الجديد يتمثل فى تفكك أوروبا الشرقية إلى العديد من الدول القومية الجديدة. أما المؤشر الرابع، فيتمثل فى تزايد الدور الجديد للأمم المتحدة كحافظ سلام عسكرى منذ أواخر الثمانينيات وخلال التسعينيات. أما المؤشر الخامس والأكثر أهمية، فيتمثل فى التطور التدريجى للقيود على سباق التسلح وتوقف التنافس الأيديولوجى إن التطورات السابقة فى النظام العالمى ربما تعنى نظاماً عالمياً جديداً تماماً، فقط إذا ما تم استخدام القوة بصورة ملائمة من جانب المجتمع الدولى، ومتى كان ذلك مطلوباً.
شهدت حقبة ما بعد الحرب الباردة تبلور استراتيجية جديدة للولايات المتحدة ، تتوائم مع دورها العالمى الجديد فى مناطق العالم المختلفة.والهدف الواضح من ذلك هو استمرار الولايات المتحدة منفردة على قمة النظام الدولى والغاء أو تأخير ظهور قوة مناوئة لها ، وكان جوهر الاستراتيجية الجديدة هو قدرة الولايات المتحدة ، وبالتالى قدرة حلفائها عبر الأطلنطى على استخدام القوة العسكرية خارجياً بكفاءة تامة استناداً الى قوة برية قادرة ، وقوة بحرية عائمة
، وقوة جوية توفر الحماية اللازمة لعمل هاتين القوتين ، إضافة الى قيادة استراتيجية قادرة على أدارة العمليات العسكرية فى كل مسارح العالم الاقليمية
.,يعاون ذلك كله سلسلة من القواعد العسكرية الأمريكية والحليفة وحاملات الطائرات العائمة ، وقوة الصواريخ الباليستية التى تستند عليها القوة الأمريكية لادارةعملياتها العسكرية الخارجية وكانت حرب الخليج هى نقطة البداية لبروز الاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة ، وقد تبلورت هذه الاستراتيجية بشكل كامل بعد أحداث 11 سبتمبر وحرب الولايات المتحدة ضد الارهاب فى أفغانستان.وقد أدى التطور التكنولوجى السريع الى تطوير أداء القوة العسكرية الأمريكية بصورة كبيرة

،كما أدى التطور التكنولوجى الأمريكى أيضاً الى انفراد الولايات المتحدة بالتخطيط الاستراتيجى وباتخاذ القرارات السياسية دون استشارة كافية من باقى حلفائها الأوربيين (1).





(1)المرجع السابق
المبحث الثانى : تأثير 11سبتمبر في النظام الدولي
الجوانب الفكرية والأيدولوجيةدعمت الولايات المتحدة في العقود الأخيرة من القرن الماضي أقصى نماذج التشدد الإسلامي سواء في بعض الدول العربية أو بتحالفها مع المجاهدين الأفغان ضد الغزو السوفياتي، وكان هذا التحالف المرحلي يدخل في السياسة الأميركية ضمن محاربة الشيوعية على مستوى العالم ومحاربة الأنظمة القومية الثورية في المنطقة العربية، وما أن انتهت هذه المرحلة حتى تحولت الصورة نحو اتهام الإسلام والمسلمين بأنهم بحكم الثقافة والعقيدة يميلون إلى العنف. وقد جاء ظهور تنظيم القاعدة ليثير التساؤل لدى الغرب عن أسباب العنف الديني العابر للقارات، ووجهت التهمة إلى حركات الإسلام السياسي كافة وصار ينظر لها باعتبارها حركات إرهابية، وامتدت النظرة في بعض الأحيان لتشمل البلاد العربية والإسلامية التي اتهمت بأن ثقافتها تحبذ العنف وترفض القيم الغربية عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.لقد أدت الأحداث والتطورات السابقة لأحداث 11 سبتمبر/أيلول في الجانب الفكري إلى انفراد النظام الرأسمالي بقيادة العالم، وبدأ هذا النظام يقدم أيدولوجيته وفكره باعتباره المؤهل لقيادة العالم، وأنه سيسعى إلى تعميم ثقافته وقيمه على الآخرين، وأن حضارته قد انتصرت ويجب الأخذ بها كما روج لذلك فوكوياما في كتابه "نهاية التاريخ".
لكن أحداث 11 سبتمبر/أيلول أعادت الحديث من جديد عن صراع الحضارات كما أشار لذلك صمويل هنتنغتون من قبل، وتقترب محاور هذا الصراع الحضاري من المفهوم نفسه الذي طرحه، حيث صار الحديث عن انقسام العالم إلى عالم الخير الذي تمثله حضارة الغرب وعالم الشر الذي تمثله بعض الدول العربية والإسلامية المارقة وغيرها من الدول المعارضة للتوجهات الرأسمالية الأميركية، وحاولت أميركا بعد أحداث سبتمبر/أيلول صياغة خطاب أخلاقي تملي بواسطته على شعوب العالم تعريفها لمفهوم الشر والخير وتحدد من هي الدول والقوى الصالحة والأخرى الطالحة، واتجه الفكر الأميركي نحو إطلاق أحكام أخلاقية ذات طابع ديني منها على سبيل المثال استخدام جورج بوش الابن مفهوم الحرب الصليبية لكنه تراجع عنه، وذلك في محاولة لتبرير شن الحرب واستخدام القوة العسكرية، والإصرار على تبرير الحرب على أفغانستان وطالبان باعتبارها ضرورة أخلاقية تصل إلى مرحلة القداسة الدينية للرد على العنف والكراهية الذي تمثله القوى الشريرة مثل بن لادن وصدام حسين، وذلك نقيض للفكر الأميركي الذي كان سائداً قبل أحداث 11 سبتمبر/أيلول والذي كان يحاول تبرير الحروب على أساس مبادئ الحرية والديمقراطية والمصالح التي تمثل أساس الحضارة الغربية.


وقد توسعت النظرة الأميركية لأهمية الأيدولوجيا في حربها على الإرهاب، وبدأ التركيز على ضرورة التدخل في الجوانب الثقافية والتعليمية للشعوب الأخرى خاصة العربية والإسلامية لمنع ظهور التيارات الدينية التي تقف موقف النقيض من ثقافة العولمة وتعمل على التصدي لفكر الغرب وحضارته (1)
الجوانب القانونيةثار جدل كبير في تحديد ما إذا كانت أحداث 11 سبتمبر/أيلول تشكل نقطة تحول وانقطاع في النظام الدولي الجديد أم أنها استمرار للوضع السابق، وإن كان هناك شبه إجماع على أن هذه الأحداث تشكل دلالة على عدم وضوح هذا النظام وأنها تكشف محدوديته وقصوره في مواجهة التحديات القادمة.
لقد تميزت الفترة السابقة لأحداث 11 سبتمبر/أيلول بتعدد وتوزع مصادر السلطة على مستوى العالم نتيجة تصاعد قوة الشركات المتعددة الجنسية والمنظمات عبر القومية والمنظمات غير الحكومية التي أصبحت تشكل تحدياً لسيادة الدولة وسلطتها، وطرحت معادلات جديدة للسلطة والشرعية تختلف عن تلك التي تحتكرها الدولة.
وفي الوقت نفسه ظهرت الولايات المتحدة كممثلة لنظام القطبية الأحادية وانفرادها بقيادة العالم والتصرف بصورة فردية دون حاجة للحلفاء بدلاً من القطبية الثنائية السابقة، وتنطحت للقيام بدور المنظم للمجتمع الدولي، وراود الكثيرين في العالم الأمل بانتهاء الحرب والاتجاه بخطوات ثابتة نحو السلام العالمي، لكن أحداث 11 سبتمبر/أيلول كشفت عن ظهور نوعية جديدة من الاستقطاب وحلت ثنائية جديدة تتمثل في مواجهة بين الولايات المتحدة وقوى الإرهاب ودول وصفتها أميركا بالدول المارقة والتي تشكل ملاذاً للإرهاب. (2)
وبالتالي يمكن القول إن النظام الدولي قد عرف فاعلا جديدا كعنصر من عناصر المجتمع الدولي يتمثل في عولمة الإرهاب، فقد خرج الإرهاب من رحم العولمة الأميركية ليمثل نوعاً من العولمة المضادة، وهو فاعل ليس قطرياً ولا إقليمياً ولا يمر عبر مؤسسات الدول وله مقوماته الذاتية واستقلاليته وكثير من الجماهير المتعاطفة معه وأصبحت أميركا تنظر إلى انقسام العالم بين دول الخير وقوى الشر، وبدلاً من تقسيم العالم على أساس أعداء وأصدقاء أصبح تقسيم العالم على أساس الخير والشر وصار الحديث عن مجرمين وإرهابيين بدل أعداء.


(1) مجلة السياسة الدولية العدد 149 يوليو 2002.
(2) المرجع السابق ،ص25

وقد تم التعبير عن هذا التوجه من جانب الأمم المتحدة بإصدار القرار 1368 والذي فوض بموجبه مجلس الأمن الولايات المتحدة لاتخاذ الإجراءات للرد على المعتدين والمسؤولين عن الاعتداء على الولايات المتحدة.
وقد نجحت الولايات المتحدة في تخطي دور الأمم المتحدة وأقامت تحالفاً داعماً لهجومها على أفغانستان وتنظيم القاعدة، وشملت هذه التحالفات معظم دول العالم تحت ضغط القوة الأميركية، وذلك حفاظاً على مصالحها وإن كان هناك عدم تحمس في كثير من الدول -وخاصة على مستوى الرأي العام في الدول العربية والإسلامية- للمشاركة في الأعمال العسكرية.(1)





















------------------------------------------------
(1)هانس بيتر مارتين وهارالد شومان، فخ العولمة، المجلس الوطني للثقافة/الكويت، 1998.

المبحث الثالث : اثر 11سبتمبر على النظام العالمى
في المجال السياسيكشفت أحداث 11 سبتمبر/أيلول عن الهوة الواسعة بين المبادئ التي تنادي بها الولايات المتحدة بشأن النظام الدولي الجديد بما يمثله من سيادة روح الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعاون الدولي لحل المشكلات الدولية بصورة سلمية وبين ممارسات واقعية تقوم على تقييد الحريات وتجاوز حقوق الإنسان وتجاهل حقوق الأقليات من المواطنين والمقيمين، فقد جرى التحقيق مع آلاف الأشخاص أغلبهم من العرب والمسلمين وتزايدت النزعات العنصرية ضدهم.
وتظهر هذه السياسة على المستوى الأميركي عبر عدة ممارسات منها تشكيل محكمة عسكرية لمحاكمة المتهمين بأعمال الإرهاب، وصدور قانون حرية التفتيش والاحتجاز، وفرض رقابة ذاتية على وسائل الإعلام. ولقد كشفت أحداث 11 سبتمبر/أيلول عن هشاشة النظام الأميركي والديمقراطية الأميركية عن طريق اختلال التوازن بين السلطات لصالح السلطة التنفيذية على حساب السلطة التشريعية وقوى المجتمع المدني
، وتحول النظرة الشعبية للرئيس الأميركي باعتباره قيادة حاسمة ومؤتمنة، كما أظهرت تلك الأحداث تراجع دور القضاء نظراً للبنود الواردة في قانون مكافحة الإرهاب، هذا بالإضافة إلى التعاون مع أنظمة عسكرية مثل مشرف في باكستان وتشجيع قيام نظام قبلي في أفغانستان
، وقد قامت أميركا بتنصيب نفسها للقيام بدور المنظم للعالم بالإضافة لدورها في قيادة العالم، وقد أدى هذا الدور لوجود مقاومة ومعارضة في كثير من مناطق العالم، فقد كانت أحداث 11 سبتمبر/أيلول نقطة فاصلة في تحدي نفوذ وهيمنة الولايات المتحدة وتعرضها لهجوم واسع في عقر دارها مما شكل اهتزازاً لمكانة الولايات المتحدة كدولة عظمى، مما أدى إلى زيادة انغماس أميركا في القضايا الدولية ولم يعد بإمكانها الانعزال عن العالم، وصار مطلوباً منها مراقبة التحديات التي تواجه قيادتها للعالم سواء من الداخل أو الخارج. (1)
يعتقد بعض العرب أن الشرق الأوسط هو العنوان المفضل والدائم للولايات المتحدة، ويرى بعضهم أن جحيم الثلاثاء الأميركي عمل يهودي لزج الولايات المتحدة في حرب مع العرب، ويواصل هذا البعض تحليلاته المعروفة وكأن واشنطن في حيرة من أمرها في ما يخص الشرق الأوسط،
----------------------------------------------
(1) المرجع السابق ،ص99

وتحتاج لعملية سرية يهودية مثل حريق القاهرة في منتصف الخمسينيات وليست المسألة مقارنة بين الأجندة الأميركية في الشرق الأوسط أو قلب آسيا بل قراءة في الأجندة الجديدة كما أوحت بها تقارير هارفارد ومعهد واشنطن والخارجية الأميركية، وكتابات بريجنسكي المبكرة التي سنتناولها في هذه المادة والتي تولي أهمية خاصة لآسيا الوسطى والإسلام السياسي هناك.

وهو ما يعني قطعا أن الولايات المتحدة وهي تمضي إلى طريق الحرير وبحر قزوين ستكون بحاجة إلى شرق أوسط غير متفجر، ولكن دون مبادرات كبرى ودون صدامات ساخنة حتى مع قائمة الأعداء الكبار، وستظل تدعو الجميع هنا إلى ضبط النفس، والحوار تلو الحوار بما لا يعكر عليها خيوط اللعبة بين جبال أفغانستان والبر الصيني الذي يتشكل كإمبراطورية بحرية حيث تعتقد الولايات المتحدة أنها سيدة الماء الوحيدة وبهذا المعنى فإن آسيا الوسطى وليست آسيا الغربية هي عنوان ما حدث وما سيحدث وذلك في ضوء التتابع المحايد للإستراتيجيات الكبرى كما رسمها ماكندر وسبيكمان وبريجنسكي.(1)

وبالرغم من أن أحداث سبتمبر/أيلول كانت بداية لتحول مهم في التاريخ الأميركي فإن الإستراتيجيات الأميركية المقبلة لن تكون ابتداعا جديدا ولكنها سترجح خيارات إستراتيجية كانت مطروحة من قبل وتلقى تأييدا من البعض ومعارضة من البعض الآخر ويتوقع أن بعض هذه الخيارات التي كانت تلقى معارضة ستنال حظا أوفر في التأييد وفرصا في التطبيق أكثر مما لو أن أحداث سبتمبر/أيلول لم تقع.

فأحداث سبتمبر/أيلول لم تنشئ واقعا جديدا وإستراتيجية جديدة ولكنها هيأت الفرصة وربما عجلت في تنفيذ إستراتيجيات وخيارات كانت معدة أو مدروسة مسبقا، ويدل على ذلك السلوك الأميركي والتحركات والتحليلات السابقة لهذه الأحداث، ولكن مقولة أن الأحداث أسست لخطاب جديد تمتلك فرصة من الصحة، وسواء أكان هذا الخطاب جديدا أو استئنافا لخطاب قديم كان يلقى مواراة أو معارضة، فإن الفكرة في محصلتها واحدة ولذلك فإن تقدير الإستراتيجيات الأميركية القادمة سيكون ترجيحا لنماذج كانت قائمة بالفعل قبل الأحداث،
----------------------------------------------------
(1)موفق محادين ، السياسات الأميركية بعد 11 أيلول ، المعرفة، ((www.aljazeera.net


وستبنى سيناريوهات ومسارات متوقعة بناء على هذه النماذج، ومن أهم هذه النماذج: ندوة التقييم الإستراتيجي التي عقدها سلاح الجو الأميركي عام 1995، ودراسة صمويل هنتنغتون الشهيرة جدا "صدام الحضارات" ودراسة فرانسيس فوكوياما الشهيرة أيضا "نهاية التاريخ"، ويمكن الاقتباس والاستعارة من حالات وتجارب تاريخية وأخرى مازالت قائمة بالفعل مثل المواجهة الثقافية مع الشيوعية في مرحلة ما بين نهاية الحرب العالمية الثانية ونهاية الثمانينيات، أو المواقف الأميركية من الدول والقضايا القائمة على الساحة العالمية.(1)
فوكوياما وتحقيق عالم منسجميعتقد فرانسيس فوكوياما أن الصراعات الكبرى في العالم قد انتهت بانتصار نهائي وحاسم للديمقراطية الليبرالية الغربية الرأسمالية، وهذا ما يعنيه بمقولة نهاية التاريخ، فالمجتمعات البشرية وفقا لماركس وهيغل تتطور باستمرار وانتظام ولكن تطورها ليس بلا نهاية، ولكنه يكتمل عندما تجد البشرية الشكل الاجتماعي الذي يشبع حاجاتها الأكثر عمقا والأكثر أساسية،

وقد تحققت هذه النهاية التاريخية وصارت الحضارة الأميركية والغربية هي آخر ما يمكن للبشرية الوصول إليه، فقد انهارت الشيوعية وقبلها الفاشية وتتطلع جميع شعوب العالم ودوله لتحقيق النموذج الغربي "الديمقراطية الليبرالية" وصار هذا النموذج التطلع السياسي الوحيد المتماسك الذي يربط مناطق وثقافات مختلفة في جميع أنحاء الكرة الأرضية،
وانتشرت المبادئ الاقتصادية الليبرالية (السوق الحرة) ونجحت في إنتاج مستويات لم يسبق لها مثيل من الازدهار المادي.والتطبيق الثقافي والإستراتيجي لهذه الرؤية أن العالم كله يجب أن يتبع النموذج الأميركي وأن ما عداه هو شر محض وتخلف (معنا أو مع الإرهاب) وأن محاربة هذا النموذج هو محاربة الازدهار والحداثة والديمقراطية، وكانت أحداث
سبتمبر/أيلول حربا على طريقة الحياة المتقدمة والانتخاب والتقدم، ومن ثم فإن الحرب الأميركية في العالم هي دفاع عن قيم التقدم والديمقراطية وملاحقة لأعداء الحضارة والغرب وفق ولفويتزمتمثلاً في أميركا وأوروبا- يبعث برسالة إلى العالم الإسلامي يشير فيها إلى أن الحالة التركية "هي المثال الذي ينبغي على البلدان الإسلامية أن تحذو حذوه"

_____________________________________________________________
(1) المرجع السابق
. والحرب التي تخوضها الولايات المتحدة حالياً يراها نائب وزير الدفاع الأميركي "حرب أفكار" تتمثل في "الصراع بشأن التحديث والعلمنة والتعددية والديمقراطية والتنمية الاقتصادية الحقيقية"، وقال "هناك الملايين من المسلمين الذين يتوقون إلى الحداثة والحرية والازدهار والذين هم أنفسهم في الواقع في طليعة صفوف الصراع ضد الإرهاب"(1)















-------------------------------------------

1ابراهيم غرايبه ، الإستراتيجية الثقافية للولايات المتحدة بعد سبتمبر، www.aljazeera.net

المبحث الرابع : اثر 11سبتمبر على المجموعة الأوروبية

بعد أن تعرضت الولايات المتحدة الأمريكية للهجوم من قبل الإرهابيين فى 11 سبتمبر عام 2001، كان حلفاؤها الأوروبيون من بين أوائل الدول التى أبدت تعاطفها ووعدت بتقديم العون اللازم فى الحرب القادمة. والحقيقة، إن وجود العديد من الدول الأوروبية التى لديها خبرة طويلة فى مكافحة الإرهاب، قد ساهم بشكل كبير فى ضمان حصول الولايات المتحدة على العون اللازم عبر الأطلسى، على الأقل فى البداية.
هذا وتعتبر فرنسا وإيطاليا وألمانيا وأسبانيا والمملكة المتحدة، هى أكثر الدول التى عانت طويلاً من العنف السياسى على مدار 30 عاماً مضت، مما دعاها إلى تقديم العون اللازم للولايات المتحدة فى صراعها ضد القاعدة. ولكن تجدر الإشارة إلى أن نوع الإرهاب الذى واجهته وعانت منه الدول الأوروبية - الإرهاب القديم - يختلف جوهرياً عن ذلك الذى تواجهه الولايات المتحدة. ولكن بمرور الوقت، بدأت هذه الاختلافات تقوض الوحدة التى ازدهرت بشكل كبير بعد 11 سبتمبر. (1)
رؤية التوافق الأوروبي- الأمريكي
تؤكد تلك الرؤية أن العلاقات الأوروبية - الأمريكية تتميز بالتوافق، وأنها تتجه بشكل متزايد نحو مزيد من الاندماج، وأن هذا الاندماج يتأسس على روابط هيكلية ومصالح متداخلة لا يحتمل أن تضعف في المستقبل المنظور. وقد عبر عن تلك الرؤية الدكتور عبد المنعم سعيد في مقالته بعنوان "الأبعاد السبعة للعلاقات الأوروبية - الأمريكية". ويرى سعيد أن تلك العلاقات ترتكز على سبعة أبعاد أساسية هي:
(1) البعد التاريخي، ويقصد به أن الولايات المتحدة قد أنقذت أوروبا ثلاث مرات خلال القرن الماضي وبالتحديد خلال الحربين العالمية الأولى والثانية، والحرب الباردة.
(2) البعد الإستراتيجي، وهو يشير إلى القدرات الإستراتيجية الهائلة للولايات المتحدة في مواجهة أوروبا مما يضطر الأخيرة إلى قبول الزعامة الأمريكية أملا في أن تحظى على بعض المكاسب من ذلك القبول.
(3) العولمة، وقد أنشأت علاقات تجارية ضخمة بين الطرفين، وينكر أصحاب هذه الرؤية وجود أي حروب تجارية بين الأوروبيين والأمريكيين.
(4) البعد المتعلق بشأن المصالح القومية بين الطرفين في الشرق الأوسط، وهو ما ينعكس في توافق المناهج الأوروبية والأمريكية تجاه الشرق الأوسط، فكلاهما ينطلق من حماية أمن إسرائيل، ومن ضمان استمرار تدفق النفط على الغرب، وعلى إزالة أسلحة الدمار الشامل من المنطقة.
-----------------------------------------------------
(1) إبراهيم نافع، انفجار سبتمبر بين العولمة والأمركة، مؤسسة الأهرام/القاهرة 2002

(5) البعد المتعلق بالتوافق الإستراتيجي الأوروبي- الأمريكي. ولا يعنى هذا التوافق عدم وجود اختلافات حول تنفيذ الأهداف الإستراتيجية، فهذه الاختلافات موجودة كما هو الحال في اتباع الولايات المتحدة سياسة "الاحتواء المزدوج" Dual Containment تجاه إيران،
مع اتباع أوروبا سياسة "التفاعل الانتقادي"Critical Engagement معها، ولكن السياستين تحققان نفس الهدف تجاه إيران. كما يرى صاحب تلك الرؤية أن المشروع الشرق أوسطي الذي تقوده الولايات المتحدة ومشروع المشاركة الأوروبية - المتوسطية الذي يقوده الاتحاد الأوروبـــي، يكـملان بعضـهما البعـض.

(6) البعد المؤسسي ويقصد به وجود شبكة من الروابط المؤسسية بين أوروبا والولايات المتحدة، كحلف الأطلنطي، ومجموعة الدول- الثماني. وقد استطاع الطرفان من خلال تلك الروابط تطوير توافق إستراتيجي.

(7) التوافق بين النظم السياسة والقانونية والأوروبية والأمريكية، ما يعنى أن كليهما قد أنشأ نظماً ديمقراطية على أسس من ثقافة ما بعد الحداثة. وينتهي عبد المنعم سعيد إلى أن العرب يجب أن يستوعبوا هذه "الأشكال" من التكامل الأوروبي الأمريكي ويتخلوا عن أي أوهام باللعب على التناقض بين الطرفين (1)
رؤية "توازن المصالح" الأوروبية الأمريكيةطبقاً لتلك الرؤية، فإن العلاقات الأوروبية الأمريكية أكثر تعقيداً أو تعدداً من المفاهيم الأحادية المبسطة التي تطرحها الرؤيتان السالفتان. فهذه العلاقات تنطوى على عناصر للتعاون وأخرى للتنافس في آن واحد. فالعلاقات الأوروبية الأمريكية تنهض على أسس صلبة من المشاركة التاريخية، والقيم الليبرالية المشتركة والمصالح المشتركة التي قد تتصادم أحياناً، وأخيرا إلى وفاق حول القواعد العامة للمباراة العالمية في كل حقبة تاريخية بما في ذلك تحديد الأعداء الأساسيين. وفى الوقت ذاته تختلف أوروبا مع الولايات المتحدة حول القضايا الأخرى مثل قضية توسع حلف الأطلنطي، والاحتباس الحراري العالمي، والقوة الأوروبية للتدخل السريع، ونظام الدفاع الصاروخي، والقضايا الإقليمية كالقضية البلقانية وقضايا الشرق الأوسط والمشكلة الكورية الشمالية.





(1)عبد المنعم سعيد، "الأبعاد السبعة للعلاقات الأوروبية الأمريكية"، الأهرام الاقتصادي، 4 ديسمبر سنة 2000

رؤية اوربا

وتلك الرؤية في العالم العربي أنه لا يمكن النظر إلى أوروبا كوحدة واحدة في مواجهة الولايات المتحدة، فأوروبا منقسمة على ذاتها حول الإستراتيجية الواجب اتباعها تجاه الحليف الأمريكي. فبينما تؤيد بريطانيا، وأسبانيا، وإيطاليا، والأعضاء الجدد والمحتملون في حلف الأطلنطي في شرقي أوروبا "مبدأ بوش" الذي أعلنه الرئيس الأمريكي جورج بوش في سبتمبر سنة 2002، فإن دولاً أوروبية أخرى، مثل فرنسا وألمانيا لا تؤيد هذا المبدأ. وبينما تؤكد المجموعة الأولى على مركزية العلاقات الأورو - أطلنطية وأهمية استمرار المظلة الإستراتيجية الأمريكية لأوروبا، وتعترض على إنشاء قوة عسكرة أوروبية مستقلة، فإن المجموعة الثانية تسعى لبناء أوروبا كوحدة مستقلة عن الهيمنة الإستراتيجية الأمريكية. فالتنافس الحقيقي- كما يرى أصحاب تلك الرؤية- ليس بين الولايات المتحدة وأوروبا، ولكنه بين فرنسا والولايات المتحدة. لقد فهمت فرنسا "مبدأ بوش" الذي يرمى إلى منع نشوء منافس أوروبي، على أنه يشمل طموحاتها العالمية (1)

والعلاقات الأوروبية - الأمريكية ليست علاقات نمطية ولا أحادية. فهذه العلاقات تختلف من قضية لأخرى. فعلى مستوى القضايا، فإن العلاقات الأوروبية - الأمريكية تتكامل فيما يتعلق بقضايا معينة، وتتصادم بالنسبة لقضايا أخرى. كذلك، فهذه العلاقات تختلف اعتماداً على المستوى السياسي - الإستراتيجي، والاقتصادي، والثقافي الذي نتعامل معه. فبينما تتوافق المفاهيم الأوروبية والأمريكية فيما يتعلق بالمسائل السياسية - الأمنية، والثقافية، فإن هناك قدراً كبيراً من الشقاق بين الطرفين حول المسائل الاقتصادية.
فعلى المستوى السياسي - الأمني
هناك توافق أوروبي- أمريكي حول منع ظهور أي قوة غير غربية يمكن أن تتحدى الهيمنة الغربية في النظام العالمي، أو ظهور أي منافس محتمل من عالم الجنوب. ورغم ذلك، تختلف أوروبا مع الولايات المتحدة حول الإستراتيجيات الواجب اتباعها لتحقيق هذا الهدف، فبينما يرى الأوروبيون ضرورة اتباع إستراتيجية الاحتواء غير المباشر للقوى المنافسة المحتملة، وهى إستراتيجية يطلق عليها أحياناً إستراتيجية "القوة اللينة"، يؤمن الأمريكيون بإستراتيجية المواجهة العسكرية، أو ما يسمى أحياناً إستراتيجية "القوة الصلبة". وتتجسد تلك الأهداف والإستراتيجيات في المناهج الأوروبية والأمريكية تجاه الصين وروسيا والقوى المتمردة في يوجوسلافيا، وإيران وكوريا الشمالية، وأخيرا العراق قبل الغزو الأنجلو - أمريكي. كما تنعكس أيضاً في المساعي الأمريكية الأوروبية المحمومة لمنع أي قوة غيرغربية من امتلاك أسلحة دمار شامل، بدون أن تشمل تلك المساعي إسرائيل، الحليف الموثوق به للغرب.


(1) محمد المجدوب، "توجهات الاتحاد الأوروبي نحو القضية الفلسطينية وعملية السلام" مجلة دراسات شرق أوسطية، 8 (25م، خريف سنة 2003، ص 56 - 57. (10)
وهناك توافق كبير بين الأوروبيين والأمريكيين. فهم يضطلعون بأدوار تكمل بعضها في سياق سعيهم لإعادة تشكيل البنية السياسية للشرق الأوسط. فمن ناحية أولى تركز الاستراتيجية الأوروبية والأمريكية على إقرار وتعزيز الخلل الاستراتيجي القائم في الشرق الأوسط لصالح إسرائيل، ورفض أي مشروع من شأنه تعديل هذا الخلل تأسيساً على أنها تسعى لبناء "الاستقرار" في المنطقة وإحداث تعديلات تدريجية على هذا الوضع وفى المدى الطويل. فبعد ثلاثين عاماً، مازالت عملية السلام التي بدأها الأمريكيون سنة 1973 تراوح مكانها بدون نتيجة حاسمة. كما أن مشروع الميثاق الذي صاغه الاتحاد الأوروبي للتعامل مع القضايا الأمنية في البحر المتوسط المسمى "ميثاق السلام والاستقرار في البحر المتوسط" يخلو من أي إشارة إلى السعي لتغيير الوضع الإقليمي الراهن. أكثر من ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي يتفق مع الولايات المتحدة على أنه لا يمكن السماح لأي دولة في الشرق الأوسط، عدا إسرائيل، بامتلاك أسلحة الدمار الشامل بما فيها الأسلحة النووية وأدوات نقلها والتي تحتكرها إسرائيل وغم ذلك، فهناك مجالات للشقاق بين أوروبا والولايات المتحدة.(1)


وبصفة عامة تفضل أوروبا القارية أن تتوحد كقوة مستقلة في النظام العالمي، مدفوعة بغياب التهديد السوفيتي. كذلك، فإن أوروبا القارية تفضل اتباع استراتيجية متعددة الأطراف لتحقيق الأمن العالمي بالمقارنة بالاستراتيجية الأحادية التي تتبعها الولايات المتحدة، كذلك يختلف الأوروبيون والأمريكيون حول عدد من القضايا مثل نظام الدفاع الصاروخي، والقوة الأوروبية للتدخل السريع، والإرهاب، فالولايات المتحدة ترى أن الإرهاب بمثابة التهديد الأمني الرئيس، وأن هذا التهديد لا يمكن التعامل معه إلا من خلال الأدوات العسكرية. وبالعكس يرى الأوروبيون أن الإرهاب هو واحد من عدة تهديدات أخرى كالفقر، والصراعات الإقليمية، وانتشار الأوبئة، وتغير المناخ العالمي كما يقول سولانا، مفوض الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والدفاعية المشتركة . (2)



------------------------------------------------------
1) Mohammed Selim, "Towards a New WMD Agenda in the Euro- Mediterranean Partnership:
An Arab Respective", Mediterranean Polities , (London), 5 (1), Spring 2000, pp. 133-157

(2) Zhongping Feng, "An Contemporary International Relations, (Beijing), 13 (5), May 2003, PP. 42 – 56

ان المعارضة الفرنسية للخطط الأمريكية لغزو العراق ربما تكون بداية بزوغ مشروع أوروبي مضاد للمشروع العالمي الأمريكي، وحركة أوروبية نحو التحول من مرحلة رد الفعل إلى مرحلة الفعل، خاصة أن المعارضة الفرنسية مدعومة من القوة الاقتصادية الأولى في أوروبا وهى ألمانيا، ولكن الشوبكى خلص من تحليله إلى نتيجة تخالف تلك التي توصل إلها الرواف، فقد أكد أن المعارضة الفرنسية تخدم مصالح العرب والأوروبيين في آن واحد .(3)

وعلى الرغم من الثقل الدولى الذى تتمتع به أوروبا، إلا ان الفجوة بين شقيها الشرقى والغربى شديدة الوضوح. وهنا ، يكمن السبب وراء تصارع كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا حولها. فقد كانت أوروبا الغربية مهدا للرأسمالية ، وفيها تركزت الدول الغنية ذات الاقتصاد المتقدم والثروة الكبيرة والتكنولوجيا المتقدمة.فمن بين اثنتين وعشرين دولة من دول أوروبا الغربية ، فإن متوسط نصيب الفرد من الناتج الإجمالى تجاوز أربعين ألف دولار أمريكى فى العام، مقابل عشرة آلاف فى الدول الفقيرة وذلك طبقا لأحدث قياس للناتج المحلى الإجمالى لتلك الدول.(1)
فالاتحاد الأوروبى هو قلب أوروبا، وقد بلغت قيمة الناتج الإجمالى فى دوله الخمس عشرة فى عام 1999 حوالى 8.500 مليار دولار أمريكى وهو ما يعادل 31% من الناتج الإجمالى العالمى. وذلك بخلاف الولايات المتحدة الأمريكية واليابان واللتان تعدان القوتان الاقتصاديتان الأولى والثانية على مستوى العالم.وفى مجال التجارة الدولية بلغ نصيب دول الاتحاد الأوروبى منها 20%، فى الوقت الذى وصلت فيه نسبة الولايات المتحدة واليابان الى 15 و 10% على التوالى . كما تبلغ الاحتياطات الأجنبية فى دول الاتحاد - دون النظر الى عملات تلك الـــدول - الى 32% من إجمالى الاحتياطات الأجنبية العالمية، فضلا عن ان المساعدات الخارجية التى تقدمها دول الاتحاد بلغت 53% من المساعدات التى تقدمها كافة دول العالم .
كل هذه الإحصاءات تعرض للأهمية الاقتصادية للاتحاد الأوروبى. وفيما يتعلق بالمنظمات الدولية ، نجد ان الاتحاد الأوروبى يحظى بمكانة كبيرة وله يد فاعلة. ففى مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى والتى تعد بمثابة مجلس الأمن الاقتصادى، نجد أن الاتحاد الأوروبى يحظى بأربعة مقاعد وهى لبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا


-------------------------------------------------

(1) محمد السيد سليم ، السياسات الا وروبية والامريكية ، كراسات استراتيجية ، المجلد الرابع عشر ،العدد45، نوفمبر2004، (www.ahram.org.eg)

. وفى منظمة التنمية والتعاون الاقتصادى والتى يطلق عليها (نادى الأغنياء)، يشغل الاتحاد الأوروبى خمسة عشر مقعدا من مقاعده الخمسة والعشرين. وفى حلف الناتو الذى يبلغ أعضاؤه تسعة عشر عضواً، تحتل أوروبا خمسة عشر مقعدا منهم ثلاثة عشر من دول أوروبا الغربية. وفيما يتعلق بالأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن الذين يتمتعون بحق الفيتو، نجد ان لفرنسا وبريطانيا مقعدين من مقاعده الخمسة، كما تبذل ألمانيا جهودا حثيثة لدخول مجلس الأمن. وعلى مستوى الاتحاد الأوروبى، تبحث حاليا طلبات اثنتى عشرة دولة من وسط وشرق وجنوب أوروبا للانضمام للاتحاد حتى تركيا وهى دولة آسيوية
.وإذا حدث ذلك وتوسع الحلف ليصل الى ثلاثين أو خمس وعشرين دولة، ستجد الولايات المتحدة الأمريكية نفسها مضطرة للنظر الى الاتحاد بعيون جديدة خاصة فيما يتعلق بالثقل والنفوذ. التفاوت الاقتصادى بين أوروبا الشرقية والغربية هو تفاوت واضح. وللعجز والقمع الفطريين، نجد ان التنمية الاقتصادية لدول وسط وشرق وجنوب أوروبا بالإضافة الى روسيا تتراجع إلى الوراء بوضوح . وخلال العقد المنصرم، لم يتعاف الاقتصاد فى تلك الدول فحسب بل على العكس أخذت الفجوة بينها وبين دول أوروبا الغربية فى الاتساع. وكنتيجة لذلك، أصبح التمويل القومى فى تلك الدول أمرا بالغ الصعوبة، كما تدنى المستوى المعيشى للمواطنين وتحول الإقليم إلى منطقة يضربها الفقر فى أوروبا. (1)


بدت المشروع إيطاليا وأسبانيا، وشاركت فيه إحدى الدول الأوروبية، بريطانيا. فقد أيدت أسبانيا وبلغاريا بحرارة الموقف الأمريكي في مناقشات مجلس الأمن حول العراق قبل الغزو. كذلك، أمدت بعض الدول الأوروبية، مثل بولندا، والمجر، وبلغاريا، الولايات المتحدة ببعض التسهيلات العسكرية على أراضيها لتسهيل المهمة الأمريكية. ولكن بدا أن فرنسا وألمانيا كانتا تقودان مجموعة من الدول التي تعارض بشدة مشروع الغزو، كما أنهما عملتا بهمة داخل المجلس لعرقلة صدور قرار من المجلس يخول للولايات المتحدة وبريطانيا غزو العراق.ونحن نرى أنه لم يكن هناك خلاف حقيقي بين فرنسا وألمانيا من ناحية والولايات المتحدة وبريطانيا من ناحية أخرى حول قضية الغزو، وأن المعارضة الشكلية الألمانية - الفرنسية قد خدمت خطط الغزو وبشكل يفوق ما فعلته الدول الأوروبية الأخرى التي أيدت الغزو علناً






(1) مجلة وجهات نظر، العدد 39، أبريل 2002
واستطاعت فرنسا وألمانيا أن تضطلعا بدور في حث الرئيس العراقي صدام حسين على قبول التفتيش غير المشروط لكل المواقع العسكرية والمدنية، الرسمية وغير الرسمية العراقية، وذلك من خلال وعده بمنع الغزو إذا استجاب بدون شروط لمطالب مفتشي الأمم المتحدة. فقد تبين بعد الغزو أن فرنسا وعدت صدام حسين باستعمال حق النقض لمنع صدور قرار يخول الولايات المتحدة غزو العراق. وهكذا، سادت قناعة لدى القيادة العراقية بأن أوروبا ستقف معها إذا استجابت بالكامل لشروط المفتشين ونفذت قرار مجلس الأمن رقم 1441. وقد أكد طارق عزيز، نائب رئيس الوزراء العراقي حتى 9 أبريل سنة 2003، للأمريكيين بعد أن اعتقلوه بعد انتهاء الغزو أن صدام حسين كان مقتنعاً حتى اللحظة الأخيرة بأن الغزو لن يحدث نتيجة التأكيدات الفرنسية - الألمانية (1).

ومن ثم سمح العراقيون للمفتشين باستباحة العراق، والتقاط كل الصور، بما في ذلك القصور الرئاسية ومنازل العلماء العراقيين، كما سمحوا لطائرات الاستطلاع الأمريكية والفرنسية بالتحليق فوق العراق لمسح الأراضي العراقية. وقد تم إرسال الصور الملتقطة إلى الذين يحضرون للغزو،
مع بدء المراحل الأخيرة للإعداد للغزو، طرأت ثلاثة تطورات أكدت نظرية وجود تفاهم غير معلن بين ألمانيا وفرنسا من ناحية والولايات المتحدة وبريطانيا من ناحية أخرى.أولاً:
حينما أزالت القوات الأمريكية شبكة الأسلاك التي تحدد خط الحدود العراقية - الكويتية لم تعترض فرنسا أو ألمانيا على ذلك، ونعلم أن هذه الشبكة تم وضعها بموجب قرارات لمجلس الأمن صدر سنة 1993. فإذا كانت فرنسا وألمانيا جادتين في منع الغزو، كان من الواجب عليهما أن يذهبا إلى مجلس الأمن متهمتين الولايات المتحدة بانتهاك قرار مجلس الأمن بإقامة خط الحدود. ومن المؤكد أنه إذا كانت القوات العراقية هي التي أزالت شبكة الأسلاك، فإن ما نقوله هو بالضبط ما كانت ستفعله فرنسا وألمانيا، أي يتهما العراق بخرق قرار مجلس الأمن. ولكن فرنسا وألمانيا تجاهلتا المسألة بالكامل.ثانياً:
حينما قرر كوفى أنان، الأمين العام للأمم المتحدة، سحب المفتشين من العراق قبل بدء الغزو بيومين، لم تعترض فرنسا وألمانيا على ذلك. فقد تم إرسال المفتشين بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1441، مما يعنى أنه يمكن سحبهم فقط بقرار آخر للمجلس. وفى اليوم الذي أعلن فيه كوفى أنان قراره، أعلن المندوب الألماني لدى الأمم المتحدة أن أنان قد أبلغ أعضاء مجلس الأمن بقراره، وأننا "أخذنا علماً بذلك"(2).



(1) فؤاد نهرا، "دول الاتحاد الأوروبي والحرب الأمريكية على العراق، شئون الأوسط، صيف سنة 2003،
(2) تصريحات" كوفى عنان" منشورة في الأهرام، 4 نوفمبر سنة 2003 ص 129.
ثالثاً:
حينما بدأ الغزو يوم 20 مارس لم تطلب فرنسا أو ألمانيا عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لمناقشة قيام بعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بغزو دولة عضو في المنظمة دون تخويل قانوني وبالمخالفة لميثاق الأمم المتحدة، تأسيساً على أن الغزو هو عمل يهدد السلم والأمن الدوليين. بل ولم تطلبا عقد دورة طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة في ظل قرار "الاتحاد من أجل السلام" لإصدار قرار يدين الغزو. ببساطة نظرت فرنسا وألمانيا إلى الاتجاه الآخر. صحيح أن فيشر، وزير خارجية ألمانيا، قال يوم بدء الغزو "إن يوم بدء الحرب هو يوم حزين للعالم"، كما أن جان بيير رافارن، رئيس وزراء فرنسا، قال في 3 أبريل سنة 2003 إن "الولايات المتحدة ارتكبت خطأ استراتيجياً وأخلاقياً" (1)

ورغم أن ألمانيا عارضت مشروع الغزو، إلا أنها أيدت الغزو. وفى 8 أبريل سنة 2003 وخلال زيارته لإسرائيل، وقبل احتلال بغداد بيوم واحد، زار فيشر، وزير خارجية ألمانيا، إسرائيل واعتذر علنا للولايات المتحدة عن "المشاجرة" حول الحرب ضد العراق

. وأضاف فيشر أن العلاقات بين ضفتى الأطلنطي حيوية للأمريكيين والأوروبيين على حد سواء وبعد انتهاء الغزو، التقى المستشار شرودر مع رئيس الوزراء بلير في هانوفر، حيث أعلن المستشار "ليس سراً أنه كانت هناك خلافات في الرؤى حول ضرورة الحرب
. إلا أننا نتفق الآن على أنه في هذه المرحلة الجديدة حان وقت السير قدماً والعمل سوياً".تميزت المناقشات في مجلس الأمن بعد اكتمال الغزو بدرجة واضحة من التوافق الأوروبي - الأمريكي بخلاف مظاهر الخلاف التي ميزت تلك المناقشات قبل الغزو. فقد أيدت فرنسا وألمانيا مشروع القرار رقم (1483) الصادر عن مجلس الأمن والذي يعترف بالقوات الأنجلو - أمريكية في العراق "كقوات احتلال" بل إن دومينيك دى فلبان، وزير خارجية فرنسا، أضاف فيما بعد أنه "لا يتمنى هزيمة الولايات المتحدة في العراق"


. وتكرر التوافق حول كل القرارات التالية حتى صدر القرار رقم (1456) الخاص بالمرحلة الانتقالية في العراق، والذي قنن الاحتلال الأمريكي - البريطاني. (2)





---------------------------------------------------
(1) الأهرام ، 21 مارس سنة 2003
(2) لأهرام ، 14 ديسمبر سنة 2003.

كانت الحجة الرئيسية لتبرير الغزو الأمريكي - البريطاني هي أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، وأن هناك علاقة بين العراق ومنظمة القاعدة. وبعد اكتمال الغزو، لم يجد الغزاة أي أسلحة دمار شامل، ولم يستطيعوا إثبات أن الحكومة العراقية كانت تتعاون مع القاعدة. ورغم ذلك لم تثر ألمانيا ولا فرنسا هذه القضية في مجلس الأمن أو خارجه خاصة أن الولايات المتحدة رفضت السماح بعودة المفتشين إلى العراق لاستكمال مهمتهم وهو الأمر الذي كان الأمريكيون يلومون الحكومة العراقية عليه قبل الغزو. ولم يثر تلك القضية إلا روسيا، التي طالبت بعودة المفتشين إلى العراق، وأن مجلس الأمن عليه أن يصدر شهادة نهائية حول قضية أسلحة الدمار الشامل في العراق. وتجاهل الألمان والفرنسيون الطلب الروسي.

إن تأمل ذلك كله يوضح أن الدور الأوروبي في عملية الغزو الأنجلو - أمريكي للعراق قد لعب الوظائف الثلاث التي قام بها في الصراع العربي الإسرائيلي. فبالظهور بمظهر المعارض للغزو، لعب الاتحاد الأوروبي دور "امتصاص الصدمات"، حيث بدا أن الغرب ليس موحداً ضد العرب في قضية الغزو. كذلك، فقد "سهل" الاتحاد الأوروبي الغزو

حيث لعبت المعارضة الأوروبية دوراً في حث العراق على قبول التفتيش غير المشروط لكل مواقعه مما جعل الولايات المتحدة على يقين بما ستتوقعه وتأكدت من أن العراق لن يستخدم أي أسلحة دمار شامل ضدها لأن هذه الأسلحة غير موجودة. وأخيراً، فإنه بمجرد أن بدأ الغزو بارك كل الأوروبيين، بما فيهم فرنسا وألمانيا، الغزو علنا وتمنوا التوفيق للغزاة.



















المبحث الخامس : اثر 11سبتمبر على الموقف الروسي

أعادت أحداث 11 سبتمبر التنبيه إلى أهمية آسيا الوسطى وموقعها الإستراتيجي باعتبارها تشكل قلب العالم، وقدمت روسيا تنازلات سياسية وأمنية في هذه المنطقة التي كانت من المحرمات في السياسة الروسية، وقدمت روسيا نفسها كشريك للغرب في محاربته للإرهاب بدلاً من كونها مهددا لهذا الغرب، وأدى تأييد معظم الدول الكبرى في شمال العالم للعمليات العسكرية الأميركية إلى الحديث عن تعاون نصف الكرة الشمالي ضد المخاطر القادمة من النصف الجنوبي ووقع الرئيسان الأمريكى والروسى يوم الرابع والعشرين من مايو عام 2002، فى موسكو أحدث اتفاقية ثنائية مكونة من أربعة بنود من أجل الحد من انتشار الأسلحة النووية. البيان بعيد المدى المكون من أثنى عشر صفحة فى سبيل الإعداد لإقامة علاقات استراتيجية مستقبلية كلاهما شكل ظاهرة غير مسبوقة، حيث مهد الرئيس الروسى بوتين للتحول فى العلاقات بين روسيا والغرب عندما وقف فى الرابع والعشرين من سبتمبر بدون تحفظ إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية فى حربها المعلنة ضد الإرهاب العالمى. كما صرح معلقو كلا الطرفين أنه بذلك قد ظهر ما يسمى بـ تغيير العصور فى العلاقات بين روسيا والغرب، وفى النظام السياسى الجغرافى الجديد الجدير بالاهتمام منذ الحرب العالمية الثاني .(1)

روسيا تحقق الاستقرار الداخلى، تتقارب مع أوروبا الغربية وتقاوم الولايات المتحدةبعد تفكك الاتحاد السوفيتى لم تظهر الولايات المتحدة أية إشارة على التباطؤ بعد ان تخلصت بضربة واحدة من غريمتها . وعلى العكس ، فقد شددت من قمعها واحتوائها لروسيا التى أصبحت ضعيفة بشكل خطير ، ولم يتسبب ذلك إلا فى إثارة شكوك الروس حول نية الولايات المتحدة فى استئصال - مرة وللأبد - الخصم المحتمل وهو روسيا . فما الذى يمكن ان تفعله روسيا إذن لكى تتوافق مع ذلك الموقف؟ داخل روسيا
توجد ثلاثة آراء مختلفة:الرأى الأول: يمثله الأحرار، الذين يؤيدون ان تقاوم روسيا بوعى عقلية القوة الكبرى، التوقف عن استعراض القوة الكبرى ، التوقف عن منافسة الولايات المتحدة الأمريكية، تنفيذ خطة أوروبا الكبرى، الدخول فى تكامل حر مع أوروبا من خلال منظور أوروبا الكبرى وذلك لأن روسيا حليف طبيعى وشريك استراتيجى لأوروبا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، تركيز الانتباه على الشئون الداخلية والأخذ فى الاعتبار التنمية الداخلية، تحسين معيشة المواطنين. واختصارا ، فإن ذلك الرأى - المصبوغ بالمثالية والذى يتناقض مع حقيقة الوضع السياسى الدولى- لابد وان يتمخض عن عدم إقامة روسيا لعلاقات عسكرية مع الدول الخارجية

-----------------------------------------------------
(1) نهى منصور، روسيا والغرب بعد 11سبتمبر، قرآت استراتيجية ، المجلد السادس، اكتوبر 200،مقتبس من: (www.ahram.org.eg


.الرأى الثانى: يمثله المتشددون، ويتمثل فى طريق محكم الى مفهوم أمن الدولة لروسيا. ففى الوقت الذىتعترف فيه روسيا ان قوتها القومية تدهورت بشكل كبير وان قدرتها العسكرية ضعفت على نطاق واسع، إلا أن ذلك المفهوم لايزال يؤكد على: أن روسيا لديها قدرات اقتصادية وعلمية وتكنولوجية وعسكرية هائلة، وأن ساعة الصفر توضع فى مكانة استراتيجية متميزة على رأس أولويات القارة الأوروبية الآسيوية، وكذلك على ان روسيا لا يزال يمكنها ان تلعب دورا كقوة عالمية، ويؤكد فى النهاية على ان مصلحة روسيا القومية هى تعزيز مكانة روسيا كأحد مراكز التأثير فى عالم متعدد الأقطاب
. ولهذا الغرض، يجب ان تحتفظ روسيا بقواعد عسكرية فى المناطق التى تتمتع بأهمية استراتيجية فى العالم. هذا الرأى يمكن تفهمه، لكن من الصعب على قوة روسيا القومية تحمله.
الرأى الثالث: يمثله البرجماتيون برئاسة فلاديمير بوتن، وهذا الرأى يعترف صراحة بأن إجمالى الناتج المحلى الحالى لروسيا يقدر بعشر مثيله الأمريكى، روسيا أصبحت منهكة بعد عشر سنوات من الاضطرابات، روسيا على وشك الانهيار اقتصاديا وسياسيا ونفسيا وعقليا،
من المستحيل على روسيا ان تنجز إصلاحات بشكل سلس إذا ما طبقت بلا تمييز نماذج وأنماطاً خارجية، لابد ان تبحث روسيا عن طريقها الخاص. ويوضح هذا الرأى أن روسيا تمر حاليا بأصعب فترة تاريخية خلال العديد من القرون الماضية، تواجه روسيا حاليا للمرة الأولى منذ ثلاثة قرون ان تكون دولة من الدرجة الثانية أو حتى الثالثة . ولكى تفلت روسيا من هذا الموقف قدم بوتن ما أسماه بالأفكار الروسية وعرف بلغة واضحة أن الأفكار الروسية تشتمل على الوطنية (وهو ما يعنى الإحساس بالفخر بوطن الإنسان وبتاريخه وإنجازاته ، وكذلك التطلع لتحويل بلده الى ان تكون أكثر جمالا وخيرا . (1)

مما لا شك فيه أن معايير العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية بعد الحادى عشر من سبتمبر قد تغيرت وخاصة على الجانب الأمريكى. بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية منذ الهجمات على نيويورك وواشنطن وصلت الحرب ضد الإرهاب العالمى إلى أقصر درجات التحدى. وهنا تؤدى روسيا دوراً جوهرياً، وهو الذى افتقدته منذ زمن طويل من وجهة نظر الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أحدث هذا تغيراً فى الرؤى بعيدة المدى.



--------------------------------------------------

(1) المرجع السابق

فى ظل إدارة كلينتون انتشرت سياسة غياب - روسيا فى أعقاب البداية المبشرة لسياسة روسيا - أولاً فى بداية التسعينيات. بالإضافة إلى أنه فى ظل هذه الإدارة بدا الإحباط فى أنه ليس من خلال دعم الديمقراطية ولا باتباع نظام سياسة السوق الحرة يمكن للإعانة المالية المبالغ فيها أن تكفل تصدير القيم الأمريكية وتصورات الأنظمة إلى روسيا بالإضافة إلى ذلك الاستياء من طموحات السياسة الروسية متعددة الأقطاب حيث باعد ذلك بين كلتا الدولتين.
فى هذا الجانب تحيرت روسيا فى أمرها، لم تنزعج السياسة الأمريكية من طموحات السياسة الروسية، بل هبطت روسيا فى ترتيب الأولويات لواشنطن إلى مستواها الاقتصادى الذى يعادل اقتصاد بلجيكا ذات المستوى السياسى المتواضع وهو ما لا يتناسب مع قدرة روسيا النووية.باختصار: بعيداً عن هذا أيمكن للولايات المتحدة أن تتوقف عن انتهاج سياسة خاطئة تجاه روسيا ولا يكون لديها سياسة خاطئة تجاها على الإطلاق.فى عهد إدارة بوش ظهر هذا التكهن ليصبح حقيقة، فقد زاد الإحباط من توابع التحول فى المجال الأمنى، وحيث ظهرت روسيا فى ظل الظواهر الديمقراطية واقتصاد السوق قضية خاسرة، كشريك يمكن الاعتماد عليه فى السياسة الخارجية. بالنسبة لروسيا اختلف الأمر عن الحرب ضد الإرهاب والتى أعلنتها الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً حيث تمت مواجهة الإرهاب فى روسيا منذ بضع سنوات فى صورة الحرب ضد المقاتلين الشياشنيين وفى صورة مئات الضحايا للعمليات العسكرية.
وبالتالى لم يختلف الأمر كثيراً بالنسبة للحادى عشر من سبتمبر بالنسبة لروسيا، على العكس بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية . حقاً إنه بذلك ظهر حليف قوى فى الأفق غير متوقع تماماً، ولكن هذا لا يمكن أن يفسر لما طرحت جانباً ظاهرة التحفظ بين روسيا وأمريكا من كلا الجانبين بنفس المستوى.إنه لأمر مثير للدهشة،أن التغير الروسى السريع فى بعدها المادى والرمزى وصل لأبعاد بعيدة وبلاريب لم يكن دون مخاطرة. (1)







(1)نهى منصور، روسيا والغرب بعد 11سبتمبر ، قرآت استراتيجية




لقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتقسيم أوروبا من الناحية السياسية الى ثلاثة تصنيفات وهى كالآتى:
الخصوم والدول التى يمكن التغلب عليها والحلفاء. ومن الطبيعى، أن تعد روسيا العدو الأول للولايات المتحدة الأمريكية فى أوروبا ، حيث تعتبرها العائق الأكبر أمام محاولاتها للسيطرة على الشئون الأوروبية لفترة طويلة من الزمن. وتعتقد الولايات المتحدة أنه إذا استطاعت دولة أوروبية - يوما ما - إظهار التحدى للهيمنة الأمريكية فستكون هذه الدولة روسيا بما تمتلكه من قدرات مادية وبشرية.اعتقد زعماء الاتحاد السوفيتى السابقون بشكل ساذج أن الولايات المتحدة لن تعمل على قمع واحتواء روسيا إذا توقفوا عن الإصرار على النظام الاشتراكى وقبول النظام السياسى والمفهوم القيمى للغرب. وعلى الرغم من ذلك وخارج كافة التوقعات، لم تعمل الولايات المتحدة فقط على قمع واحتواء الاتحاد السوفيتى السابق، بل ولم تترك أيضا خليفتها روسيا.
ومن الإجراءات التى اتخذتها الولايات المتحدة للتعامل مع روسيا مايلى:-1 - خلقت الولايات المتحدة رأيا عاما بأن روسيا - كالاتحاد السوفيتى - تمثل تهديدا لأوروبا الشرقية وحولت الأمر من فوبيا الاتحاد السوفيتى الى فوبيا روسيا، كحجة لتوسع حلف الناتو جهة الشرق.2 - عملت الولايات المتحدة على جس نبض روسيا وذلك من خلال توجيه ضربات موجعة لحليفتها التقليدية صربيا فى مارس من عام 1999 .3 - حثت الولايات المتحدة حلف الناتو بشدة على تقبل الاستراتيجية الجديدة خلال قمة واشنطن فى أبريل من عام 1999،
والتى ترتكز على أساسين:أولهما :- زيادة القدرة على انتزاع حزام الفراغ العسكرى الذى ظهر فى دول شرق ووسط أوروبا ودول البلقان فى أعقاب تفكك الاتحاد السوفيتى، وذلك عن طريق توسع حلف الناتو شرقا.
ثانيهما :- سحب الغطاء الدفاعى من حلف الناتو تماما وتحويله لمجرد أداة فى يد الولايات المتحدة لاستعراض هيمنتها وتدخلها السافر فى الشئون الداخلية لدول تقع خارج المنطقة الدفاعية للناتو.4 - إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على تمزيق معاهدة الصواريخ الباليستية التى وقعتها مع روسيا عام 1972، على الرغم من المعارضة المتكررة لروسيا لذلك الإجراء. تقوم الولايات المتحدة علنا بإجراء التجارب والبحث وتطوير تكنولوجيا الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية ونشر أسلحتها عندما يحين الوقت، وذلك من أجل هدف مستقبلى وهو إضعاف قدرة روسيا عسكريا.5 - أدلت الولايات المتحدة بتعليقات غير مسئولة حول الإجراءات القمعية التى قامت بها روسيا فى الشيشان، وهو ما يعد تدخلا سافرا فى شئونها الداخلية ، كما استقبلت - علنا - فى واشنطن قادة الحرب الشيشان.وعلى الرغم من أن أوروبا الغربية تعد أهم حلفاء الولايات المتحدة ، إلا أن الأخيرة تنظر إليها باحتقار كما تعمل دائما على تقسيمها. وفى أعقاب الحرب الباردة، تبنت أوروبا الغربية نظرية مفادها أنه باختفاء التهديد العسكرى للاتحاد السوفيتى وبتدهور دور الناتو، فإن ذلك يعد الوقت المناسب للحد من الوجود العسكرى الأمريكى فى أوروبا الغربية. (1)

تركت احداث 11 سبتمبر دون شك تاثيرات على الوضع الداخلي الروسي. فالمعروف ان تلك الاحداث الهمت القوى التي تتخذ من الارهاب وسيلة لتحقيق اهدافها السياسية، وممارسة قتل الابرياء لترويع الدول وشعوبها. وهكذا فان روسيا شهدت بعد الحادي من سبتمبر ابشع الاعمال الارهابية، حيث فجرت نساء ورجال انفسهم في عربات مترو الانفاق والاسواق
العامة والملاعب الرياضية ودمرت البيوت وقتل ساسة ليحصدوا ارواح المئات من الابرياء. وكان ابشع تلك العمليات السيطرة على مدرسة الاطفال في 1 سبتمبر 2004 في بلدة بيسلان في القوقاز التي راح ضحيتها 333 شخصا اغلبهم من الاطفال والنساء
. واطلق على الحادث " 11 سبتمبر روسي".والمعروف ان روسيا اجرت العديد من التعديلات على قوانينها الجنائية والادارية ونظامها السياسي في ضوء تنامي الاعمال الارهابية بعد 11 سبتمبر في نيويورك.ان هاجس وقوع الاعمال الارهاب ورغم تصفية زعماء الحركة الانفصالية مازال قائما في روسيا، لاسيما في ضوء انتشار الاعمال المسلحة في جمهوريات شمال القوقاز.وتحدث الاستخبارات الروسية مرارا عن القاءها القبض على ارهابيين كانوا يخططون لتكرار سيناريو العمليةالارهابية في 11 سبتمبر في الاجواء الروسية
وعلى الصعيد الرمزى للسياسة الخارجية تخلت روسيا عن طموحاتها والتى كانت كل همها الاعتراض على الهيمنة الأمريكية العالمية. حيث يبدأ التوجه فى روسيا نحو ما يسمى بـ الدور الناشئ بدلاً من سياسة متعددة الأقطاب والأكثر من ذلك أن بانضمام روسيا للتحالف العالمى أضفى على الحرب الأمريكية ضد الإرهاب مظهر مشاركة الجنرال المتحضر المتطوع روسيا وفى الوقت نفسه ربط روسيا بالقضية الأمريكية الوعرة سواء كانت تريد مكافحة الإرهاب فى الفلبين، فى جورجيا أو حتى فى محور الشر والذى شمل كلاً من العراق - إيران وكوريا الشمالية طبقاً لبرنامجها الرسمى.

----------------------------------------------------
(1) على خفاجى ، النزاع وصراع المصالح بين الولايات المتحدة . روسيا. اوروبا الغربية ، قرآءات استراتيجية ،المجلد الرابع ، مارس 2001. (www.ahram.org.eg)
وهكذا يمكن للجانب الروسى أن يعقداً آماله فى الحصول على امتيازات من الغرب، بدءاً من الإسراع بالانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، مروراً بالتوسع فى منظمة حلف شمال الأطلنطى حتى إلغاء برامج دفاع الصواريخ الأمريكية أو على الأقل إسقاط الديون السوفيتية القديمة غير أنه تحقق جزء من الطموحات
. ان الإدارة الروسية استطاعت أخيراً أن تحقق شيئاً من طموحاتها، من خلال التحالف أصبح لها تأثير على القيادة العسكرية الأمريكية.(1)
وقد أثير جدل على صعيد السياسة الخارجية منذ وقت طويل خاصة حول استخدام مصطلحات جديدة ضد أمريكا منها تعدد الأقطاب، وتحديد المصالح القومية. وفى بادئ الأمر كذلك استغل هذا الجدل كأداة فى الصراع على السلطة فى الداخل، ففى النصف الأول للتسعينيات كان وزير الخارجية أو الرئيس نفسه موضعاً للهجوم. ومع تولى وزير الخارجية بريمكوف عام 1996 تمسك بالمبدأ أعلن المبدأ الرسمى لسياسة الدولة باعتباره ممثل الموافقة على السياسة الخارجية السلبية
مما سمح بسياسة تعددية قطبية تعد تعويضاً فى الداخل، وذات طابع شديد اللهجة فى الخارج، وهى سياسة ملحوظة ومتباينة تجاه الغرب. ومع التمرد ضد ما قام به تشارلز كراوسامر بحركة إمبريالية عام 1991 مع القطب الواحد ذاك الوقت وهى الولايات المتحدة الأمريكية بالطبع. (2)

لم يكن الانضمام إلى تحالف القوى العظمى دليلاً على إعادة إحياء المجد والعظمة والأهمية لروسيا بل كان يمثل إغراء لا يمكن تجاهله. بسياسة متعددة الأقطاب يمكن للقيادة الروسية أن تعقد آمالها فى المشاركة الفعلية، هذه السياسة فتحت للقيادة الروسية مجالاً للانضمام إلى التحالف العالمى ضد الإرهاب

. إلا أنه من اليسير تصور أن فى عهد يلتسن وفى ظل الصراعات السياسية والاقتصادية لا يمكن الوصول إلى هذا القرار الانضمام إلى التحالف العالمى، فيما يبدو أن هناك أشياء قد تغيرت داخل روسيا منذ تولى الرئيس الجديد بوتين إذ أن بوتين أكثر قدرة من يلتسن على مواجهة القوى الرجعية فى موسكو باعتباره مؤيداً للقيم الغربية.


(1) فالح الحمراني ، الحادي عشر من سبتمبر وانعكاساته على روسيا الاتحادية ، ( www.rezgar.com)
(2) نهى منصور، روسيا والغرب بعد 11سبتمبر ، قرآت استراتيجية، مرجع سبق ذكره ، (www.ahram.org.eg)


وبذلك تكونت منظمة استراتيجية والتى ينبغى بالضرورة أن تناقش التهديدات المستجدة لذلك يحتل كلا الموضوعين الإرهاب العالمى وانتشار أسلحة الدمار الشامل مركز الصدارة بالنسبة للأجندة الأمريكية الحالية. بينما فيما عدا ذلك من الإصلاح العسكرى، الحماية المدنية والحماية ضد الكوارث والدفاع ضد الصواريخ التكتيكية يتم تحويلها من قائمة الموضوعات المؤجلة لمجلس منظمة حلف شمال الأطلنطى القديم إلى مجلس منظمة حلف شمال الأطلنطى الجديد.
لم تدع منظمة حلف شمال الأطلنطى أى مجال للشك فى أن المجلس الجديد المشترك لم يحل محل مجلس منظمة حلف شمال الأطلنطى القديم، إذ أنه لم يعترف لروسيا بحق الفيتو على المصالح العليا للحلف إذا كانت قمة روما تستحق الأهمية التاريخية - حيث تم الثناء عليها من كل الجهات الرسمية - هو ما سوف يتضح من الجهود الرسمية وخاصة أن الفروق بين مجلس منظمة حلف شمال الأطلنطى القديم ومجلس منظمة حلف شمال الأطلنطى - روسيا الجديد ضئيلة ، ولقد زاد التوجه نحو عملية التحول حيث قطعت منظمة حلف شمال الأطلنطى شوطاً كبيراً فى عملية تحولها من حلف الدفاع السابق إلى منظمة أمن متعددة الأطراف.(1)

وبذلك انعكس الانفتاح على روسيا على التوسع فى مجال نشاط الحلف الجغرافى من المنطقة الأوروبية - الأطلسية طبقاً لخطة الحلف الاستراتيجية الرسمية إلى أى مكان فى العالم حيث يمكن أن تمس المصالح الأمنية الحيوية لأعضائها، وهو الذى تم الإشارة إليه من خلال الوضع فى الحلف وهو التهميش المتزايد للحلف وهكذا تم الإسراع بالتحول وجدير بالذكر أنه لم يمض عامان حتى تشكلت من خلال منظمة حلف شمال الأطلنطى منظمة غربية والتى اعتبرت كنواة لتنظيم أوروبى مشترك


، والذى تبقى من ذلك هو مؤسسة لخدمة الأمن والدفاع ومنها تحاول أمريكا طبقاً لرأى الأعضاء الأوروبيين أن تتعامل بطريقة ليست جادة مع روسيا إذا دعت الضرورة لذلك، أى تتعامل بما تقتضيه الـمهمة وليس كما يقتضيه الحلف. هذا يلقى الضوء على ضرورة الاستعداد للتعاون على صعيد سياسة الأمن وهو ما ارتبط إلى حد كبير بأولوية المصالح القومية منذ الحادى عشر من سبتمبر، والذى يعتبر شروطاً أساسية للانضمام للتحالف متعدد الأطراف.


--------------------------------------------
(1) نظام بركات وآخرون، مبادئ علم السياسة، مكتبة العبيكان/الرياض، 1999(



إلى أى مدى نجحت سياسة الوفاق الجديدة؟
مضت عشر سنوات دون جدوى، حتى بدأ يظهر للغرب ولروسيا شئ مشترك حيث لم يسبق لهم أن قصدوا اتجاها مشتركاً بل فى الغالب يقصدون اتجاهات متباينة ليصلوا لأساس سياسة خارجية مشتركة. وهذا لا يتفق مع مبدأ السلام الديمقراطى، هذا المبدأ لم يؤد إلى وضع خطة للأنشطة المشتركة بل أدى إلى حالة من الترقب بين كلا الجانبين. فعلى الجانب الغربى بدأ فى الإحباط بسبب نتائج عملية التغير الثابتة بينما على الجانب الروسى بدأ الإحباط من نتائج عملية التغير الواضحة. وقد أدى الأساس السياسى المشترك إلى ظهور توجه الغرب نحو روسيا على صعيد السياسة الخارجية. هذا التوجه أزاح أجندة دعم الديمقراطية، بالنسبة لروسيا فعلى العكس فالاهتمام منصب على السياسة الداخلية والتحديث، هذا التوجه أدى إلى أن تقبل روسيا دوراً متواضعاً فى الحلف الغربى وهو ما يعد بتعويض رمزى على صعيد السياسة الخارجية. (1)
إلا أن هذا الأساس المشترك يعبر عن وسيلة لتعميق العلاقات الثنائية بين الطرفين حيث ينبغى أن يكون هذا درساً من النشوة الزائفة السريعة لأول تغير عصرى فى بداية السنوات العشر الماضية. هذا الأساس المشترك قضى على الاختلاف وفقدان الهدف بين كلا الطرفين، وهو ما يمنح هذه العلاقة مظهر هداماً كان يؤدى إلى هدم العلاقات بين الطرفين ويمكن تحقيق هذا الأساس المشترك على الدوام وذلك عندما يكفل نجاحاً ملحوظاً بين الطرفين على أساس التكافؤ فى السلطة والتطور السياسى. وجدير بالذكر أن هذا التكافؤ مفقود الآن وهنا يكون التوازن بالنسبة لروسيا ما بعد الحادى عشر من سبتمبر غير واضح.











________________________________________________________
2004: panger s: International Politik und Gesellschaft (1)Hans- Joachim


المبحث السادس :اثر 11سبتمبر على الموقف الصينى

فى اول يوليو الحالى, وقع الرئيس الصينى هو جين تاو والرئيس الروسى بوتين على بيان مشترك حول نظام عالمى جديد فى القرن الحادى والعشرين, وهذه هى المرة الثانية التى اكدت فيها الصين وروسيا على موقفهما المشترك حول كيفية اقامة النظام العالمى الجديد بعد ان اصدرتا البيان المشترك حول تعدد اقطاب العالم واقامة النظام العالمى الجديد فى عام 1997, وذلك يبين المسؤولية التى تتحملها كل من الصين وروسيا تجاه العدالة الدولية والامن والاستقرار والتنمية والازدهار, بصفتهما دولتين كبريين فى العالم وعضوين فى مجلس الامن الدولى.
إن تطور المجتمع البشرى عملية تشهد اندماجا وتقدما متواصلين. مع التقدم الحضارى والتقدم العلمى والفنى, شهدت الدول والولايات والمناطق التى كانت قد انتشرت, ارتباطا وثيقا متواصلا, لتشكل" قرية كبرى " معترف بها رسميا, وان السعى المشترك وراء تحقيق الامن والتنمية لهذه " القرية الكبرى" اصبح واجبا مشتركا على جميع اهالى القرية. بعد تأسيس الامم المتحدة فى القرن السابق, تجنب المجتمع الدولى اندلاع حرب عالمية جديدة. ولكن العالم مر بتغيرات جديدة لا تعد ولا تحصى منذ 60 سنة, اذ يحتاج بعض الانظمة السياسية والاقتصادية والامنية التى تمت اقامتها سابقا الى اصلاحها مع تقدم الزمن. وخاصة, ان التشكيلة العالمية التى تشكلت منذ تسعينيات القرن السابق خلقت شروطا تستغلها بعض الدول فى ترويج " الانفراد", ان الارهاب من شتى انواعه والتطرف وانتشار اسلحة الدمار الشامل والجرائم الدولية تشكل تحديا ازاء هيئات الامن العالمية. ترغب الدول النامية بالحاح فى تطلعها الى التنمية عن طريق اصلاح النظام العالمى الحالى غير العادل, وان كيفية اقامة النظام العالمى الجديد فى القرن الحادى والعشرين اصبح موضوعا ساخنا يتناوله الناس فى العالم.
طرحت الصين وروسيا كيفية تبنى السياسة الدولية وذلك على اساس الثقة المتبادلة والمنفعات المتبادلة والتنسيق واحترام الحضارة من شتى انواعها والسعى الى النظرة الجديدة الى الامن والنظرة الى التنمية التين تتمثلان فى التنمية المشتركة وتحقيق الفائدة من العلاقات الثنائية والعلاقات المتعددة. يهدف الموقف المبدئى والتصورات الاساسية للنظام الاقتصادى والامنى الجديد الى استغلال مناسبة احياء الذكرى الستين لتأسيس الامم المتحدة فى دفع اصلاح الامم المتحدة مع جميع الدول فى العالم باسره مما يجعل هذا الاصلاح اكثر تمثيليا واكثر فعالية لحماية السلام العالمى ودفع تطور جميع الدول. ان التجربة المتعمقة لتطوير العلاقات الثنائية الصيينية الروسية بصورة غير طبيعية الى طبيعية, ومن حسن الجوار والصداقة الى الثقة الاستراتيجية المتبادلة اطلعت العالم على ان العلاقات الثنائية او المتعددة, الاقليمية او الدولية ستتقدم الى الجهة التى تفيد التنمية مادم يتم التخلى عن اليديولوجية القديمة للحرب الباردة ذات المقاومة, وقبول المفهوم الجديد المختص بالتنسيق والتعاون.ان مفهوم اقامة العلاقات الدولية باعتبار القوة الفعلية اساسا والقوة العسكرية وسيلة اصبح متاخرا, وان عصر العناية والضمان لمصالح الدول والكتلات القليلة على حساب امن الدول الاخرى يفوته الوقت, وان السعى الى القيام بالنضال من اجل تحقيق الهيمنة عالميا واقليميا يجب التوقف عنه. يطالب العصر الجديد بتفكير جديد ومبدأ جديد ونظام جديد. تعد الصين وروسيا باقوالها وافعالها صورة دولتين كبريين تتحملان عن مسؤوليتهما. يجب على دول العالم وخاصة الدول الكبرى، ان تصغى الى خطوات العصر وصوت العالم, وتبذل جهودها فى ان تقيم بالجرأة والعزم نظاما عالميا جديدا اكثر عدالة وديمقراطية وفعالية .(1)


حيث تشكل العلاقات الأمريكية الصينية نموذجاً يجمع بين الصراع والتعاون الحذر ، حيث تتوافر لكلا البلدين عناصر القوة والارادة السياسية للقيام بدور عالمى ، فالولايات المتحدة بوصفها القوة العظمى الوحيدة فى العالم ، تريد الاحتفاظ بهذا الموقع المتميز لأطول مدى زمنى ممكن ، والصين بثقلها الديموغرافى والاقتصادى والسياسى والعسكرى المتزايد ، تسعى للوصول الى مرتبة القوة العظمى القادرة على التأثير فى حركة التفاعلات العالمية فى القرن الحادى والعشرين.واذا كانت العلاقات الأمريكية الصينية تتراوح بين الصراع والتعاون ، فإن الفترة الأخيرة للرئيس كلينتون اقتربت من الاتجاه الواقعى فى التعامل مع الصين ، حيث أقرت إدارة كلينتون بوجود قدر من التوافق فى المصالح مع وجود مساحة من الخلاف لايمكن تجاهلها

أما بالنسبة للصين فهى تطمح للوصول الى مرتبة القوة العظمى اقليمياً وعالمياً ، وفى ذات الوقت تقر بوجود قوة عظمى أخرى هامة هى الولايات المتحدة ، لها مصالح حيوية فى جميع أنحاء العالم ، يتعين على الصين احترامها ، ولكن بنفس القدر الذى تحترم به الولايات المتحدة المصالح الصينية اقليمياً وعالمياً ، ولاتغيب عن الرؤية الصينية إمكانية حدوث خلافات مع الولايات المتحدة أو درجة من درجات التناقض فى المصالح ، ولكنها ترى أن مثل هذه الأمور يمكن التعامل معها بالأساليب الدبلوماسية وبعيداً عن أساليب الصراع والمواجهةومع مجىء الادارة الجمهورية الجديدة الى البيت الأبيض بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية





(1) صحيفة الشعب اليومية اونلاين ، طبعة دولية، 4 يوليو ،2005




شهدت العلاقات الأمريكية الصينية العديد من التطورات التى تشير الى اتباع الجمهوريين للنهج الصراعى فى إدارة العلاقات مع الصين من خلال استراتيجية تعتمد على إضعاف الصين وردعها فى آن واحدإلا أن هناك حدوداً يفرضها الواقع الدولى المعاصر بمتغيراته العديدة على هذا الطابع الصراعى.ولاشك أن كل طرف من أطراف هذه العلاقة يحاول توجيهها بما يحقق له أقصى استفادة ممكنة فى ظل عناصر قوته المتاحة وقدرته على تعبئتها وتوظيفها(1)

والصين هى إحدى القوى العظمى الصاعدة، وهى ذات علاقات بالولايات المتحدة ، لكنها علاقات مركبة ومعقدة وتتميز بقضاياها المستمرة غير المنتهية، فمصالحهم الإستراتيجية غالباً ما تتعارض ومفاهيمهم الأمنية غالباً ما تتناقض. وومن المتوقع ان تمر العلاقات الصينية - الأمريكية بفترات أكثر صعوبة.
وبالرغم من ذلك، ففى فترة الحرب الباردة تلاقت أهداف الطرفين ذلك أن كليهما كان يسعى للحد من النفوذ السوفيتى فى آسيا، وبعد نهاية الحرب الباردة ولدت ساحات عدة للمواجهة بين الطرفين أهمها على الإطلاق التجارة وحقوق الإنسان وتايوان وانتشار الأسلحة. الأمر الذى يغرى بالقول أن تعاونهما رفاهية وليس ضرورة ولسوء الحظ دخلت على علاقة الصين بالولايات المتحدة مجموعة من الأحداث أدت الى زيادة تعقيدها. ولقد بلغت تلك الأحداث ذروة سوئها عندما قام جيش التحرير الصينى بالحجر على نشاطات الشعب وحقوقه الديمقراطية فى عام 1989 فى الميدان السماوى تيان آن فخرجت العلاقات المتوترة من الأساس بين البلدين
والعلاقات الأمنية بين بكين وواشنطن أضحت مع الوقت متوترة بصورة متزايدة بسبب تلك الأحداث غير المحسوبة الى جوار الخلاف فى الرؤى الإستراتيجية بين البلدين. فعلى سبيل المثال رأت بكين فى تمدد الناتو شرقاً، وفى عمليات الناتو العسكرية الأخيرة فى كوسوفو واحتمال وجود الصواريخ الدفاعية الأمريكية فى شرق آسيا، وتقوية التحالف الأمنى الأمريكى اليابانى، ومبيعات الأسلحة الأمريكية لتايوان تهديداً مباشراً لأمنها ومبرراً قوياً للشك فى استراتيجيات الاحتواء الأمريكية ضد الصين وعلى الصعيد الآخر



(1) محمد سعد أبوعامود ، العلاقات الأمريكية الصينية ، السياسة الدولية ، يوليو 2001، العدد145 www.siyassa.org.eg



فإن واشنطن ترى فى العلاقات الصينية الروسية فى المجال الأمنى، والأسلحة التقليدية المتقدمة الروسية التى تتسرب الى الصين وإستراتيجيات تحديث القوة التقليدية والنووية والمفاهيم الأمنية الصينية الجديدة ومقاومة الصين للهيمنة الأمريكية على الباسيفيكى، وأسلحتها الموجهة الى تايوان، ونشاطها فى نشر الأسلحة لدول جنوب آسيا والشرق الأوسط مبررات لتوتر العلاقات مع بكين، ومبررات للقلق من تهديدها للرؤية الأمنية الأمريكة للمنطقة فى المدى البعيد.(1)

بالرغم من أن السعى الصينى لحماية مصالح الصين قد يضعها فى مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة إلا أن هناك رسائل واضحة بين الطرفين بضرورة احترام كل طرف لمصالح الآخر. فالحوار الإستراتيجى بين الطرفين حتى بدون تفاهم كفيل بتجنب الحسابات الخاطئة والمغامرات غير المحسوبة لكل منهما. والعلاقات الدبلوماسية القائمة لا معنى لها دون الاتصال المباشر مع مصالح الولايات المتحدة
، وعلى الصين أن تدرك ماهو السلوك غير المقبول، وان تدرك أيضا أن الولايات المتحدة ستكون على استعداد لاتخاذ اجراءات عنيفة تحت مسمى الأمن القومى
. لذا فإن على الصين أن تكون على علم كامل بمصالح الولايات المتحدة والى أى مدى ستكون الولايات المتحدة مستعدة للدفاع عن مصالحها لأن عواقب عدم فهم ذلك قد تكون خطيرة مستقبلاً الدبلوماسية والردع والتفوق العسكرى هى قلب سياسة الصين تجاه الولايات المتحدة،
كذلك فإن التحالف الأمنى الأمريكى مع اليابان هو قلب السياسة الأمنية الأمريكية فى آسيا. وهو الضامن لاستمرار الولايات المتحدة للوفاء بالتزاماتها تجاه حلفائها فى المنطقة

والصراع هو السمة المميزة للعلاقات الأمريكية - الصينية فى الأعوام الأولى من الحرب الباردة ، وقد انحصرت المواجهة بين الطرفين فى ثلاثة موضوعات رئيسية : حقوق الانسان ، وقف سباق التسلح، تايوان.وكانت ذروة المواجهة فى ربيع 1996،عندما أرسلت أمريكا اثنتين من حاملات الطائرات الى منطقة تايوان ، حيث كانت تلك هى المرة الأولى التى يتقابل فيها الطرفان فى مواجهة عسكرية مباشرة منذ حرب فيتنام بعد أزمة تايوان، خاصة منذ زيارة الرئيس زيانج زيمين للولايات المتحدة فى أكتوبر عام 1997، بدأت علاقات العملاقين تتخذ نوعا من الاستقرار والايجابية ولم يتوقف تحسين العلاقات عند الشكل والرمزية فقط، ولكنه تضمن بعض الأمور الجوهرية فعلا، ومع ذلك تظل طبيعة وتجاه علاقات الدولتين غير مؤكدة ‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏ فهى ليست علاقة مواجهة كما يخمن البعض، وليست علاقة تعاونية ، ولا هى مشاركة الاستراتيجية. (2)

)1ريهام الفقى ،مستقبل العلاقات الامنية الصينية – الامريكية ، قرآت استراتجية ، مارس 2001، العدد3 .

(1) المرجع السابق
لذلك فإن التسوية على المدى الطويل وفقا لطبيعة واتجاه علاقات العملاقين تعتمد أساسا على تطور العلاقات فى السنوات القليلة القادمة بعد سنوات من الصراع والمواجهة ، بدأت علاقات الدولتين أخيرا تعود الى الطريق الصحيح وتتخذ تطورا ايجابيا ، وذلك منذ ربيع 1996 فى حين كان على الامريكيين أن يعلموا ان الصينيين جادون فى تنفيذ مبدأ دولة واحدة ونظامان فى هونج كونج. ثم كانت استجابة الحكومة الصينية على الأزمة المالية الاسيوية بطريقة ايجابية ليس فقط بالنسبة للاهتمامات الاقتصادية الصينية ، ولكن أيضا بالنسبة لاستقرار التنمية الاقتصادية الأسيوية والكونية استطاعت الدولتان مؤخرا اقامة نوع من التقارب فى مجال حقوق الانسان، وذلك عندما تخلت امريكا عن نشاطها فى دعم القرار الذى يدين الصين بخصوص أوضاع حقوق الانسان فيها، وذلك فى مؤتمر الأمم المتحدة لحقوق الانسان الذى عقد فى جنيف أوائل عام 1998

.هكذا تكون أمريكا قد تخلت عن نهج المواجهة متعددة الأطراف مع الصين بخصوص قضايا حقوق الانسان، من جانبها بذلت الصين جهدا ملحوظا لتحسين أوضاع حقوق الانسان بها، بجانب التقدم السياسى والاقتصادى.
ان نهاية المواجهة بين الطرفين حول قضايا حقوق الانسان يخلق الفرصة لمزيد من الحوار الايجابى والتعاون حول مختلف القضايا .واستطاعت الدولتان الاجماع على تأكيد أهمية منع انتشار الاسلحة لحماية السلام والأمن الإقليمين . وقد أكدت أمريكا على اهمية الاستخدام السلمى للطاقة النووية فى الاتفاقية الموقعة مع الصين عام 1985

، والتى أوجدت حيزا اكبر للتعاون بين الدولتين ، من جانبها بذلت الصين جهودا كبيرة لبناء وتشييد نظام الرقابة على التصدير، وذلك للوفاء بمسئوليتها الدولية فى الرقابة على التسلح والمحافظة على المنطقة منزوعة السلاح .ولكن عندما بدأت الهند وباكستان فى اجراء تجارب نووية مؤخرا ، فإن امريكا والصين قد وجدتا ضرورة لإدانة تلك الأنشطة، واتفقتا على ضرورة تبادل الرأى والتعاون لحسم قضايا الأمن الاقليمى ومنع انتشار الأسلحة

إن إدراك الصين الجديد بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر بإن الإرهاب فى عصر العولمة تخطى الحدود القومية ويتطلب رداً متعدد الأطراف قد جعل البلاد تدافع بشكل علنى عن التعددية فى الثلاث سنوات الماضية. وفى نفس الوقت إن ميل الولايات المتحدة لتبنى مبدأ الأحادية (أو التصرف بشكل منفرد) قبل وأثناء هجمات الحادى عشر من سبتمبر قد دعم التزام الصين نحو التعددية. وبعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر فإن الصين كانت مهتمة اهتماماً كبيراً بأن حكومة بوش التى أظهرت ميلاً للتوجهات الأحادية قبل الهجمات بأنها ستشن سلسلة من المساعى الفردية لمحاربة الإرهاب مع عدم الأخذ بالنتائج التى سوف تحدث فى النظام العالمى الموجود.





إن التحديات التى فرضها صعود الصين أثارت اهتمام البنتاجون على وجه الخصوص كما أوضحه تقرير مجلة الدفاع بأن الحفاظ على توازن مستقر فى آسيا سيكون مهمة شاقة وهناك إمكانية لظهور المنافس العسكرى بموارد هائلة. وعلى الرغم من أن تقرير الدفاع صدر فى آخر سبتمبر عام 2001 فإنه تم إنهاء المسودة قبل ذلك ومن ثم قدم الفكر الأمنى لما قبل أحداث الحادى عشر من سبتمبر

. وقد اختلف التهديد الرئيسى للأمن القومى للولايات المتحدة وكما نقله تقرير استراتيجية الأمن القومى فى سبتمبر عام 2002 والذى تم تعريفه على أنه خليط من الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل. وبنقل الأولويات الرئيسية من أجندة الاستقرار القومى الأمريكى ومفاهيم التهديد الأمريكى فإن الهجمات الإرهابية جعلت الإرهاب مهمة عاجلة أكثر من توازن القوى الناشئة. وفى عالم السياسية الخارجية الأمريكية فقد تم نقل الصين من كونها منافساً استراتيجياً يتطلب اهتماماً كبيراً إلى شريك محتمل فى الحرب ضد الإرهاب. وكما أظهرت رحلات بوش إلى الصين فى أكتوبر عام 2001 وفى فبراير عام 2002 فإن واشنطن مهتمة الآن بتطوير العلاقات البناءة المتعاونة مع الصين
. وفى نفس الوقت فإن بكين رأت أن الفرصة تسمح بتحسن العلاقات مع واشنطن وتوصلوا مع الولايات المتحدة إلى تقديم مساعدة كبيرة وتعاون فى الحرب ضد الإرهاب مثل مساندة جميع قرارات الأمم المتحدة ضد الإرهاب وتبادل المعلومات المخابراتية وشن حملات ضد تمويل الأنشطة الإرهابية. وكنتيجة لهذا فإن أحداث الحادى عشر من سبتمبر قد غيرت حالة العلاقات الأمريكية الصينية من السلبية إلى الإيجابية. (1)

على الرغم من اتفاق كل من الولايات المتحدة وأوروبا حول مناطق مهمة وعديدة للسياسات، إلا أن مسألة تفهمها للصعود الصينى تختلف بشكل ملحوظ وتبعاً لذلك تتشعب مداخل السياسات فى هذا الصدد. وعلى ذلك فإن تفهم هذه الاختلافات الرابضة فى مناطق السياسات الجوهرية يتطلب إدراكاً للمقدمات الفلسفية الهامة وللزوايا التى من خلالها تعمل كل من أوروبا والولايات المتحدة على تحليل الصعود الصينى



--------------------------------------------

(1)فضيلة محجوب ، وعود وحدود الشراكة الأمريكية – الصينية ، قراءات استراتجية 2004، (www.ahram.org.eg



منظومة الرؤى العالمية. فالصين فى هذا النظام العالمى الجديد قد أصبحت لاعباً أكثر مسئولية على الساحة الدولية كما رصد لها تفاعل مع عدد متزايد من القضايا على جدول الأعمال الدولية من قبيل مكافحة الإرهاب والتدهور البيئى والدفء الكونى وتأمين الطاقة والجريمة الدولية وحفظ السلام الدولى وبناء الأمة ومنع الانتشار النووى والصحة العامة واستقرار النظام المالى الدولى. ويذكر أن هذا التحول لبكين عن كونها طرفاً سلبياً وعضواً غير لاعب نحو المشاركة الفعالة فى التصدى لهذه التحديات يعكس حجم الثقة المتزايدة والاعتقاد الراسخ لدى القادة الصينيين بأن مسئوليات الصين فى الساحة الدولية تتزايد جنباً لجنب مع قوة الدولة الصاعدة وتأثيراتها. وتأكيداً على هذه الحقيقة فإنه بتزايد الانخراط الصينى فى النظام العالمى، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى سوف يزيد مع بكين حول هذه التحديات الدولية وغيرها. إلا أن هذا المخطط لا يحول دون وقوع احتمال اختلاف المصالح فى بعض المناطق الأخرى.(1)





















1عبير عبد الحليم خاص، المثلث الإستراتيجى الجديد: الاستجابات الأمريكية والأوروبية تجاه الصعود الصينى ، قراءات استراتيجية ، 2005، (www.ahram.org.eg)
المبحث السابع :اثر 11سبتمبر على العالم العربي
أما في المجال العربي فيمكن تلخيص انعكاسات أحداث سبتمبر/أيلول على الوطن العربي بالقول إن الوطن العربي كان معنياً بهذه الأحداث أكثر من غيره وذلك لاتهام عناصر عربية بالوقوف وراء هذه الأحداث، هذا بالإضافة إلى اتهام بعض الدول العربية بأنها على علاقة بالمتهمين، وبالتالي فإن المنطقة العربية كانت الطرف الأول في هذه الأحداث وأميركا هي الطرف الثاني. لكن الملاحظ أن أميركا حاولت المحافظة على استقرار المنطقة العربية ولم تحاول إدخالها في نظام العولمة بما فيها من ديمقراطية وحقوق إنسان وغيرها من أطر سياسية واجتماعية حديثة مما انعكس سلباً على المنطقة، وجعلها مكاناً للقوى المتطرفة.

وبالتالي فقد اختارت أميركا إعلان الحرب على الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط الذي كان المجال الطبيعي للحرب الأميركية، وقد شملت هذه الحرب التهديد بالعمل المسلح ضد بعض الدول واستخدام وسائل استخبارية وأمنية ضد أنظمة وتنظيمات وجمعيات وأفراد وامتدت لتشمل مجالات الثقافة والأنشطة الخيرية.

ولكن المشكلة الأكثر إثارة في المنطقة العربية ذلك التوافق بين الهجوم الأميركي على الإرهاب وحرب شارون على الانتفاضة، وانشغال الدول العربية بتأكيد خيارها الإستراتيجي نحو السلام ومحاربة الإرهاب، مع الإصرار على تأييد الانتفاضة كحق شرعي ورفض ربطها بالإرهاب، لكن السياسة الإسرائيلية حاولت الربط بين الانتفاضة والحرب على الإرهاب وحاول شارون تقديم مجازره ضد الشعب الفلسطيني والانتفاضة بأنه يقوم بدور الوكيل على السياسة الأميركية في محاربة الإرهاب في الشرق الأوسط وهناك تيارات واضحة في أميركا لتأييد هذه السياسة.

إن خضوع المنطقة لحربين في وقت واحد من جانب إسرائيل والولايات المتحدة قد عزز انحياز أميركا لإسرائيل وبالتالي قلل من إمكانية قيام أميركا بدور نزيه في تحقيق السلام في المنطقة. وحال في الوقت نفسه دون وجود دور فعال للأمم المتحدة والشرعية الدولية، مما عزز موقف الرأي العام العربي الرافض للهيمنة الأميركية.(1)
--------------------------------------------
)جلال أمين، عولمة القهر، أميركا والعرب والمسلمون قبل وبعد أحداث سبتمبر 2001، دار الشروق/القاهرة، 2002
خمس سنوات مضت على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ذلك المشهد الوافد بمنظوره المرعب والمأساوي، والذي ما يزال كتابه مفتوحاً. الحفل المتطرف الذي ساهم الغرب المتطرف في صناعته، بلمسة من الخلل العقلي والخطر العبثي وإحساس مرير بالهزل المرعب، في قيمة النوع الإنساني لشرور غير مسبوقة، فلسفة تدمير الذات، وابتسارات لمحاولات اقتراب الإنسانية منه، لتتوحد بعدها تلك التلميحات الكابوسية، بين التطرف والتطرف في جذور مشتركة ووحدة جوهرية، حيث يراد للإنسانية أن تتابع الكوابيس، حين تتصادم واحدة وراء الأخرى، في سلسلة تشير إلى الصلة الواضحة بين حلقاتها في محاولة بث الاستمرارية الكامنة فيها. صلة النسب بين الحرب الشاملة والتطرف الشمولي من أي جهةٍ جاء في قصة الاضطراب الإنساني نحو التطرف. (1)

منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 في واشنطن ونيويورك، والرد الأميركي عليها باحتلال العراق عام 2003، وما تبعه من التفكيك المادي لدولته ومؤسساتها، فقد العالم العربي سيطرته على شؤونه الأمنية وتحول إلى منطقة نفوذ مباشر ودائم للقوى الأطلسية.
وفي هذا الإطار طرحت الإدارة الأميركية الجمهورية على لسان الرئيس جورج بوش مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يهدف إلى تكريس هذا الوضع وإعادة بناء المنطقة تبعا لحاجات العولمة الإستراتيجية والعسكرية، أي إلى إدخال دول غير عربية في التكتل المنشود، وفي مقدمها إسرائيل التي شكلت الحاجة إلى مقاومة توسعها محور البناء الإقليمي العربي، ومن وراء ذلك تصفية فكرة العروبة نفسها كحامل لمشروع إقليمي مستقل وإلغاء أي أمل لها في أن تستعيد المبادرة الإستراتيجية في المنطقة بما تمثله من نزعة استقلالية وأجندة وطنية خاصة ومصالح متناقضة مع المصالح الأطلسية، خاصة في ميدان النفط وضمان أمن إسرائيل وتطمينها على مستقبلها. (2)
وما حصل هنا في الواقع على صعيد النظام الإقليمي لا يتنافى مع معطيات التاريخ، تاريخ العولمة، ولكنه يصب فيه. فما عجزت عن تحقيقه البلاد العربية سوف يتحقق تبعا لحاجات العولمة، لكن هذه المرة تحت الوصاية الأميركية ولخدمة أهدافها الإستراتيجية معا.

------------------------------------------------

(1) نايف حواتمة ، 11سبتمبرتداعيات الشرق الاوسط والعالم ، 2007، (www.falasteen.com)
(2) المرجع السابق
وبدلا من الخروج المنظم والواعي نحو إستراتيجيات إقليمية وعالمية تحترم مصالح الشعوب ووشائج القربى التي تجمع بينها، كما كان عليه الحال في أوروبا، شهد العالم العربي خروجا تبعيا وإكراهيا معا مفروضا بالقوة السياسية والعسكرية كان من نتيجته تعريض المجتمعات للحروب والنزاعات الدموية، وانتزاع سيادة البلدان الفردية وإلحاقها بنظام الهيمنة الدولية الذي يستجيب لمصالح السيطرة الخارجية.
فبقدر ما أخفقت البلدان العربية في التكيف إراديا مع حاجات العولمة الإستراتيجية، وجدت نفسها ضحية الإستراتيجيات البديلة أو المناوئة التي استخدمت معطيات العولمة ذاتها وحاجاتها من أجل فرض إعادة تركيب المنطقة من وجهة مصالحها الخاصة فحسب، أي إعادة فتح الحدود في ما بينها حسب حاجات الأجندة الأميركية، حارمة المنطقة وبلدانها معا من الاستقلالية الإستراتيجية التي تضمن استقرار التوازنات الإقليمية بعيدا عن التدخلات الخارجية المستمرة والمفاجئة، كما تضمن المشاركة في القرارات الجماعية المتعلقة بمصير المنطقة ومصير شعوبها ويشكل هذا الاختراق الواسع للمنطقة من قبل الإستراتيجيات الدولية، وحرمان الدول من سيادتها واستقلال قرارها، تحديا كبيرا للمجتمعات العربية التي تطمح إلى الاستفادة من فرص العولمة في سبيل ترسيخ قاعدة الاستقرار وتحقيق التكتل الإقليمي من أجل التكامل وخلق شروط الازدهار لجميع السكان، لا في سبيل ضمان تدفق الموارد الطبيعية والبشرية والرساميل للخارج.(1)
لم يضمن تدويل قضايا الإستراتيجية والأمن الوطني في البلاد العربية المزيد من الأمن، ولا ساهم في تحقيق الاستقرار. لقد فجر بالأحرى الأزمة العميقة التي تعيشها المجتمعات العربية والتي ساهمت الضغوط الغربية القوية والمتواصلة في تفاقمها والمد في أجلها، من خلال منع أي تكتل إقليمي إستراتيجي عربي، والإبقاء على توازن قوة يخدم مصالح الحفاظ على الأمن والاستقرار في إسرائيل، من دون أن يأخذ بأي اعتبار مصالح الحفاظ على الأمن والاستقرار في البلاد العربية.
وتركت أحداث الحادي عشر من سبتمبر آثارها على الوضع العربي برمته، ولكن يبقى لسوريا أوضاعها الخاصة بسبب علاقتها التاريخية المأزومة مع الولايات المتحدة، فقد كانت تحسب على المعسكر السوفياتي عندما كان العالم منقسماً إلى معسكرين، وبدخولها حرب الخليج الثانية إلى جانب الحلفاء ومشاركتها في مؤتمر مدريد للسلام شهدت علاقاتها تطوراً إيجابياً إلى حد ما مع واشنطن

(1) برهان غليون ، تفجير العالم العربي ، المعرفه ، (www.aljazeera.net)


، واستطاعت بتفاهمها مع واشنطن حسم ذيول الحرب الأهلية اللبنانية لصالح الفرقاء المؤيدين لسوريا وبهزيمة ميشيل عون المتحصن في وزارة الدفاع اللبنانية واستسلام أنصاره، غير أنه بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول زاد نفوذ وعدد الحانقين على سوريا ودورها في الشرق الأوسط ولا سيما المتعاطفين مع إسرائيل، وبالتالي تزايدت الضغوط عليها.
قانون محاسبة سورياومؤخراً بدأت تحركات حثيثة في الكونغرس لجعل سوريا في المعسكر المقابل بعدما قسم بوش الابن العالم إلى معسكرين "مع الإرهاب" و"ضد الإرهاب"، فقد تقدم عدد من أعضاء الكونغرس بعرض مشروع قانون عرف بقانون محاسبة سوريا (Syria Accountability) ويتضمن فرض عقوبات عديدة على سوريا، وأهم أهدافه بحسب مقترحيه القضاء على الدعم السوري للإرهاب، بسبب إيوائها لحماس وحركة الجهاد الفلسطينيتين، ودعمها لحزب الله اللبناني وتحميل سوريا نتائج هجمات هذا الحزب على القوات الإسرائيلية المحتلة للجنوب اللبناني، وإيقاف تطويرها لأسلحة الدمار الشامل، وإيقاف استيرادها غير الشرعي للنفط العراقي، وانسحاب القوات السورية من لبنان أو بحسب عبارة القانون المقترح إنهاء احتلالها للبنان وأن تقوم الدولة اللبنانية بنشر الجيش في الجنوب.
مع التذكير بأن الولايات المتحدة كانت قد وضعت سوريا على لائحة الدول الداعمة للإرهاب منذ زمن طويل، ولكن أحداث سبتمبر/أيلول أخرجت كل الأوراق الأميركية فوق الطاولة ولم تقتصر على مرتكبي التفجيرات والجهة التي تؤويهم أي طالبان، فمازالت القائمة مفتوحة لتشمل عدداً غير محدد من الدول، وما قرع طبول الحرب على العراق إلا في هذا السياق.(1)
سوريا ومحور الشر
رغم أن بوش لم يضع سوريا بين دول محور الشر في خطابه الشهير، ورغم التقارير الأوروبية والأميركية التي تحدثت عن التعاون السوري الاستخباراتي مع أميركا في ملاحقة عناصر القاعدة وبعض الجماعات الإسلامية، فإن وزير الدفاع الأميركي دونالد رمسفيلد لم يتردد -أثناء تحذيره لروسيا من توسيع تعاونها التجاري مع بغداد- أن يصف سوريا بالدولة الإرهابية إلى جانب العراق وليبيا وكوبا وكوريا الشمالية.
---------------------------------------------

(1) شفيق شقير ، 11 سبتمبر وانعكاساتها على سوريا ولبنان ، المعرفه ، (www.aljazeera.net)

فمن الواضح أن السياسة الأميركية تسير باتجاه تحجيم الدور السوري الذي يتعارض مع سياستها في الشرق الأوسط بسبب رفضه التسوية على أساس أوسلو وتمسكه بمرجعية القرارات الدولية ومؤتمر مدريد، وباتجاه إجبار سوريا على وقف هجمات حزب الله.. إلى آخر ما ذكره قانون المحاسبة المقترح وإن كان بصيغة معدلة وبما يتلاءم مع واقع الإدارة ودون قوانين يقيد بها الكونغرس قدرة إدارة الرئيس بوش على المناورة والمساومة. وواضح أيضاً أن ضرب العراق يحظى بالأولوية لدى الإدارة الأميركية في المرحلة الراهنة وأن أي تصعيد سياسي تجاه سوريا قد يؤجل، وبمثل هذا علق وزير الخارجية الأميركي كولن باول على مشروع القانون المذكورعندما وضع ملاحظاته عليه مذكراً بالمسألة العراقية.(1)













-----------------------------------------------------
(1)-المرجع السابق
المبحث الثامن : اثر 11سبتمبر على الشرق الأوسط

فلقد تعرضت الولايات المتحدة في ذلك اليوم لأسوأ هجوم "إرهابي" في تاريخها، حيث ارتطمت طائرات بمركز التجارة العالمي في نيويورك ووزارة الدفاع في واشنطن، كما تحطمت طائرة في حقل بالقرب من شانكسفيل في بنسلفانيا. ولقد أسفرت تلك الهجمات عن مقتل الآلاف.
ومع أن‏الجهة الذي نفذت تلك الضربة لم تكن معروفة،‏ ولا محدد المعالم في تلك الفترة،‏ إلا أنه لم يمر وقت طويل قبل أن تتجه أصابع اتهام السلطات الأمريكية،‏ إلى مجموعة من‏ العرب المسلمين،‏ باعتبارهم هم الذين نفذوا تلك العمليات‏،‏ و تحديداً إلى تنظيم القاعدة الذي يؤويه نظام‏"طالبان"‏ في أفغانستان‏.

وسرعان ما بدأت عملية بناء التحالف الدولي ضد الإرهاب التي أنجز فيها الأمريكيون وحلفاؤهم انتصارا سريعا،‏ فاق كثيرا من التوقعات التي سادت قبله‏،‏ فقد سقط نظام طالبان بسهولة،‏ وضرب تنظيم القاعدة في مقتل،‏ وما يزال البحث جاريا عن قيادات ذلك التنظيم.
إن أخطر ما كشفت عنه أحداث‏9/11‏ هو تلك الطاقة الهائلة من الكراهية للولايات المتحدة،‏ والإقبال علي الموت في سبيل إلحاق أكبر ضرر بها،‏ من جانب عدد من الأفراد الذين خططوا بدقة متناهية،‏ عمليات خطف الطائرات المدنية الأمريكية،‏ واقتحام وتحطيم بعض أهم رموز القوة الاقتصادية والسياسية في الولايات المتحدة‏،‏ غير عابئين بأرواح آلاف الأشخاص الأبرياء التي تزهق في تلك العمليات.

لماذا فعل هؤلاء ذلك؟ ولماذا كل هذه الكراهية للأمريكان؟ ابرز الإجابات على هذه التساؤلات هي التي تعزو ما حدث في‏9/11‏ إلى السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وتحيزها المستمر لإسرائيل‏.يرتبط الإرهاب الذي واجهه الأمريكان في‏11‏ سبتمبر‏2001‏‏ بالسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط‏،‏ المتحيزة طوال نصف قرن من الزمان،‏ لإسرائيل،‏ ليس فقط علي حساب المبادئ التي يفترض أن الأمة الأمريكية نفسها تقوم عليها،‏ أي‏،‏ مبادئ الحرية وحق تقرير المصير للشعوب،‏ وإنما في مواجهة المجتمع الدولي كله في كثير من الأحيان

إن تلك السياسة أسهمت‏‏ في تغذية مشاعر من الكراهية والمرارة واليأس،‏ تسود العالم الإسلامي بشكل عام‏،‏ والعالم العربي بشكل خاص‏،‏ وفلسطين والمجتمعات العربية المحيطة بها بشكل أخص،‏ تجاه الولايات المتحدة الأمريكية‏!
فإذا كان وجود إسرائيل وسلوكها العدواني ضد الشعب الفلسطيني هو السبب الأول لظهور الإرهاب في المنطقة‏،‏ حتى وإن وجدت أسباب أخري لا يمكن لأي باحث علمي موضوعي أن ينكرها،‏ فإن استهداف هذا الإرهاب للولايات المتحدة‏،‏ يرتبط مباشرة بسياستها المتحيزة دوما لإسرائيل‏!
السبب الآخر الذي ربما حفز المنفذين للهجوم، هو عدم إدراكهم للآثار التي سوف تترتب على هذا الهجوم.
فان عدم المعرفة التامة بشؤون العلاقات الدولية و تطورها جعل المنفذين ربما يفكرون بالحدث بحد ذاته كهدف يحقق هزيمة الولايات المتحدة، بغض النظر عن إمكانية اعتباره جسراً لشن هجوم مضاد.
يرتبط بهذا عدم إدراكهم لطبيعة القوة الأمريكية. بحيث أن تلك القوة لم تكن تشكل في نظرهم القوة الرادعة.
إذا ما قورنت القوة القومية للولايات المتحدة بالقوة القومية للدول التي تأوي المهاجمين لبرز بكل وضوح الخلل في المعادلة؛ ليس فقط في البعد السكاني، الجغرافي، كفاءة الحكومة، والموارد الاقتصادية وحسب؛ بل وفي القوة بمفهومها التقليدي العسكري.(1)


أن عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر يختلف عن سابقة. فلقد غيرت أحداث ذلك اليوم الموازين المتعارف عليها في العلاقات الدولية. فالحس بالمناعة والحصانة للعمق الجغرافي الأمريكي قد تغير، والأسس التي - تعمل من ضمنها الدول و - تشن عل أساسها الحروب قد تبدلت.
فالمهاجم في هذه المرة اتى لهدف موجود في داخل قطر أقوى دولة في العالم. ولم يكن من شن ذلك الهجوم أعضاء في جيش دولة منظم ولكن كانوا أعضاء فريق حركة لا تتجاوز كونها احد العوامل دون القومية والتي كانت تعمل وفق نطاق أفقي غير محدد المعالم.

لقد بدأت ملامح التغير في العالم من تاريخ الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001. لقد أذن هذا الحدث، و ما تلاه من شن الولايات المتحدة الأمريكية لما عرف ب "الحرب على الإرهاب"؛ ببداية مرحلة جديدة من مراحل العلاقات الدولية لم تتضح ملامحها النهائية بعد والمحصلة حربين هما :
أولا: الحرب على أفغانستان:
يمكن اعتبار حرب الولايات المتحدة على أفغانستان (والتي شنت عن طريق الجو في يوم 7 أكتوبر 2001)؛ حربا انتقامية موجهه ضد من قام بهجوم الحادي عشر من سبتمبر 2001.
كذلك يمكن تصنيف هذه الحرب ضمن ما يعرف باسم الحرب الوقائية؛ أي بمعني أن الولايات المتحدة أرادة أن تقضي على قوة خصمها قبل أن يعيد ترتيب إمكانياته للهجوم مرة أخرى.
بذلك لا يمكن إنكار الفكر الانتقامي في مفهوم الحرب التي قامت بها الولايات المتحدة على أفغانستان، وفي نفس الوقت لا يمكن إنكار وجود تأثير فكر المدرسة الواقعية -في العلاقات الدولية- على نفس المفهوم.


لقد ترجم العامل الأمني جل تصرف الولايات المتحدة في هذا المجال. بحيث أن حماية الولايات المتحدة من إمكانية إعادة الهجوم عليها لاحقا يعتبر بمثابة أهم أهداف تلك الحرب.
وقد أعلنت الولايات المتحدة أن هدفها الأساسي من شن هذه الحرب؛ هو القضاء على مكامن الإرهاب في أفغانستان وذلك بالقضاء على مراكز تدريب حركة القاعدة بعد إسقاط حكومة طالبان بإسقاط حكومة طالبان، بتنظيف أفغانستان من مراكز القاعدة (العلنية)، بتشتيت أعضاء هذا الفريق؛ تعتبر الولايات المتحدة أنها قطعت شوطاً طويلاً في هذا المجال.
كانت الظروف الدولية التي شنت فيها الولايات المتحدة حربها على أفغانستان مناسبة لها؛ بحيث أن النظرة العامة داخل أروقة الأمم المتحدة كانت تدور حول تبرير شرعية هذه الحرب باعتبارها رداً على أسوا هجوم "إرهابي" تتعرض له الولايات المتحدة.
لقد لعبت اغلب المؤسسات الحكومية الأمريكية – من رئاسة الحكومة إلى وزارة الخارجية، الاستخبارات، مجلس الأمن القومي، و الكونجرس- دوراً بارزا في عملية صنع قرار الحرب على أفغانستان.
بجانب ذلك فان الأحزاب السياسية و جماعات الضغط و المصالح و سائل الأعلام والرأي العام الأمريكي وقفت صفاً واحد في هذه الحرب الانتقامية.

فيما يخص وسائل السياسة الخارجية؛ فالملاحظ أن الدبلوماسية كانت شبة معطلة في هذا الصدد. فلم يكن هناك محاولات دبلوماسية تذكر (غير الدبلوماسية الموجهة للمجهود الحربي), وكانت الوسيلة المحددة مسبقاً في هذا المجال هي وسيلة "القوات المسلحة".


ثانيا:الحرب على العراق

أما حرب الولايات المتحدة الأخيرة على العراق فأنها لا تفهم إلا من خلال اعتبارها حربي إحباط ووقاية في نفس الوقت . فهي حرب إحباط؛ بمعنى أن الولايات المتحدة شنتها عندما اعتقدت انه بإمكان خصمها أن يشن هجوم ضدها. وهي حرب وقائية، حيث كان المقصود من شنها تدمير قوة العراق والقضاء عليها قبل أن تنمو في كامل أبعادها مع قوة أعدا الولايات المتحدة البارزين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
أما بالنسبة للظروف الدولية فأن الولايات المتحدة أرادت أن تأتي في البداية عن طريق الأمم المتحدة. وعندما لم تفلح في العمل من خلال المنظمة الدولية، فقد شنت الحرب (مع بريطانيا) بشكل غير شرعي حسب الأعراف والقوانين الدولية المتبعة في ذلك.
بذلك يمكن القول أن فكر المدرسة الواقعية أوضح في هذه الحالة منه في حالة الحرب على أفغانستان.
فالدول في هذه الحالة –بما فيها الولايات المتحدة- تعتبر أهم عامل في السياسة الدولية من ناحية اتخاذ القرار النهائي بشن الهجوم على بغداد. ترى حكومة الولايات المتحدة أنها حللت سياستها في هذا الصدد من منطلق عقلاني وأنها اتخذت القرارات التي تعتقد أنها الأسلم، وهي القرارات المساندة لأمنها في الأساس.
والولايات المتحدة كدولة اتخذت القرار كوحدة واحدة؛ فرئيس الدولة، ووزير الخارجية، والجهات الأخرى التي صنعت القرار وقفت موقفا موحدا.
خصوصاً وان القرار كان مبنياً على أساس العامل الأمني الهام. فدولة مثل الولايات المتحدة سوف تبذل قصارى جهدها من اجل أن تحافظ (على) وتعزز أمنها وتوجه ضربة قاسية لأية جهة تحاول هز هذا الأمن.
بالإضافة إلى الأهداف الدائرة حول الهاجس الأمني، فقد أعلنت الولايات المتحدة أن هدفها هو القضاء على نظام صدام حسين أما بالنسبة للوسيلة فهي كما كانت في حرب الولايات المتحدة على أفغانستان؛ حيث ترجمت عمليات القوات المسلحة نفسها كالوسيلة الفعلية في هذا الصدد. أما الدبلوماسية فقد كانت معطلة كما هو الحال في الحرب على أفغانستان.
ولكن كان هناك استخدام للقوة الدعائية الموجهة لداخل العراق. هذا مع القول أن هذه الحرب قد أتت بعد أن لم تحقق الوسائل الاقتصادية (التي كانت مفروضة علي العراق لمدة تزيد عن 12 عاما) النتائج التي كانت منتظرة من تطبيقها.



























الخاتمه
لقد أثبتت أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة هشاشة النظام الدولي المعاصر، فبعد تحول النظام إلى الأحادية القطبية اعتقد الكثيرون بأن هذا النظام سيشهد فترة من السلام العالمي والاتجاه نحو تفعيل الشرعية الدولية وتسوية المنازعات بالطرق السلمية،


لكن أحداث 11 سبتمبر/أيلول كشفت عن تحول الصراع في العلاقات الدولية إلى صراع بين الدول العظمى وهي الولايات المتحدة وبين ظاهرة الإرهاب وهي ظاهرة غير محددة المعالم وليس لها وطن محدد، ولقد أظهرت الأحداث بصورة جلية ضعف النظام الدولي عن طريق تجاوز أميركا لأطر هذا النظام وعدم الاعتماد على الشرعية الدولية في إدارتها للصراع أو ترتيبها للنظام الدولي ولجوئها للقوة الساحقة في محاربة أعدائها أو تهديد مصالحهم

. أن عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر يختلف عن سابقة. فلقد غيرت أحداث ذلك اليوم الموازين المتعارف عليها في العلاقات الدولية. فالحس بالمناعة والحصانة للعمق الجغرافي الأمريكي قد تغير، والأسس التي - تعمل من ضمنها الدول و تشن عل أساسها الحروب قد تبدلت.

فالمهاجم في هذه المرة اتى لهدف موجود في داخل قطر أقوى دولة في العالم. ولم يكن من شن ذلك الهجوم أعضاء في جيش دولة منظم ولكن كانوا أعضاء فريق حركة لا تتجاوز كونها احد العوامل دون القومية والتي كانت تعمل وفق نطاق أفقي غير محدد المعالم.
إن أحداث 11 سبتمبر جعلت الولايات المتحدة أكثر ميلاً إلى قيادة التحالف الدولى ضد الإرهاب، عن اعتمادها على التحالفات الرسمية، حيث أن قضية (الإرهاب الدولى) أدت إلى زيادة حقيقية وهامة فى الإتفاق العسكرى الأوروبى، كما تركت العديد من البدائل أمام أوروبا فيما يتعلق بالأمن الدولى، وكل بديل لابد وأن يثبت أنه يعمل على حماية الأمن الإقليمى من الإرهاب.

أن العمل على مكافحة الإرهاب وحماية الأمن الوطنى من الهجمات الإرهابية سوف يعمل على تدعيم المصالح والعلاقة عبر الأطلسى وسوف يؤدى إلى إيجاد المزيد من الترابط ومجالات التعاون وليس العكس.







وتشير الاتجاهات المستقبلية في النظام الدولي الجديد إلى عودة التركيز على سيادة الدولة، فبعد أن اقتحمت سيادة الدولة وهددت من قبل المصالح والمنظمات العابرة للقارات والتكنولوجيا الحديثة، عادت أميركا لتتراجع عن هذا التوجه وتسعى لإعطاء الدولة على مستوى العالم دورا جديدا يتمثل أساساً في مكافحة الإرهاب وتأييد جهود الولايات المتحدة العسكرية والسياسية والثقافية في وقف التهديد للمصالح الأميركية على مستوى العالم حتى لو أدى ذلك إلى تجاوز حقوق الإنسان والحريات الممنوحة للمواطنين سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها، وظهر اتجاه نحو التراجع عن مبدأ العولمة المبشر بالانفتاح على الآخرين وحصل انكفاء في الموقف الأميركي يقوم على عدم الاستعداد لقبول أي موقف أو فكر يرفض الهيمنة الأميركية مما سبب لها خلافات مع أصدقائها وحلفائها في العالم وهو ما يهدد استقرار النظام الدولي الجديد.
وتفجيرات 11 سبتمبر تتميز أيضاً بأن لها تداعيات عميقة على مستوى العالم, ولذا فهي تتسم بسمة "معولمة". فهي أولاً قلبت التوجهات الأميركية في السياسة الخارجية التي كانت تميل إلى الانعزال عن العالم والالتفات إلى الشؤون الداخلية أكثر فأكثر في السنوات الأخيرة. وكانت سيطرة الجمهوريين المحافظين على الكونغرس حتى خلال حقبة الديمقراطيين برئاسة بيل كلنتون, ثم ما آلت إليه الأمور من فوز جورج بوش الابن بالرئاسة تكريساً للنزعة المحافظة في السياسة الخارجية. وقد تمثلت هذه النزعة في تبني مشروع الدرع الصاروخي, ثم الانسحاب من اتفاقية كيوتو للبيئة, وعدم التصديق على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة البيولوجية,
ثم أخيراً إلغاء معاهدة الحد من انتشار الصواريخ العابرة للقارات ومن المعلوم أن هذه السياسة الانفرادية قبل أحداث سبتمبر, قد أثارت الدول الكبرى في العالم ضد الولايات المتحدة, وبرزت تصدعات في العلاقة عبر الأطلسي بين واشنطن وبروكسل, فضلاً عن التوتر مع الصين وروسيا. وكان أثر حدث سبتمبر هنا هو في قلب كل تلك الصورة,
اولا : أقحم الحدث الولايات المتحدة في قلب السياسة الدولية مرة أخرى, ليس كفاعل أساسي ومهيمن, بل وكمسير وقائد لتشكيلة جديد من التحالفات العالمية. وثانيا : قرب حدث 11 سبتمبر بين روسيا تحديداً والولايات المتحدة تحت شعار مكافحة الإرهاب الدولي.
ثالثاً: التصدعات الأوروبية الأميركية وأعاد توثيق التحالف عبر الأطلسيورابعاً: قاد 11 سبتمبر إلى بروز تغير عميق في آسيا لجهة أنخراط الهند في الجهد "الأممي" بقيادة واشنطن ضد مكافحة الإرهاب.
وخامساً: وفر حدث سبتمبر فرصة ذهبية لإعادة ترتيب جدول الأولويات العالمي ووضع قضية ما يسمي بـ "مكافحة الإرهاب الدولي" على رأس ذلك الجدول, واستغلال فرصة
التوافق العالمي على إدانة جريمة نيويورك لتمرير أجندات أخرى لا تعبأ بسيادات الدول وتسهل عمليات التدخل في شؤونها الداخلية. هذه التداعيات وغيرها مما لا زلنا نراه راهناً هو الذي يفرق بين حدث سبتمبر ويعطيه السمة العولمية, وأحداث أخرى مثل حرب الشيشان أو حرب البوسنة أو حتى القضية الفلسطينية, فهي أحداث وقضايا على أهميتها لم تؤثر في إعادة تشكيل السياسة والتحالفات الدولية, أو تقلب جدول الاهتمامات العالمي, وتشكل مفصلاً تاريخياً في طبيعة العلاقات الدولية كالذي شكله يوم 11 سبتمبر.
وعموما أثبتت هذه الأحداث الفجائية أن العوامل المهددة للسلم والأمن الدوليين تتطور بتطور المجتمع الدولي وأن هذا الأخير لم يستقر بعد على نظام محدد الملامح ولم تتشكل بعد أقطابه وضوابطه ذلك أنه لا زال يعاني من مرحلة العتمة والضبابية التي يتماهى ويختلط فيها الشرعي باللاشرعي, ومن تراجع مبادئ قانونية دولية كمبدأ السيادة وعدم التدخل لصالح "مبادئ" جديدة كالتدخل والكيل بمكيالين, وهي مرحلة قد تطول طالما تتم فيها معالجة الأعمال غير المشروعة دوليا بعمل غير مشروع ويتغلب فيها منطق القوة والمصلحة على منطق العدالة والقانون






















المراجع

1- ابراهيم غرايبه ، الإستراتيجية الثقافية للولايات المتحدة بعد سبتمبر، ((www.aljazeera.net
2- إدريس لكريني ،الحوار المتمدن - العدد: 1679 ، 2006 / 9 / 20 ، (www.rezgar.com )
3- إبراهيم نافع، انفجار سبتمبر بين العولمة والأمركة، مؤسسة الأهرام/القاهرة 2002
4- اسامه مهدى سلطان ، مصلحة اوروبا القصوى : البقاء بجانب الافضل ، قرآءات استراتيجية ، المجلد السابع ، العدد الرابع ،ابريل2004
5- السياسة الدولية بعد الحرب الباردة ، قراءات إستراتيجية ، مركز الدرسات السياسية والاستراتيجية ، مقتبس من : (www.ahram.org.eg
6- السياسة الدولية ، العدد 149 يوليو 2002.
7- الأهرام ، 21 مارس سنة 2003
8- الأهرام ، 14 ديسمبر سنة 2003.
9- برهان غليون ، تفجير العالم العربي ، المعرفه ، (www.aljazeera.net)
10- تصريحات" كوفى عنان" منشورة في الأهرام، 4 نوفمبر سنة 2003 ص 129.
11- حسام امام ، امريكا والصين – التعاون والصراع والاستراتيجية ، قرآت استراتيجية ، الجلد الثانى ،فبراير 1999، العددالثانى .
12- حنوش زكي : مستقبل حقوق الإنسان والشعوب في ظل النظام العالمي الجديد، الفكر العربي العدد 90 خريف 1997، ص231
13- جلال أمين، عولمة القهر، أميركا والعرب والمسلمون قبل وبعد أحداث سبتمبر 2001، دار الشروق/القاهرة، 2002.
14- دراسات شرق أوسطية، 8 (25م، خريف سنة 2003، ص 56 - 57.
15- رهام الفقى ،مستقبل العلاقات الامنية الصينية – الامريكية ، قرآت استراتجية ، مارس 2001، العدد3 .
16- صحيفة الشعب اليومية اونلاين ، طبعة دولية، 4 يوليو ،2005
17- عبير عبد الحليم خاص، المثلث الإستراتيجى الجديد: الاستجابات الأمريكية والأوروبية تجاه الصعود الصينى ، قراءات استراتيجية ، 2005، (www.ahram.org.eg)
18- على خفاجى ، النزاع وصراع المصالح بين الولايات المتحدة . روسيا. اوروبا الغربية ، قرآءات استراتيجية ،المجلد الرابع ، مارس 2001. (www.ahram.org.eg)
19- عبد المنعم سعيد، "الأبعاد السبعة للعلاقات الأوروبية الأمريكية"، الأهرام الاقتصادي، 4 ديسمبر سنة 2000.
20- عثمان الرواف، "المعارضة الفرنسية لغزو العراق: هل هي معارضة تكتيكية أم إستراتيجية؟"، الشرق الأوسط، 17 فبراير 2003.
21- فالح الحمراني ، الحادي عشر من سبتمبر وانعكاساته على روسيا الاتحادية ، ( www.rezgar.com )
22- فؤاد نهرا، "دول الاتحاد الأوروبي والحرب الأمريكية على العراق، شئون الأوسط، صيف سنة 2003،
23- فضيلة محجوب ، وعود وحدود الشراكة الأمريكية – الصينية ، قراءات استراتجية 2004، (www.ahram.org.eg
24- محمدالسيد سعيد، مجلة العربي الكويتية، العدد 494 يناير 2000 ص73.
25- موفق محادين ، السياسات الأميركية بعد 11 أيلول ، المعرفة،((www.aljazeera.net

26- محمد المجدوب، "توجهات الاتحاد الأوروبي نحو القضية الفلسطينية وعملية السلام" مجلة عبد النور بن عنتر، "في ضوء الحرب، الانجلو - أمريكية ضد العراق. إلى أين تتجه العلاقات الأوروبية الأمريكية"( مقتبس من : www.aljazeera.net/cases_analysi
27- محمد السيد سليم ، السياسات الا وروبية والامريكية ، كراسات استراتيجية ، المجلد الرابع عشر ،العدد45، نوفمبر2004،
28- محمد سعد أبوعامود ، العلاقات الأمريكية الصينية ، السياسة الدولية ، يوليو 2001، العدد145 ، (www.siyassa.org.eg )
29- مجلة وجهات نظر، العدد 39، أبريل 2002
www.aljazeera.net
31- هانس بيتر مارتين وهارالد شومان، فخ العولمة، المجلس الوطني للثقافة/الكويت، 1998.
32- نظام بركات ، تداعيات أحداث سبتمبر على النظام الدولي ، المعرفه ‘ www.aljazeera.net
33- نهى منصور، روسيا والغرب بعد 11سبتمبر، قرآت استراتيجية ، المجلد السادس، اكتوبر 200،مقتبس من: (www.ahram.org.eg
34- نايف حواتمة ، 11سبتمبرتداعيات الشرق الاوسط والعالم ، 2007، (www.falasteen.com


المراجع الاجنبية

2004panger s: International Politik und Gesellschaft Hans- Joachim (1)
(2) Mohammed Selim, "Towards a New WMD Agenda in the Euro- Mediterranean Partnership:
An Arab Respective", Mediterranean Polities , (London), 5 (1), Spring 2000, pp. 133-157

(3) Zhongping Feng, "An analysis of Europe's Approaches Towards the U. S. A" Contemporary International Relations, (Beijing), 13 (5), May 2003, PP. 42 – 56

(4)Foreign Affairs, Vol.81, No. 4, August 2002 .














ليست هناك تعليقات: