الاثنين، 15 سبتمبر 2008

المجتمع المدني بين النظرية والتطبيق

شهد القرن العشرين بعد الحرب العالمية الثانية تطورات جذرية في بينة التكوينات الاجتماعية ، تترافق هذه التحولات مع ثورة ‏التكنولوجية والمعلوماتية ، التي تعد من الثورات العظمى التي شهدتها المجتمعات البشرية عبر التاريخ . التكنولوجية وثمار التقدم ‏العلمي التي كانت حكراً على الطبقات والنخبة الحاكمة في جميع اشكال الدولة والانظمة الحاكمة . كانت النتيجة هي ازدياد حجم ‏سيادة الدولة على مقدرات المجتمع وخيراته ، من ثم تعيش المجتمعات النامية على الاخص كابوس لا يطاق تحت نير هذه الدول. ‏مع تطور العلم و تطور التكنولوجية والتقنية في اواخر القرن العشرين ، ظهرت تغييرات في مستوى الوعي الاجتماعي والفكري ‏رسخته اكثر الثورة المعلوماتية وفي مقدمتها شبكة الانترنت للاتصالات والمعلومات الدولية التي احدثت انقلاباً ذهنياً حطم احتكار ‏الدولة وسيادتها على العلم والتقدم الفكري ، لتتحرر المقدرة الفكرية للفرد والمجتمع وتؤدي الى نتائج مذهلة جعلتها من اكير ‏الثورات التي عرفها الانسان على مر العصور.‏ونظرية المجتمع المدني كانت احدى النتائج التي خلقتها ثورة التكنولوجية والتقدم العلمي في المجتمعات الانسانية ، لكن الوعي ‏الاجتماعي ازداد اضطراديا مع تسارع هذه التحولات في المجتمع وظهور نقاشات وطروحات نظرية وفكرية حول كيفية تقليص ‏حجم الدولة ًودمقرطة المجتمع لتظهر ارادة المجتمع المدني الى الساحة. يمكن القول ان هذه النظرية تطورت خلال العقدين ‏الاخيرين من القرن العشرين. حيث ارتفع عدد المنظمات المدنية من 6000 منظمة عام 1990 الى حوالي 26000 منظمة مدنية ‏في عام 1999 على شكل منظمات مساعدات وتبرعات خيرية ، منظمات حماية البيئة، مكافحةالالغام والامراض الوبائية ‏المستعصية و مرض الايدز، ومكافحة المخدرات والخ من المنظمات المدنية ، وقد اوردت منظمة التعاون والتنمية في المجال ‏الاقتصادي ان المساعدات الدولية ، التي تم تقديمها عبر منظمات المجتمع المدني قد بلغت حدود 12 بليون دولار في عام 2006.‏‏ مع ازدياد تطورالوعي الثقافي والعلمي والاجتماعي . ازداد تاثير نطاق المجتمع والمنظمات المدنية في مواجهة الاثار السلبية ‏والضرر التي يحدثه نظام الدولة الضخمة على المجتمع والانسان ، التي خلقت بدورها قضايا ومشاكل يتم طرحها ومناقشتها على ‏المستوى العالمي من قبيل قضايا التلوث البيئي و التحرحر العالمي (ارتفاع درجات الحرارة)، التصحر . بالاضافة الى الفقر الذي ‏ظهر بشكل متزايد في البلدان الفقيرة والنامية ووصوله الى ابعاد خطيرة والذي ان دل على شيء ، انما يدل على انعدام التوازن بين ‏البلدان الغنية المتطورة والبلدان الفقيرة النامية . كل هذا يؤول دور منظمات المجتمع المدني المتزايد بشكل كبير والمؤثر على ‏الصعيد الدولي . فما كان اتساع نطاق هذا التأثير حتى ليمتد الى النقاشات التي جرت مناقشتها في قمة الدول الثمانية المتقدمة التي ‏تم عقدها في غلين إيلز باسكتلندا في تموز من عام 2005 .‏تعد منطقة ا لشرق الاوسط من المناطق الساخنة التي مازالت تعاني من ويلات الحروب الدينية – الطائفية والدينية ، وما خلقته من ‏انقسامات في بنية المجتمعات الشرقية ، لذلك كانت سدا وعقبة تعرقل دخول التطورات والتغييرات التي تطرأ على العالم من ‏الدخول الى هذه الساحة . حيث مازالت الدولة ذات القومية والحزب الواحد سائدة و مسيطرة على المجتمع الشرق الاوسطي . اذاُ ‏كيف لنا ان نتحدث عن تطور تجربة المجتمع المدني في هذه المجتمعات ؟ للإجابة عن هذا السؤال لابد من اجراء دراسات وابحاث ‏استراتيجية علمية على اسس عصرية ، لتحليل العوامل التي تعرقل تطور هذه المجتمعات ومواكبتها للعصر ايضاً . لكن قبل ‏الاجابة على هذا السؤال لا بد من طرح السؤال التالي : ما هوتعريف المجتمع والمنظمات المدنية بالنسبة لهذه المنطقة ؟ ان كان ‏التعريف يتمحور حول تعريف كل المؤسسات والمنظمات الغير حكومية والتي تمثل ارادة المجتمع امام نظام الدولة ، عندها هل ‏يمكن التحدث عن مؤسسات ومنظمات حقيقة في منطقة الشرق الاوسط ؟ بلا شك ان هذه الاسئلة الصعبة تتطلب اجراء دراسات ‏علمية عصرية و محايدة الى ابعد الحدود للانظمة والمجتمعات الموجودة .‏‏ بعد انهيار النظام الاستعماري التقليدي المباشر ليخلف خلفه بنية متخلفة لانظمة لم تتجاوزبعد الشكل المتخلف للاقتصاد الزراعي – ‏التجاري الذي تكون تنيجة العلاقات التي لم تتجاوزاثار البنى الاقطاعية – العشائرية الرجعية بعد . بالطبع ان تاثير تطور حركات ‏التحررالوطنية في العالم اثر تاثيراً كبيراً على تطور الحركات القومية العربية التي وجهت ضربة الى الاستعمار العسكري ، ‏وتحرير هذه البلدان كونها كانت مستعمرات تابعة لها . حتى الانظمة القومية التي تشكلت استفادت من التناقضات الموجودة بين ‏القطبين الرئيسيين الرأسمالي – الاشتراكي في العالم ، لهذا لم تتطور كثورات اجتماعية تحدث تحولات جذرية تتجاوز بناها ‏الاجتماعية المتخلفة ومن جميع النواحي ، بل على العكس اخذت ترسخ تدريجياً سيادة وحاكمية الدولة على المجتمع بشكل مستبد ‏تحت ايديولوجية الدولة القومية البعيدة عن روح التعددية الديمقراطية و المعايير الدولية لحقوق الانسان و سيادة القانون . من ‏الصائب اعتبار هذه الدول و الانظمة بانها انظمة ديكتاتورية تنتهج التعصب الديني- القومي كنهج ايديولوجي للمحافظة على ‏ديمومتها ، دون التردد عن التقنع باقنعة الديمقراطية وحقوق الانسان لكي تتلافى الضغط والانتقادات من قبل منظمات حقوق ‏الانسان والديمقراطية العالمية والمجتمع الدولي هذا على الصعيد الخارجي ، اما على الصعيد الداخلي فأنها تعمد كانظمة ‏عسكرتارية الى قمع كل الاراء و التنظيمات التي تتبنى اراء مخالفة و معارضة لنظامها القائم واصفة اياها اما بالارهاب او الخطر ‏على امن الدولة . فهل يمكن هنا التحدث عن منظمات ومجتمع مدني تحت هذه الظروف وهذا النمط من الانظمة ؟ ليس من ‏الصعب من تحديد العراقيل التي تحول دون تجسيد نظرية المجتمع المدني عمليا ان تعرفنا على هذه الحقائق بإدراك سليم و محايد .‏لقد كان للتعصب الديني والقومي الذي وصل الى حدود التناحر و الصراعات الدامية التي لا طائل لها ، الدور الكبير في عرقلة ‏نموالوعي الاجتماعي في المنطقة ، هذا ما يحول دون تكون الظروف الممهدة للتطبيق العملي للطروحات العلمية حول كيفية ‏الوصول الى بناء مجتمع مدني يقلص من سيطرة الدولة وضخامة حجم سيادتها على المجتمع . اذ لا يمكن التحدث عن دور فعال ‏للاطباء والفنانين بشكل خارج عن نطاق تأثير الدولة اوالنظام السائد ، فما بالنا المعارضة لهذا النظام او توجيه اي نوع من ‏الانتقادات له . هناك دورمحدود وضئيل يتم تخصيصه وفق الدساتير والقوانين التي تسنّها الانظمة الشرق- اوسطية للمنظات المدنية ‏‏. عدد غير قليل من المنظمات لايمكنه من تلبية ضرورات بناء المجتمع المدني . انها ام تكون شكلية اومحدودة التأثير لعدم ‏تجاوب الجماهير وشرائح المجتمع معها وذلك لعدم ادراكها لدور هذه المنظمات بالتأثير على مجرى حياتها اليومية وبشكل ‏متواصل.‏لقد بدت محاولات عديدة من المثقفين ومنظمات مدنية عربية لكي تطرح اهم العراقيل التي تعرقل عمل وتطور هذه المنظمات ‏المدنية في المجتمعات العربية على وجه الخصوص . على سبيل المثال يمكن ذكر رؤية من الداخل‎ ‎لإصلاح الانظمة والمجتمعات ‏العربية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وذلك من خلال "مؤتمر‎ ‎قضايا الإصلاح العربي" الذي أقيم بمكتبة الإسكندرية في ‏مصر، من 12-14 أذار الماضي: ‏تبلورت الرؤية في "وثيقة الإسكندرية" التي حددت القضايا الأساسية ، وصاغت من خلال لجان، ضمت شرائح متنوعة من ‏المثقفين العرب، الحلول والآليات‎ ‎المطروحة لتنفيذ الإصلاح برؤية من الداخل‎.‎‏ ‏وجاءت "وثيقة الإسكندرية" كمحاولة لترسيخ التجربة العربية امام العديد من‏‎ ‎المبادرات الدولية والإقليمية المطروحة لتحديث ‏منطقة الشرق الأوسط، وما أثارته تلك‎ ‎المبادرات من ردود فعل متباينة في العالم العربي، اتفقت في حدها الأدنى على رفض‎ ‎أفكار ‏التغيير من الخارج . لكن تم الاشارة على الاصلاح السياسي في الوثيقة و ضرورة ان تتجاوز الانظمة العربية التخلف الاجتماعي ‏الموجود واحداث التغيير في دساتيرها يما يتوافق مع معايير الديمقراطية والحقوق الدولية المتعارف عليها ليمكنها بذلك من افساح ‏المجال امام حرية الرأي والتعبير ، وبناء المنظمات المدنية التي تقلص من حجم سيطرة الدولة . اما على الصعيد الاقتصادي تم ‏الاشارة الى ضرورة احداث اصلاحات في شكل وهيكلية الاقتصاد في هذه البلدان من خلال تحسين الاقتصاد و تطوير رؤؤس ‏الاموال والاستثمارات المصرفية و تجاوز البطالة المتزايدة بشكل كبير في هذه البلدان بالاضافة الى التنمية الثقافية والاجتماعية . ‏لكن كل هذا بقي نظريا لم يرى بشكل مجدي حيز التنفيذ والتطبيق لعدة اسباب وعوامل لا يمكن التغافل عنها الا وهي ؛ لا بد من ‏تطوير الوعي الاجتماعي والثقافي والاستفادة من الثورة المعلوماتية والتكنولوجية الحديثة من ناحية ، اما من ناحية اخرى يجب ان ‏يتم تجاوز التعصب الديني والطائفي والقومي وتأثيرها الايديولوجي وذلك بتطوير النهج الكونفدرالي للمجتمع المدني الذي سيكون ‏النهج الناجع والحل للتخلص من مرض التعصب بكافة اشكاله وترسيخ الديمقراطية و مبادئ حقوق الانسان ، التي ستكون ‏المؤسسات الفوقية للمجتمع المدني ومنظماته المتعددة المهام وفي جميع المجالات لا الحصر.‏من المؤكد ان التحليل العلمي العصري لمجتمعات الشرق الاوسط ستؤدي بنا الى معرفة العوامل التي تجعل المجتمع المدني طرحا ‏نظريا بعيداً عن التطبيق العملي ، وسيسهل بدوره درب بناء و تأسيس منظمات مدنية حقيقية وعصرية تتجاوز السلبيات ‏والتخريبات ، التي سببها نظام الدولة على المجتمع واجراء التحولات في بنية الدولة بهدف تقليص مهام الدولة الى حدود تسيير ‏عملية الرفاه الاجتماعي في المجتمع التي تعتبر من احدى المهام الاساسية للدولة تجاه العلاقة الاساسية الا وهي الفرد – المجتمع ‏بدلا من ان تكون جهاز قمعي وسلطوي على المجتمع ومقدراته الحياتية

ليست هناك تعليقات: