جامعة الإسكندرية
كلية التجارة
قسم العلوم السياسة
دراسات عليا
"الفساد الإداري"
إعداد البا حث:
محمد عبد الفتاح الحمراوى
· مقدمة:
الفساد مشكلة اجتماعية واقتصادية تضرب بجذورها في أعماق التاريخ الإنساني ، فهي ليست مقصورة على مجتمع بعينه أو فترة زمنية دون الأخرى بل هي موجودة في كافة المجتمعات-المتقدم منها والنامي- وهذا لا يعني أن الفساد موجود في المجتمع الإنساني بصورة واحدة، لكنه يتخذ أشكالاً متباينة ونماذج مختلفة باختلاف طبيعة البناء الاجتماعي، فالممارسات الفاسدة غالباً ما تمارس في سرية تامة لذلك يعرف الفساد الإداري على أنه إساءة استعمال السلطة العامة لتحقيق مكسب خاص، ولذلك فالدول تعكف على تبني سياسات إصلاحية للحد من هذه الممارسة، وسوف يركز البحث على العراق في دراسة هذه الظاهرة وذلك خلال فترة حكم نظام صدام حسين المخلوع.
· أهمية البحث:
أهمية البحث تنبع من كونها تتناول موضوعاً حيوياً وهاماً ألا وهو الفساد الإداري الذي تسعي الدول والحكومات إلى القضاء عليه بعدة سياسات أصلاحية.
· الهدف من البحث:
يتمثل الهدف من البحث في التعريف بمفهوم الفساد الإداري وأسبابه والآثار المترتبة عليه، طرق علاجه في ظل التنمية. وذلك للإجابة على سؤال البحث المطروح.
· مشكلة البحث:
تتمثل مشكلة البحث في تنامي الفساد الإداري في المجتمعات النامية والمتقدمة وذلك لكبر حجم المشكلة واختلاف طرق ممارستها مما يجعل الدول تنتهج إصلاحات للحد من هذه الظاهرة .
منهج البحث:
نظراً لمادة البحث العلمية فإن المناهج المناسبة استخدام المناهج التالية:
أ- المنهج التاريخي و ذلك لحصر الأحداث و الاستفادة منها .
ب- المنهج ألوصفي من خلال معرفة أهم الصفات المميزة للمشكلة.
ج- المنهج التحليلي وذلك لتحليل أبرز ألأسباب المؤدية للفساد الإداري والآثار المترتبة عليها لاستخلاص النتائج منها.
· الإطار النظري للبحث:
ينقسم موضوع البحث إلى ستة مباحث وهي على النحو التالي:
المبحث الأول : مفهوم الفساد الإداري وأشكاله
المبحث الثاني: أسباب الفساد الإداري ودوافعه
المبحث الثالث: الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على الفساد الإداري
المبحث الرابع: استراتيجيات الحد من الفساد الإداري والحلول المقترحة
المبحث الخامس: حالة تطبيقية للفساد الإداري (العراق)
المبحث السادس: الخلاصة والاستنتاجات
المقدمة :
تزايد الاهتمام بقضية الفساد منذ النصف الثاني من الثمانينات ، نظراً للآثار السلبية للفساد على التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية . وقد ظهرت العديد من الدراسات التي اتخذت من قضية الفساد عنواناً لها ، قدم فيها الباحثون عرضاً لصور الفساد ومظاهره ، وتحليلاً لهذه الظاهرة في محاولة جادة وصادقة من جانبهم لكشف وتعرية هذه الظاهرة والدعوة لمكافحتها والحد من انتشارها ، خاصة وأن الفساد تحول من ظاهرة محلية إلى ظاهرة عالمية تستوجب التعاون الدولي ( حكومات ، برلمانات ، منظمات غير حكومية ، رجال أعمال ، وسائل الإعلام المختلفة ، القطاع الخاص ) لمواجهتها وإبداء قدر أكبر من الاهتمام بإعادة النظر في الترتيبات الحالية لمواجهة الفساد ، ووضع استراتيجيات يتم تحديثها باستمرار لضمان مواجهة المشكلات الناجمة عن كل صور الفساد المعاصرة . ولم تقتصر هذه الجهود على الدول المتقدمة ، وإنما شملت أيضاً الدول النامية التي تعاني اقتصادياتها ومجتمعاتها من تفشي هذه الظاهرة بصورة أكبر مما تعانيه الدول المتقدمة ، حتى أضحى موضوع الفساد يحظى بالأولوية في قائمة اهتمامات الحكومات في الدول النامية .
ويرجع الاهتمام بقضايا الفساد في الدول النامية لعدة أسباب ، من أهمها :-
- الكساد واختلال الميزان الاجتماعي بسبب سياسات الإصلاح الهيكلي في غالبية الدول النامية.
- ظهور شريحة اجتماعية غنية في العقد المنصرم استفادت من التحولات في السياسات الداخلية للدول النامية والدول التي تمر بمرحلة التحول وانفتاح هذه الدول على العالم ، بعد أن كانت مجتمعات منغلقة .
- انتشار الفساد في الأوساط السياسية ، وخاصة منهم أصحاب المناصب الرفيعة في تلك الدول .
- ظهور قوى معارضة في الدول النامية تدعو إلى مكافحة الفساد وفضح رموزه .
- الاهتمام الدولي المتزايد بهذه الظاهرة وخاصة من قبل المنظمات ومؤسسات التمويل الدولية، التي تربط تقديم قروضها بتبني الدول المقترضة لسياسات وبرامج محاربة الفساد في مجتمعاتها
وسنحاول في هذا البحث إلقاء الضوء على أشكال و أسباب ودوافع الفساد والآثار الاقتصادية والاجتماعية التي تجذرت في المجتمعات بفعل تفشي هذه الظاهرة ، ثم ننتقل للحديث على الجهود الدولية في مكافحة تفشي هذه الظاهرة و من ثم استراتيجية الحد من تنامية ، و أخيراً نتقدم ببعض المقترحات التي يمكن أن تساعد على الحد من تنامي هذه الظاهرة و التخفيف إلى حد بعيد من حدتها لا نقول تنفيسها أو القضاء عليها ، وسنعرض خلال دراستنا لبعضٍ من آثار الفساد الإداري والسياسي في الدول النامية ومنها العربية كي تكون الصورة واضحة ومكتملة إلى حد ما، ثم نطبق ما سبق على (العراق) كحالة تطبيقية للبحث، للوصول إلى الخلاصة والاستنتاجات.
المبحث الأول : مفهوم الفساد الإداري وأشكاله
· أولاً: مفهوم الفساد
الفساد ليس ظاهرة محلية وإنما هو ظاهرة عالمية ولكن يختلف من بلد وآخر ، و أشد أنواع الفساد ضرراً تقع في الدول النامية وخاصة الدول التي تفتقر إلى وجود المنظمات غير الحكومية ، وتلك التي لم تنضج فيها بعد مؤسسات المجتمع المدني ، وتلك التي تكون فيها مثل هذه المؤسسات محظورة ، فهذه المنظمات والمؤسسات تساعد على كشف الآثار السلبية للفساد كما هو الحال في الدول المتقدمة .
والفساد مصطلح له معان عديدة ، وبدء التعامل السليم مع هذه المسألة هو تقسيمها وتحليلها إلى عناصرها الكثيرة . وفي أوسع صورة يمكن القول بأن الفساد هو سوء استخدام المنصب العام لغايات شخصية ، وتتضمن قائمة الفساد على سبيل المثال لا الحصر ، الرشوة ، والابتزاز ، و استغلال النفوذ والمحسوبية ، و الاحتيال ، و الاختلاس ، واستغلال " مال التعجيل " وهو المال الذي يدفع لموظفي الحكومة لتعجيل النظر في أمر خاص يقع ضمن نطاق اختصاصهم بقضاء أمر معين . وعلى الرغم من أن كثير من الناس ينـزعون إلى اعتبار الفساد خطيئة حكومية ، إلا أن الفساد موجود في القطاع الخاص أيضاً ، بل إن القطاع الخاص متورط إلى حد كبير في معظم أشكال الفساد الحكومي " 1 " .
و أحد التعاريف الهامة الأخرى للفساد هو استخدام المنصب العام لتحقيق مكاسب خاصة مثل الرشوة و الابتزاز ، وهما ينطويان بالضرورة على مشاركة طرفين على الأقل ، ويشمل أيضاً أنواعاً أخرى من ارتكاب الأعمال المحظورة التي يستطيع المسئول العمومي القيام بها بمفرده ومن بينها الاحتيال والاختلاس ، وذلك عندما يقوم السياسيون وكبار المسئولين بتخصيص الأصول العامة لاستخدام خاص واختلاس الأموال العامة ويكون لذلك آثار معاكسة واضحة ومباشرة على التنمية الاقتصادية لا تحتاج تبعاتها إلى مناقشة ، غير أن الأمر يكون أكثر تعقيداً عندما يتعلق بتقديم الأطراف الخاصة للرشوة إلى المسئولين العموميين لا سيما تأثيرها على تنمية القطاع الخاص ، ومن المفيد في بحث أشكال الرشوة النظر فيما يمكن للقطاع الخاص أن يحصل عليه من السياسي أو الموظف العام " 2 " :-
- العقود الحكومية – الامتيازات التي تمنحها الحكومة – الإيرادات الحكومية – توفير الوقت وتجنب الضوابط التنظيمية – التأثير على نتائج العمليات القانونية والتنظيمية .
والفساد وفقاً لتعريف الأمم المتحدة : هو سوء استعمال السلطة العامة لتحقيق مكسب خاص " 3 " . ويتدرج الفساد من الرشوة إلى عمليات غسيل الأموال وأنشطة الجريمة المنظمة وأنشطة المافيا .
ويعرف البنك الدولي الفساد بأنه استغلال المنصب العام بغرض تحقيق مكاسب شخصية(4 ) .
“ The a buse of public offic for private gains “ .
والمنصب العام – كما عرفه القانون الدولي – هو منصب ثقة يتطلب العمل بما يقتضيه الصالح العام.
· ثانياً: أشكال الفساد الإداري
يأخذ الفساد أشكالاً متعددة يأتي في مقدمتها :
1 – استغلال المنصب العام : يلجأ أصحاب المناصب الرفيعة والعليا في الدول النامية إلى استغلال مناصبهم لتحقيق مكاسب مادية ، وهؤلاء يتحولون مع مرور الوقت إلى رجال أعمال أو شركاء في تجارة إلى جانب كونهم مسئولين حكوميين ، يصرفون جل اهتمامهم إلى البحث عن طرق و أساليب تمكنهم من زيادة حجم ثرواتهم الخاصة ، على حساب الاهتمام ببرامج التنمية وتحقيق قدر من الرفاه الاجتماعي لمواطني دولهم.
2 – الاعتداء على المال العام : غالباً ما يقوم بهذا السلوك الفاسد السياسيون والمسئولين الحكوميين ، كسحب قروض من البنوك المملوكة للدولة بفوائد منخفضة ، وتسهيل حصول رجال الأعمال من القطاع الخاص على قروض بفوائد منخفضة وبدون ضمانات مقابل حصوله على جزء من القرض على سبيل الرشوة أو العمولة ، و الاستيلاء على بعض الممتلكات العامة عن طريق التزوير في الأوراق الرسمية أو استئجارها لفترة زمنية طويلة بمبالغ زهيدة .
3 – التهرب الضريبي والجمركي : ويقوم بمثل هذا السلوك الفاسد رجال الأعمال من القطاع الخاص ، فهؤلاء يدفعون الرشاوى للمسئولين الحكوميين بغية حصولهم على تخفيض ضريبي أو إعفاء ضريبي لفترة طويلة نسبياً ، أو تخفيض الرسوم الجمركية أو إعفائهم من دفع الرسوم وفق استثناء أو تلاعب على القوانين ، وفي كثير من الأحيان يقوم هؤلاء المسئولين الحكوميين بتغير مواصفات السلع المستوردة على الورق لتخفيض حجم الرسوم الجمركية الواجب دفعها لخزينة الدولة مقابل حصولهم على رشاوٍ من المستورد وهذا بحد ذاته احتيال وتزوير وتلاعب على القوانين ونهب للمال العام .
4 – الرشوة المحلية والدولية :هذا النوع من الرشوة يدفع لكبار المسئولين في الدول النامية ، فالحكومات تقوم بشراء مواد ومستلزمات من السوق المحلية بكميات كبيرة وتطرح عدداً من المشاريع للتنفيذ من قبل القطاع الخاص وذلك عبر مناقصات يتقدم بها القطاع الخاص المحلي ، والتنافس على مثل هذه المناقصات يدفع بالقطاع الخاص لدفع رشوة لبعض المسئولين الحكوميين للحصول على مثل هذه المناقصات ، ويترتب على مثل هذا السلوك الفاسد للمسئول الحكومي زيادة في أسعار المواد والسلع الموردة وزيادة في القيمة الإجمالية للمشاريع الاقتصادية والخدمية المتوسطة والكبيرة ، حيث يقوم القطاع الخاص بإضافة الرشاوى والعمولات إلى التكاليف مما يؤدي إلى تحميل الدولة نفقات إضافية تصل إلى 25 % من قيمة العقود والمشاريع .
أما فيما يتعلق بالرشوة الدولية فتدفع لقاء قيام حكومة في دولة من الدول النامية بشراء معدات ومستلزمات وتجهيزات تحتاجها من شركة دون أخرى ( المناقصات الدولية لتنفيذ مشروعات ضخمة ، امتيازات التنقيب عن البترول و الغاز والمعادن ، شراء الطائرات المدنية ، والعتاد العسكري الثقيل والخفيف بما فيها الطائرات الحربية ، مناقصات قطاع الاتصالات ، …. إلخ ) .مما يدفع بالشركات الأجنبية إلى دفع عمولات كبيرة للحصول على المناقصات الخارجية والامتيازات في الدول النامية .
5 – تهريب الأموال : يقوم المسئولون الحكوميون في الدول النامية بتهريب الأموال التي حصلوا عليها بطرق غير قانونية و غير شرعية إلى مصارف و أسواق المال في الدول الأجنبية و خاصة أوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية لاستثمارها على شكل ودائع في بنوك تلك الدول لقاء فوائد مرتفعة ، أو بشراء أسهم في شركات أجنبية ، أو شراء عقارات، ويبرر هؤلاء المسئولين هذا السلوك الفاسد بأنه ضرورة تفرضها الأوضاع السياسية المتقلبة باستمرار في الدول النامية ، فهو من وجهة نظرهم تأمين لهم في حال استبعادهم من السلطة مستقبلاً .
6 – وبالإضافة إلى ما ذكرنا يقوم أصحاب المناصب الرفيعة في الدول النامية بتحويل جزء لا يستهان به من المعونات والمساعدات والقروض التي تقدمها الدول الغنية المانحة للمعونات الاقتصادية بهدف تمويل عملية التنمية في تلك الدول إلى حسابات مصرفية خارجية ، بدلاً من إدخالها إلى حسابات البنك المركزي ، وغالباً ما تكون هذه الحسابات بأسماء أبنائهم أو أشخاص تربطهم بالمسئول الحكومي صلة قرابة أو من المقربين . وهذا الاختلاس هو من أسوأ أنواع الاختلاسات نظراً لضرره المضاعف على اقتصاديات الدول النامية .
المبحث الثاني: أسباب الفساد الإداري ودوافعه
الفساد ليس ظاهرة حديثة ، ولا هو مقتصر على البلدان النامية دون المتقدمة ، ومن غير الممكن معرفة مدى انتشار الفساد بشكل دقيق في منطقة ومقارنتها بأخرى ، و إنما يتم ذلك في الغالب بشكل تقريبي ، فمعظم أعمال الفساد تتم بسرية ، ونادراً ما يتم الكشف عن مثل هذه العمليات وخاصة منها تلك التي تتم في الأوساط الرسمية العليا ( فساد القمة – الفساد الكبير ) ، فهذه الأوساط تشكل فيما بينها شبكة تقوم من خلالها بأعمال الفساد وتحيط أعمالها بالسرية التامة ونادراً ما يتم كشفها أو معرفة تفاصيلها .
وتختلف الأسباب التي تؤدي إلى نمو الفساد وانتشاره في البلدان النامية ومنها الدول العربية عنها في الدول المتقدمة ، فالعوامل التي تساعد على نموه في الدول النامية تختلف إلى حد كبير عن العوامل المساعدة على نموه في الدول المتقدمة ، إلا أن طرق ممارسة الفساد متشابهة إلى حد كبير ، وعلاوة على ذلك فإن قدراً كبيراً من الفساد في الدول النامية تشارك فيه الدول الصناعية بصور مختلفة ، فالتنافس بين الشركات متعددة الجنسيات المتمركزة في غالبيتها في الدول المتقدمة على صفقات الأعمال الدولية ، يدفع بهذه الشركات إلى دفع رشاوى ضخمة للمسئولين الحكوميين في الدول النامية للفوز بهذه الصفقات ، ولم تساهم سياسات التحول نحو الديمقراطية والأخذ بسياسات السوق في التخفيف من نمو هذه الظاهرة بل على العكس من ذلك تماماً ساعدت على نموها ، وذلك يعود برأينا إلى عدم مواكبة أو مصاحبة هذا التحول حدوث تطوير في القوانين المعمول بها في تلك الدول وخاصة منها القوانين التي تمكن المسئولين الحكوميين / العموميين من الحصول على رشاوى نظير منح الشركات ( من داخل الدولة أو خارجها ) عقود حكومية أو تسهيلات أو امتيازات داخل الدولة ، أو منح استثناءات و امتيازات لأشخاص من الدولة ذاتها .
· ويمكن إيجاز أسباب نمو وتفشي ظاهرة الفساد في الدول النامية ومنها العربية بالتالي :
1 – تمتع المسئولين الحكوميين ( العموميين ) بحرية واسعة في التصرف وبقليل من الخضوع للمساءلة ، فهؤلاء يستغلون مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية عن طريق قبول الرشاوى من الشركات ( القطاع الخاص ) أو المواطنين نظير حصولهم على امتيازات و استثناءات .
2 – إن الدافع وراء سلوك المسئولين الحكوميين الفاسد هو الحصول على ريع مادي ، ويساعدهم على تحقيق هذا الكسب غير القانوني التدخل الحكومي والقيود والقوانين التي تضعها حكومة ما ، ومن الأمثلة على ذلك قيود التجارة ( الرسوم الجمركية ، حصص الاستيراد ، قائمة المسموح والممنوع استيراده ، إلخ ) والسياسات الصناعية القائمة على المحسوبية والعلاقات الشخصية مثل ( الإعانات والاستقطاعات الضريبية ) وتعدد قواعد تحديد سعر الصرف ، وخطط توزيع النقد الأجنبي ، وتوفير القروض تحت رقابة حكومية"5".
3 – يحصل بعض المسئولين الحكوميين على رشاوى ضخمة رغم عدم وجود تدخل حكومي ، مثلما يحدث في حالة الموارد الطبيعية كالبترول و الغاز ، و إمداداته محدودة بطبيعته ، وكلفة استخراجه أقل كثيراً من سعره في السوق ، ولما كانت الأرباح غير العادية متاحة لمن يستخرجون البترول و الغاز ، فمن الراجح تقديم الرشاوى للمسئولين عن منح حقوق استخراجه" 6 " .
4 – يتفشى الفساد في البلدان النامية والبلدان التي تمر بمرحلة انتقال / التحول ، ولا يرجع ذلك إلى اختلاف شعوب هذه البلدان عن الشعوب في غيرها ، وإنما لأن الظروف مهيأة لذلك ، فالحافز على اكتساب الدخل قوي للغاية ، ، ويتفاقم بفعل الفقر ومرتبات الموظفين المنخفضة والمتناقصة ، وعلاوة على ذلك فإن المخاطر من كافة الأنواع ( المرض ، الإصابات ، البطالة ) مرتفعة في البلدان النامية ، والناس يفتقدون عموماً الكثير من آليات توزيع المخاطر ( بما في ذلك التأمين وسوق العمل جيدة التنظيم ) المتاحة في البلاد الأكثر تقدماً وثراءً "7" .
5 – ولطبيعة المجتمع وبروز أهمية العلاقات الشخصية في الحياة الاجتماعية ، أثر كبير في الفساد في الدول النامية ، وفيما يرى الأوربيون أن المحاباة والمحسوبية هي نوع من الفساد ، فإن الكثيرين في الدول النامية لا يرون ذلك ، ويتساءلون كيف يستطيع شخص من فئة اجتماعية معينة ، متخلفة أو متأخرة أن يلحق بالمنافسين له من فئة اجتماعية أخرى إذا لم يجد عوناً له أو ظهيراً بين الذين ينتمون إلى نفس الفئة الاجتماعية أو الذين تربطهم به صلة قرابة أو نسب " 8 " .
6 – بالإضافة إلى ذلك ، فإن كثيراً من مجتمعات الدول النامية تضم أقليات ثقافية وعرقية ترى نفسها مظلومة وليس لها حظوة فيما يتعلق بمجالات الإدارة العامة المختلفة ، ومثل هذه الأقليات ربما تلجأ إلى ممارسة أساليب الفساد لأنها تمثل في رأيها الوسيلة الوحيدة للحصول على الخدمات التي تحتاجها من أجهزة الإدارة العامة" 9" .
7 – استحداث أو إلغاء قوانين أو سياسات تتحقق عن طريقها مكاسب مباشرة للمسؤولين في الجهاز الحكومي .
8 – احتفاظ الدولة بثروة هائلة – منشآت وممتلكات وموارد طبيعية – وإضفاء المشروعية على سلطتها على مشروعات الأعمال ، حتى ولو كانت خاصة ، مما يعطي المسئولين الحكوميين سلطات استثنائية ، وفرصاً كثيرة لالتماس الرشوة ، ونطاقاً واسعاً لنهب الثروات العامة " 10 " .
9 – يؤدي ضعف المجتمع المدني وتهميش دور مؤسساته في كثير من الدول النامية – الأحزاب السياسية وجماعات المصالح والتنظيمات الاجتماعية المختلفة – إلى غياب قوة الموازنة المهمة في هذه المجتمعات ، مما يساعد على تفشي ظاهرة الفساد واستمرار نموها .
10 – انخفاض الأجر الرسمي للموظفين الحكوميين يغري بالفساد ، والذي بدوره يمثل في غالبية الدول النامية ومنها الدول العربية الحافز الرئيسي للبقاء والتمسك بالخدمة العامة في مؤسسات الدولة المختلفة .
11 – انخفاض المخاطر المترتبة على الانغماس في سلوك فاسد ، فالعقوبة المنصوص عليها في قوانين غالبية الدول النامية لا تشكل رادعاً عن ارتكاب الأعمال الفاسدة ، ناهيك عن أن ضعف الإشراف الحكومي بعيداً عن المركز ، وإضفاء الطابع الشخصي على العلاقات الاقتصادية ، والفضائح المالية ، كل ذلك يمكن أن يؤدي إلى تقويض معايير السلوك الرسمي والخاص على حد سواء ، فمن الصعب معاقبة شخص ما على سوء التصرف إذا كان هناك تصور عام بأن الأشخاص الآخرين ، بما في ذلك كبار المسؤولين يفعلون نفس الشيء ولا يتعرضون للمساءلة والخضوع للمحاكمة " 11 " ، مما يعني انتشار أوسع وفترة انتعاش أطول للفساد في تلك البلدان
12 – هناك عوامل أخرى تتعلق بالإدارة ذاتها فانعدام أو ضعف الأخلاقيات الوظيفية للعمل الحكومي ، وغياب مفهوم المساءلة العامة والمسؤولية ، كلها تؤدي إلى الفساد وتمهد له .
13 – من العوامل أيضاً التي يمكن القول بأنها تهيأ الدول النامية أو بعضاً منها للفساد ، أن هناك أعداداً كبيرة تعمل في القطاع الحكومي والعام الذي له أثر كبير على حياة المجتمع فيما يتعلق بتوزيع السلع والخدمات ، وكلما كبر حجم القطاع العام واتسعت مجالات عمله وتخصصه ازداد الميل نحو الفساد ، وهذا يؤدي إلى بيروقراطية ذات توجهات تعنى بالتوزيع لا بالإنتاج .
14 – تغير نظرة المجتمع للأشخاص الذين يقومون بأعمال الفساد من رشوة واختلاس والاحتيال ونهب المال العام والخاص .
15 - أدى التغاضي عن معاقبة كبار المسئولين المتهمين بالفساد واستغلال المنصب العام إلى انهيار منظومة القيم الأخلاقية في تلك الدول .
16 – أدى هذا التغاضي وانتشار الفساد على نطاق واسع ، إلى استخفاف أفراد المجتمع بالقوانين المعمول بها في مختلف المجالات الحياتية والتنظيمية ، وإلى تغير النظرة العامة لشرعية الأنظمة الحاكمة في تلك الدول .
17 - يتفشى الفساد أيضاً عندما تتوفر لكبار الموظفين ورجال السياسة حصانة تحميهم من الملاحقة " 12 " والخضوع للمساءلة .
المبحث الثالث: الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على الفساد الإداري
تحدثنا في الصفحات السابقة عن صور ومظاهر الفساد وعن أسبابه ودوافعه ، وكان من الطبيعي أن يكون لانتشار هذا السلوك الفاسد والمدمر آثاراً سلبية على مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الدول النامية ، وهي آثار تتبدى على المدى المتوسط ، ومعرفة هذه الآثار وانعكاساتها السلبية على اقتصاديات تلك الدول يخلق وعياً لدى شعوب الدول النامية ويحفز القوى المختلفة في المجتمع من أحزاب سياسية وتنظيمات ومؤسسات على محاربة هذه الظاهرة ومعاقبة رموزها ، ويمكن تسجيل ورصد الآثار التالية :
1 - يؤثر الفساد على أداء القطاعات الاقتصادية ويخلق أبعاداً اجتماعية لا يستهان بها . وقد أظهرت الأبحاث في هذا المجال أنه يضعف النمو الاقتصادي ، حيث يؤثر على استقرار وملاءة مناخ الاستثمار ويزيد من تكلفة المشاريع ويهدد نقل التقنية ، ويضعف الأثر الإيجابي لحوافز الاستثمار بالنسبة للمشاريع المحلية والأجنبية وخاصةً عندما تطلب الرشاوى من أصحاب المشاريع لتسهيل قبول مشاريعهم ، أو يطلب الموظفون المرتشون نصيباً من عائد الاستثمار . وفي هذا الصدد يعتبر الفساد ضريبة ذات طبيعة ضارة وبشكل خاص معيقة للاستثمار ، ويزيد من حدة المشكلة الطبيعة السرية للرشوة وعدم التأكد مما إذا كان الموظفون الذين يتقاضون الرشوة سينفذون دورهم في الصفقة أم لا ، ومع ازدياد الفساد يقوم المستثمرون بإضافة المدفوعات الناجمة عن الرشاوى والعمولات إلى التكاليف مما يرفع التكلفة الاجتماعية للمشروعات ويخفض العائد على الاستثمار . " 13 "
2 - يؤدي الفساد إلى إضعاف البنية الأساسية والخدمات، ويدفع ذوي النفوس الضعيفة للسعي إلى الربح غير المشروع عن طريق الرشاوى بدلاً من المشاركة في الأنشطة الإنتاجية ، ويحد من قدرة الدولة على زيادة الإيرادات ، ويفضي إلى معدلات ضريبية متزايدة تجبى من عدد متناقص من دافعي الضرائب ، ويقلل ذلك بدوره من إيرادات الخزينة /الدولة ومن ثم قدرتها على توفير الخدمات العامة الأساسية، كما يضعف من شرعية الدولة وسلطتها." 14 "
3 - يقوم الفساد بتغيير تركيبة عناصر الإنفاق الحكومي، إذ يبدد المسئولون المرتشون موارد عامة أكثر على البنود التي يسهل ابتزاز رشاوى كبيرة منها مع الاحتفاظ بسريتها، ويلاحظ أن الأجهزة الحكومية التي ينتشر فيها الفساد تنفق أقل على الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، وتتجه إلى الإنفاق بشكل أكبر على مجالات الاستثمار المفتوحة للرشوة. "15 "
4- ترفع الرشوة من تكاليف الصفقات وعدم التيقن في الاقتصاد .
5 - يضعف الفساد من شرعية الدولة ، ويمهد لحدوث اضطرابات وقلاقل تتهدد الأمن والاستقرار السياسي في الدول النامية
6 - يؤثر الفساد على المبادرة والابتكار ويضعف الجهود لإقامة مشاريع استثمارية جديدة
7 - تنطوي الرشوة على ظلم ، إذ أنها تفرض ضريبة تنازلية تكون ثقيلة الأثر بشكل خاص على التجارة والأنشطة الخدمية التي تضطلع بها المنشآت الصغيرة . " 16 "
8 - يقود الفساد إلى التشكيك في فعالية القانون وفي قيم الثقة والأمانة إلى جانب تهديده للمصلحة العامة من خلال إسهامه في خلق نسق قيمي تعكسه مجموعة من العناصر الفاسدة أو ما يسمى Public bads وهو ما يؤدي إلى ترسيخ مجموعة من السلوكيات السلبية . " 17 "
9 - وعلى صعيد آخر يؤثر الفساد على كل من العدالة التوزيعية والفعالية الاقتصادية نظراً لارتباطه بإعادة توزيع أو تخصيص بعض السلع والخدمات ، حيث يسهم الفساد في إعادة تخصيص الثروات لصالح الأكثر قوة ممن يحتكرون السلطة . " 18 "
10 - تتبدى أهم مخاطر الفساد في تغييرها للحوافز والدوافع السلوكية بحيث تسود نوع من الأنشطة غير الإنتاجية الساعية إلى الربح السريع إلى جانب إهدار جانب من الطاقات الإنتاجية المحتملة من خلال جهود ملاحقة ومتابعة الفساد التي تستأثر بجانب كبير من الموارد"19".
11 - يزيد الفساد من سلطة الأثرياء ويوسع الفجوة بين الطبقات ، ويؤثر سلباً على الشريحة الفقيرة من المجتمع ويزيد من نسبة المهشمين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً .
المبحث الرابع: استراتيجيات الحد من الفساد الإداري والحلول المقترحة
· أولاً: استراتيجيات الحد من الفساد
تحولت قضية الفساد في الدول النامية من مجرد قضية تحظى باهتمام الحكومات المحلية إلى قضية تحظى باهتمام الدوائر السياسية والحكومية والهيئات والمؤسسات الدولية، و أخذت هذه القضية تشغل حيزاً مهماً في سلم الأولويات الحكومية وفي برامج الأحزاب السياسية ، نظراً لما يترتب على تفشي هذه الظاهرة من آثار سلبية بالغة الضرر بالمجتمع ككل .
وقد وجدت الحكومات والمؤسسات والهيئات الاجتماعية المحلية والمنظمات والمؤسسات الدولية أن علاج هذه الظاهرة والقضاء عليها أو محاصرتها على الأقل لا يمكن أن يحدث بدون اعتماد استراتيجية متعددة الجوانب ، فالفساد لا يمثل ظاهرة منعزلة عن الإطار المجتمعي الذي ينمو فيه بل هو عرض لمشكلات قائمة ، لذلك فإن أي استراتيجية لا تأخذ بعين الاعتبار الأسباب التي أدت وساعدت على نمو وتفشي هذه الظاهرة ، والآليات التي تساعد على إعادة إنتاجه في مرافق ومناحي الحياة المختلفة لن تكون استراتيجية ناجحة ، من هنا نرى ضرورة أن تتضمن استراتيجيات مواجهة الفساد ومحاربته حلول منطقية للأسباب التي أدت إلى تفشيه ونموه في المجتمع ، فبدون هذه الحلول لا يمكن أن تكون الاستراتيجية الموضوعة سواء أكانت محلية أم دولية فاعلة ومؤثرة في محاصرة الفساد والحد من انتشاره . والجوانب التي يجب أن تشملها هذه الاستراتيجية هي :
أ – الجانب الاقتصادي :
تتمثل أبعاد هذه الاستراتيجية فيما يلي " 28 " :
1 – الشفافية في العمليات الحكومية : تعد الشفافية في العمليات الحكومية أمراً ضرورياً لسلامة المالية العامة وحسن الحكم والإدارة والنـزاهة والحد من الفساد . ويمكن تعريف الشفافية على أنها " الانفتاح على الجمهور العريض فيما يتعلق بالهيكل والوظائف التي تقوم بها الحكومة، ومضمون سياسات المالية العامة ، وحسابات القطاع العام والتوقعات . ولعل هذا التعريف يثير ما يلي :
- أن شفافية المالية هي شرط أساسي لسلامة السياسة المالية والاقتصادية فنشر وثيقة الميزانية التي يتم عرضها بوضوح في الموعد المناسب ، يضفي الانضباط على العمليات الحكومية ، وعلى العكس من ذلك فإن الممارسات التي لا تتمتع بالشفافية يمكن أن ينتج عنها تبديد موارد المالية العامة .
- من شأن شفافية المالية العامة تعزيز ثقة المواطنين في حكومتهم ، بينما تؤدي ممارسات المالية العامة التي لا تتمتع بالشفافية إلى عدم الاستقرار وسوء تخصيص الموارد ، وتفاقم عدم المساواة .
- تعتبر الشفافية أمراً حيوياً بالنسبة للعمليات الحكومية فيما يتعلق بعملية الموازنة والإدارة العامة والسياسة الضريبية وعمليات تمويل الدين ، وتتطلب الشفافية تصنيف البيانات الخاصة بالعمليات الحكومية والملكية والالتزامات " 29 " .
2 – المساءلة : يشكل مبدأ المساءلة قيداً على سلوك القائمين على شؤون السلطة ويلزمهم باحترام حقوق ورغبات المواطنين . وهو مبدأ أصيل من مبادئ الديمقراطية ، ولكي يتم تفعيل هذا المبدأ لا بد من اتباع عدد من الخطوات يتمثل أهمها فيما يلي :
- الخصخصة السريعة والشفافية والتحرر وتفكيك احتكارات الاقتصاد يمكن أن تسهم كثيراً في تقليل نطاق الفساد وإعادة هيكلة الحوافز .
- منح رواتب أعلى للموظفين العموميين يقلل من قيمة الرشاوى .
- تبسيط اللوائح والضرائب وتوضيح حقوق الملكية يقلل من فرص تقديم الرشاوى ويساعد الشركات الاستثمارية على الاستمرار بدون اللجوء للفساد .
- دعم آليات الإشراف والتظلم وتقليل احتكار المسئولين لسلطة منح الموافقات .
- القيام بحملات توعية عامة ومحاولات جادة للتشهير بفساد المستويات العليا ومعاقبته ، مما يؤدي إلى زيادة المخاطر المترتبة على الفساد ، وتقليل الفرص المتاحة .
ب – الجانب الإداري :
تبدأ الخطوة الأولى على طريق مكافحة الفساد الإداري بالحاجة إلى إحداث تغييرات إدارية وإصلاحات داخلية في قطاعات الخدمة العامة ، على أن تأخذ هذه الإصلاحات بعين الاعتبار عدداً من العوامل بما يمكنها من التعامل بشكل فعال مع الفساد الإداري وهي : " 30 "
1 - اعتماد سياسة التدوير الوظيفي Job rotation كلما كان ذلك ممكناً .
2 – إعادة النظر في أوضاع العاملين في القطاع الحكومي .
3 – التركيز أثناء التدريب للخدمة العامة على أخلاقيات الوظيفة العامة والمسؤولية العامة.
4 – المساءلة ، ووضع عقوبات صارمة ورادعة للمخالفين .
5 – إنشاء وحدات رقابية في المؤسسات الحكومية .
6 – منح الموظفين العموميين الذين يبلغون عن القيام بالأعمال المحظورة من جانب زملائهم أو من جانب الجهات التي تتعاقد معها الحكومات مكافآت مالية " 31 " .
7 – أثبتت تجارب بعض الدول التي حققت نجاحاً نسبياً في الحد من الفساد أنه عند تصميم برامج الإصلاح الإداري ينبغي التعامل مع مجالين أساسين من مجالات العملية البيروقراطية في قطاع الخدمة المدنية هما :
- مقارنة الإجراءات الإدارية الرسمية ، كما هي محددة في السياسات والتشريعات والتعليمات ، بالإجراءات الإدارية غير الرسمية كما تتم في الواقع العملي بهدف إيضاح الفجوة بين ما ينبغي أن يكون وما هو كائن على صعيد الممارسة . وكلما كانت الفجوة كبيرة زادت المساحة الممكنة للفساد ، والعكس صحيح . إن تضييق الفجوة بين الإجراءات الرسمية وغير الرسمية أمر يدعم الجهود المبذولة لمكافحة الفساد .
- مراقبة وتنظيم عملية اتخاذ القرارات وتوزيع العمل على الموظفين بشكل مدروس ، و تطوير نظم المساءلة بهدف الحد من ممارسات الفساد وتحسين الخدمات الحكومية .
8 – إصلاح نظام الاستخدام والترقية الوظيفي للأفراد العاملين في القطاع الحكومي على أساس الكفاءة ، على أن يتم ذلك وفق معايير عادلة وموضوعية ، لا على أساس القرابة أو الانتماءات السياسية و الحزبية .
كذلك يمكن استخدام واستثمار العديد من الآليات لتطوير أداء القطاع العام وتضييق نطاق الفساد وممارساته ، ومن أكثر هذه الآليات تكلفة وربما أكثر فعالية هي إنشاء هيئة خاصة لمكافحة الفساد ، ومع ذلك فإنه يجب التأكيد على أهمية توافر الإرادة السياسية لمكافحة الفساد أو السيطرة عليه بشكل فعال .
ج – الجانب الاجتماعي :
في هذا الجانب من الاستراتيجية هناك حاجة شديدة إلى :
1 – إحداث تحول حقيقي في النظام الاجتماعي نفسه بحيث يتضمن إقرار القيم الديمقراطية .
2 - رفع الحظر والرقابة على عمل مؤسسات المجتمع المدني المختلفة ، والترخيص لتأسيس هذه المؤسسات نظراً لدورها الفاعل والمؤثر في محاربة الفساد .
3 – تعديل القوانين المعمول بها في محاسبة مرتكبي جرائم الفساد المختلفة ، بحيث تكون العقوبة المعنوية والمادية رادعة وشديدة لحماية المجتمع من المخاطر المرتبة على تفشي هذه الظاهرة .
4 – التنديد بالفساد وفضح رموزه عبر وسائل الإعلام المختلفة ، وخلق رأي عام معارض للفساد داخل المجتمع المحلي .
5 – رفع المستوى المعيشي للموظفين العموميين ، مما يفسح المجال لمحاسبة الموظفين ذوي السلوك الفاسد و مكافئة الموظفين ذوي الكفاءة والذين يتمتعون بحس عالي بالمسؤولية والجدية في العمل ، مما يساعد على زيادة درجة الحصانة إزاء الفساد والمفسدين ، وبما يساعد على القضاء على ما يسمى " الفساد الصغير " 32 " .
د - الجانب السياسي :
إن أي استراتيجية تعتمد سياسات إصلاحية على المستويين الاقتصادي والإداري بمعزل عن الإصلاحات السياسية هي استراتيجية ناقصة البنيان ولن تمهد لترسيخ دعائم الإدارة الجيدة لشؤون الدولة والمجتمع . وقد سبق وأن ذكرنا أن الشروط السياسية للتنمية الاقتصادية تتضمن مجموعة من المفاهيم لا يمكن أن تتحقق التنمية والديمقراطية بدونها وهذه المفاهيم هي الشفافية والمساءلة وحسن الحكم ، وفي ظل غياب هذه المفاهيم يستفحل الفساد وتزداد المشكلات الناجمة عنه وتستحيل مكافحته خاصة في الدول التي تنتهج سياسة التحول إلى اقتصاد السوق حيث يشكل هذا التحول – في بدايته مع غياب إصلاحات إدارية وسياسية – بيئة مناسبة لنمو الفساد ، ومن هنا جاءت الدعوة إلى ضرورة تبني استراتيجية ذات أبعاد سياسية للحد من الفساد ، ويتمثل أهم هذه الأبعاد فيما يلي :
1 – تعزيز الديمقراطية والخضوع للمساءلة : يمكن أن يمثل تعزيز الديمقراطية بعناصرها المختلفة ، والتي يأتي على رأسها احترام القانون ، والإبقاء على الحدود بين الدولة والمجتمع ، ووجود أحزاب سياسية فعالة ، ومجتمع مدني قوي ، وثقافة ديمقراطية شعبية تبرز اهتماماً بالديمقراطية والتعددية . وتمثل الديمقراطية بهذا المعنى قيداً على نمو الفساد ، و إن كانت لا تشكل ضماناً ضد ممارسة الفساد .
2 – التأكيد على استقلالية القضاء وفاعليته : لكي تزدهر الاقتصاديات فإنها تحتاج إلى ترتيبات مؤسسية لفض المنازعات ، وتوضيح أوجه الغموض في القوانين والتنظيمات ، وإلى الالتزام بالقانون ، والقضاء وحده هو الذي يملك استخدام قدرة الدولة على الإرغام في تنفيذ الأحكام ، كما أنه هو الوحيد الذي لديه القدرة على الحكم على مشروعية إجراءات السلطتين التشريعية والتنفيذية . ولا بد أن يتوفر للسلطة القضائية ، لكي تضطلع بهذا الدور ، ثلاثة شروط رئيسية ، وهي : الاستقلال ، وسلطة تنفيذ الأحكام والتنظيم الفعال .
3 – الفصل بين السلطات : كلما اتسع نطاق الفصل بين السلطات ازداد بالتالي عدد الخطوات والإجراءات التي يجب إتباعها لتغيير أية التزامات مستندة إلى القانون ، ولذلك فإن الفصل بين السلطات يزيد من الثقة في القواعد المعمول بها . فقد يكون في استطاعة السلطة القضائية تنفيذ القوانين ، ولكن إذا كان الجمهور لا يثق كثيراً في استمرار استقرار هذه القوانين ، فإن مصداقية الدولة يمكن أن تضعف . والآلية الدستورية للحد من التغييرات التشريعية هي الفصل الأفقي بين السلطات ( تشريعية –تنفيذية – قضائية ) أو الفصل الرأسي ( سلطات مركزية – سلطات محلية ) " 33 " .
4 – الإقرار بمبدأ التداول السلمي للسلطة : ويقوم هذا المبدأ على التسليم بإمكانية تبادل المواقع بين الحكومة والمعارضة ، على نحو ما هو مطبق في اليابان وأوربا الغربية والولايات المتحدة ، والهند و غيرها ، ففي هذه النظم لا توجد حكومة دائمة ولا معارضة دائمة ، وإنما يتم تبادل المواقع بين الحكومة والمعارضة من حين لآخر وذلك طبقاً لنتائج الانتخابات .
5- احترام حقوق الإنسان المدنية والسياسية .
6 – منح مؤسسات المجتمع المدني حريات الرأي والتعبير والاجتماع ، وأهم هذه المؤسسات هي الأحزاب السياسية ، وتبدو أهمية تعدد الأحزاب في أهمية جعل المعارضة منظمة فممارسة الحريات والحقوق السياسية لا يمكن تحقيقها دون تنظيم والأحزاب هي التي تتولى ذلك التنظيم . ويمكن لهذه الأحزاب السياسية أن تلعب دوراً مهماً في مكافحة الفساد ، فالتنافس بين هذه الأحزاب يُمكن الشعب من محاسبة ومحاكمة الحكام الفاسدين .
· ثانياً: بعض الحلول المقترحة
يعتبر الفساد نتاجاً لتضافر مجموعة من العوامل السياسية و الاقتصادية و المؤسسية ، و عليه فإن أية حلول مقترحة يجب أن تغطي جميع هذه الجوانب ، وفيما يلي بعض الحلول المقترحة التي من الممكن من خلال العمل على تنفيذها الحد من تنامي ظاهرة الفساد وتفشيها في المجتمع :
1 - توعية المواطنين بالآثار السلبية للفساد على عملية التنمية بمختلف جوانبها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية عبر وسائل الإعلام المختلفة المرئية و المسموعة و المكتوبة .
2 – التشهير برموز الفساد وخاصة أصحاب النفوذ و السلطة و المناصب الرفيعة .
3 – إنشاء هيئة مشتركة حكومية شعبية تابعة في مرجعيتها لمكتب رئيس الدولة لتجنب حدوث تدخلات وضغوطات من أطراف مختلفة ، وظيفتها مكافحة الفساد في المؤسسات الحكومية المختلفة ويمكن في هذا المجال الاستفادة من تجارب دول عديدة في هذا المجال مثل كوريا الجنوبية و سنغافورة و ماليزيا ( وكالة مكافحة الفساد ) و الهند ( مكتب مكافحة الفساد).
4 – تعريف المواطنين من خلال اللوحات التعريفية و الإرشادية في كل مؤسسة حكومية مدنية أو أمنية وخاصة أقسام الشرطة و الجوازات و مفارز الحدود و الجمارك و مجالس المدن و البلديات ومصالح الضرائب و المصالح العقارية و البريد .... ، بما لهم من حقوق وما يترتب عليهم من واجبات منعاً للابتزاز الذي يتعرض له المواطن ، وقد يكون للجهود التي تبذلها الحكومات في بلورة تجربة الحكومة الالكترونية إلى حيز الوجود حلاً لبعض ما يعانيه المواطن في الدوائر الرسمية المختلفة.
5 – تبسيط القوانين وجعلها أكثر شفافية ووضوحاً و إزالة الغموض الذي يفسح المجال لتأويل وتفسير القوانين حسب مقتضيات مصالح فئة دون أخرى .
6 – تشديد العقوبة على من يثبت تلقيه لرشوة أو ابتز مواطناً أو شركة مقابل تقديم خدمات أو منح ترخيص أو امتياز مخالفاً بذلك القوانين و اللوائح المعمول بها الناظمة لعمل المؤسسات الحكومية المختلفة في تعاملها مع الغير ، على أن ترقى هذه العقوبة في تدرجها إلى عقوبات الخيانة العظمى أو عقوبة الاتجار بالمخدرات ، كون ما يترتب على الفساد من آثار سلبية من آثار مدمرة لا تقل خطورة عن الآثار المترتبة على خيانة الوطن أو الاتجار بالمخدرات ، إن توقع العقوبة القاسية غالباً ما يردع الفساد .
7- تفعيل دور البرلمانات و المجالس المحلية و البلدية المنتخبة ديمقراطياً و مؤسسات المجتمع المدني في مجال مكافحة الفساد .
8 - زيادة دخول المواطنين إلى درجة تكفل لهم حياة كريمة ، ويمكن توفير اعتمادات ومستحقات هذه الزيادة من خلال ترشيد الإنفاق الحكومي وخاصة منه التفاخري الترفي/البذخي غير الموجه لتمويل مشاريع استثمارية و إنمائية ، ومن الوفر المالي الذي كان عرضة للنهب و الاختلاس وهي مبالغ ضخمة ، ومن حصيلة ما سيتم استرداده من الأموال العامة التي تعرضت للنهب و السرقة من قبل موظفي الصف الأول و الثاني وحتى الثالث على نحو مطالبة نيجيريا و اندونيسيا و غيرها بأموال زعمائها و مسئوليها السابقين ، كذلك يمكن تأمين مستحقات هذه الزيادة من إصلاح نظام الضرائب و الحد من ظاهرة التهرب الضريبي و المتأخرات ومن خلال الحد من الهدر في المؤسسات الحكومية .
9 – العمل على إيجاد صيغة قانونية تنص صراحة على منح عفواً من العقوبة ومكافأة مالية لمن يبلغ عن حدوث صفقة فاسدة أو أعمال محظورة في أي مؤسسة حكومية .
10 – تمثل الخصخصة أحد الحلول المساعدة في محاصرة الفساد و تحجيمه و الحد من تناميه في الدول النامية ومنها العربية .
المبحث الخامس: حالة تطبيقية للفساد الإداري (العراق)
· أولاً: توصيف الفساد في العراق
يعد العراق في الوقت الحاضر من أكثر دول العالم فساداً على الإطلاق. وقد وضع أسس هذا الفساد النظام البعثي البائد، حيث أفراد النظام العراقي البائد يمارسون الفساد بكل أنواعه ويشجعون على ممارسته. وبعد إسقاط نظام الحكم الدكتاتوري، وذلك بعد احتلال العراق كانت آمال معظم أفراد المجتمع تتمثل بالتخلص من مظاهر الفساد في هذا البلد. ولكن المفاجأة تمثلّت في زيادة الفساد واشتداد حدته وتوسع دائرة انتشاره.
إن الفساد الإداري والمالي لم يطرق الأبواب بشكل مفاجئ وإنما هو إحدى المشاكل التي انتقلت من النظام السابق إلى النظام القائم، وكان لا يمكن لأحد أن يتحدث في هذا الجانب لعدم وجود مجال لحرية النقد عن كل ما من شأنه المساس بسمعة ذلك النظام أو أمنه فأنظمة الحكم والحكومات (السابقة والحالية) تتحمل مسؤولية الفساد المنتشر في العراق، مثلما تتحمل مسؤولية سرقة سلطات الاحتلال لمليارات الدولارات من الأموال العراقية. فلا تزال الصحافة العراقية تسكت عن ظاهره الفساد المنتشرة في العراق وصرف مبالغ طائلة من الأموال العراقية. كما أن أمريكا لم تصرف غير (600) مليون دولار من مجموع (18.4) مليار دولار، كان قد خصصه الكونغرس لإعادة أعمار العراق. فضلاً عن أن السبب الرئيسي وراء عدم استعداد الدول المانحة لتحويل ما يقارب من (39) مليار دولار خصصت لإعادة أعمار العراق، هو الفساد المنتشر في العراق، إذ لا ترغب أية دولة في هدر أموال دافعي ضرائبها"34".
إن ظاهرة الفساد في العراق أصبحت أشبه ما تكون بمسلسل لا حدَّ لحلقاته، تمثل في الآن نفسه سبباً ونتيجة حتمية لتلك الخصائص التي تميزت بها الدولة العراقية. فالفسـاد يمثل في حقيقته آلية من آليات التسيير السياسي في الدولة العراقية على امتداد عمرها، وهي آلية تمكنت من التغلغل في الأوساط المختلفة، ومن صنع قنوات خاصة أصبحت صعبة المحاصرة وعصيّة الاقتلاع، لأن للفساد أصحابه وأنصاره والمستفيدين منه، والذين يبذلون كل ما في طاقاتهم كي يبقى آلية قوية وفاعلة في المجتمع.
والفساد الإداري ضارب بأطنابه في هياكل السلطة. ومع انه موروث من أيام النظام البعثي السابق، إلا أن الحقيقة المؤلمة هي أن الورثة زادوا الطين بلّـة. ولهذا صار من الضروري فتح باب الفساد الإداري بأثر رجعي رجوعاً إلى يوم 9 أبريل (نيسان) 2003 وما بعده، مروراً بسلطات الاحتلال، ومجلس الحكم، والوزارتين السابقتين. ولا ضرر في ذلك، بل النفع كله، ذلك إن معظم وزارات الدولة ومؤسساتها يستشري فيها الفساد ويعيث بها فاسدون ينهبون ويستبيحون بطرق مختلفة أموال المجتمع وممتلكاته. لأن البلد بحاجة إلى تطهير جهازه الإداري، ممثلاً بكل الأجهزة الحكومية، وعلى أعلى المستويات، حفاظاً على المال العام، وصيانة للثقة الشعبية، وتشجيعاً للمواطنين على السير في طريق النزاهة المالية والإدارية. ولهذا أسست مفوضية النزاهة في هذا البلد. ولكن من يضمن أن محاربي الفساد لن ينحرفوا ولن يصابوا بمرض الفساد الإداري.
· ثانياً: البعد التاريخي لظاهرة الفساد
ثمة حرب جديدة تلوح في الأفق ضد الفساد، لا سيما في العراق، ولعل انبعاثها يعود إلى وتيرة التحولات والمتغيرات التي لم تعد تستسيغ ذاك البطء المعهود، الذي اخذ مكانه الفسيح في العقود الفائتة. وهو ما ساهم ـ بالتأكيد ـ في تفاقم وتضخم حالات الفساد طيلة السنوات الماضية، فلم تلبث أن تحولت إلى ظاهرة استشرت في بلدنـا مبلورة سمة تنفرد بها الدولة العراقية ومؤسساتها (إن كان لديها مؤسسات) عن غيرها من الأنظمة والحكومات.
على أن هذا لا يعني أن الوباء ليس مستشرياً في البلدان الأخرى سواءً كانت بلداناً نامية أو صناعية، بقدر ما أن الدول النامية، والعربية منها تحديداً، بزت الكل لتتبوأ المراتب الأولى، واحتل العراق فيها المرتبة الأولى، وهي بمثابة التميز الذي يشير إلى الفضح والانكسار. وليس من جديد في القول إن طبيعة الأنظمة الحاكمة في الدول العربية ـ والعراق منها ـ ساعدت على نمو وتكريس هذا المناخ الملوث، وذلك بدعم بعض الوجوه واستغلال دورها (حتى آخر قطرة) لتحقيق مآربها، غير انه في حال انكشافها، فإنها سرعان ما تكون كبش الفداء وبالتالي يجري البحث عن وجوه جديدة لتكمل المسيرة.
هذه الآلية منتجة وفاعلة في مجتمعات تفتقد إلى الحد الأدنى من هامش الحرية وآلية (المأسسة)، وغياب مفاهيم الديمقراطية وضمانات حقوق الإنسان، وتهميش دور المثقف، وتجهيل المجتمع، مما يؤدي بالتالي إلى نمو الفساد على كل الأوجه والمستويات ويتمخض عن ذلك قضاء غير مستقل، وصحافة هشّة، وحالة فقدان ثقة تصيب شرائح المجتمع إزاء نظامها وحكومتها وحتى ذاتها. فالسلوك قد يكون منتجاً فردياً، لكن تأثيره شامل وجمعي، وبالتالي فان هذه الأحاسيس التي يشعر بها أفراد المجتمع وتدخله في حالة من الاكتئاب والإحباط من جراء استشراء الفساد، ما هي إلا إفرازات لحالة من السلوكيات التي تعكس واقعاً ملموساً في الشارع العراقي، بحيث صار من الوضوح بمكان أن تلمح سوء التواصل بين المواطنين أنفسهم، أو بين المواطنين والحكومات والمؤسسات الاجتماعية، والتي تأخذ أشكالا متعددة، منها الازدراء والسخرية والاستخفاف، وفي ظل هذا المشهد القاتم، يكتوي الإنسان العراقي بنار الصراعات الداخلية "35".
لقد اعتبر تقرير منظمة الشفافية الدولية السنوي الرابع حول انتشار الفساد في العراق مثالاً واضحاً على الفشل الأخلاقي الذي مُني به المجتمع الدولي في مكافحة الرشوة والفساد، تارة بسبب فضيحة برنامج النفط مقابل الغذاء، وأخرى بسبب عدم الالتزام بأدنى مقومات الشفافية في مشروعات إعادة أعمار العراق بعد الحرب. ففي الحالة الأولى، رأى التقرير أن مصداقية المجتمع الدولي للعب دور أكبر في كبح جماح الفساد، تعتبر مصداقية مجروحة، بعد ما شهده العالم من فضيحة النفط مقابل الغذاء.
أما في الحالة الثانية، فرأى التقرير أن تصميم المشاريع تم بطريقة لا تمكن الشركات الصغيرة من الدخول في دائرة المنافسة، واستيلاء شركات مقربة من أشخاص لهم صلة بدوائر الحكومة الأمريكية على أكثر العقود وأهمها. وأكد التقرير أن عدم الالتزام بمقومات الشفافية في عملية إعادة أعمار العراق، أدى إلى انتشار الفساد على مستوى كبير، وعزى ذلك إلى تدفق الأموال بشكل مفرط دون إجراءات صرف وفق الأصول، وعدم وجود نظام بسيط لحصر ما تم العثور عليه في الوزارات والمصالح الحكومية بعد انهيار نظام (صدام حسين)، إضافة إلى ميراث المجتمع في العراق من الفساد، بسبب سيطرة الحكومة السابقة على الاقتصاد. كما رأى التقرير أن ما يفرضه نادي باريس، من ضرورة تخصيص الشركات الحكومية العراقية بسرعة كبيرة، كشرط لإعادة جدولة ديون العراق، "قد يفسح مجالاً أوسع لفرص ممارسة عمليات فساد "36".
· ثالثاً: ظاهرة الفساد ومتغيرات الواقع
تعد مظاهر الفساد الاجتماعي عامة، ومظاهر الفساد الإداري بشكل خاص أنماط من الفعل الإنساني الذي يحمل في أشكاله المتنوعة دلالات اجتماعية تختلف في المجتمع الواحد بين أوقات مختلفة. وتختلف بين المجتمعات المتعددة في الوقت الواحد، وتزداد مظاهر الفساد مع ضعف القيم الأخلاقية والدينية وغياب مظاهر الضبط الاجتماعي، وضعف فعاليته، وهي تتناقص مع انتشار القيم الأخلاقية والدينية وقوة الضبط الاجتماعي. و بناء على تصورات التحليل البنيوي السابق، يمكن إيجاز عناصر الإطار التحليلي لدراسة مظاهر الفساد في العراق على الشكل التالي:
1) خلل في النسق السياسي.
2) خلل في النسق الاقتصادي .
3) خلل في النسق السوسيوثقافي.
ولكن هذه الاختلالات تباينت في الحجم والنوع بينها في فترة لأخرى.
· الفساد الإداري لنظام صدام:
تميز الفساد الإداري لنظام صدام بالمركزية المدعومة بالمؤسسات الأمنية و المخابراتية والجهاز الحزبي و لهذا يمكن أن نعتبر الفساد الذي يدار من قبل صدام وعائلته كان موجها ومنظما ومحصورا بالجهات التي يرغب أن تزاوله من قبله.
ويمكن أن نقسم الجهات التي كانت مسموحا لها بالتلاعب بمقدرات البلد دون أي رقابة إدارية و قانونية مسئولة هي :
- الإمبراطورية المالية لصدام :
قدرت الدوائر المالية و بعض الصحافة العالمية ثروة صدام ما بين 4الى40 مليار دولار وسبب هذا الاختلاف هي السرية الصارمة على كل الخلايا التي تدير هذه الإمبراطورية المالية، وهذا ما يعني عدم مصداقية المعلومات المطروحة على أرض الواقع مما يدعو للشك في الذمة المالية "37".
- الجيش العراقي :
هو إحدى المؤسسات التي كان مسموحا لها في عملية الفساد الإداري و كانت تتلخص في:
1. عملية السلب و النهب الذي قام به أفراد الجيش حين قام بالغزو على إيران والكويت.
2. ابتزاز الجنود بالمبالغ و الرشاوى مقابل منحهم بعض الجازات و نقلهم إلى بعض الأماكن الأمينة.
3. السيطرة على بعض الممتلكات و المزارع للعوائل المعارضة للنظام و التي صودرت من قبل صدام.
4. سرقة أرزاق الجنود أو التواطؤ مع المقاولين المسئولين عن ذلك مقابل مبالغ كبيرة.
5. سرقة الأسلحة و الاعتدة والبطانيات وغير ذلك من أموال الجيش التي يمكن أن تباع في السوق أو للمواطنين .
- الفساد الإداري لحزب البعث:
قاعدة حزب البعث كانت تقدّر ب 2 مليون شخص، حوالي 50,000 هم كوادر تعمل كقادة، و معلمين و دائرة الرقابة. الحزب هو عبارة عن جهاز خليوي مقسّم إداريا من خليات سكنية مبنية من 2 إلى 7 أشخاص، وفرق حزبية في المصانع و المكاتب و المدارس و الأحياء المدنيّة، البلدات الكبيرة و المناطق القروية وقد شمل الفساد لهذا الحزب بهدر خيرات العراق و التصرف بها لرؤية الحزب و التي منها :
1. جعل 5% من نفط العراق في ميزانية خاصة تكون تحت تصرف القيادة القومية و القطرية لحزب البعث.
2. الأموال التي سرقت على يد حزب البعث و قياداته قدرت بعشرات البلايين من الدولارات. هذه الثروة تم حشدها على مر عشرات السنين من خلال عدم المحاسبة و عدم إعاقة المسئولين البعثيين الذين أخذوا أحسن النصائح من وسطاء محترمين، بنوك، محاميين دوليين، محاسبين، خبراء مخفيي الهوية بالذريعة و عن طريق غسيل الأموال وتم تأسيس شركات وهمية في بعض الدول العربية و التي تستخدمها ألان غطاء لعمليات الفوضى في العراق.
3. (الولاء مقابل النفط) هي اكبر عملية فساد قام بها النظام و الجهاز الحزبي وسميت بفضيحة (الولاء مقابل النفط) حيث جعل كوبونات خاصة يتم إعطاءها لأشخاص معينين سواء عرب أو مسئولين دوليين يتم بها بيع النفط عن طريق أسواق سوداء و يكون واردها إلى هؤلاء المرتشين.
4. تمت عملية فساد لجهاز القضاء و المؤسسة التعليمية و بقية أجهزة الدولة و ذلك بفرض تعيين الكادر الحزبي لهذه المؤسسات و جعلها مغلقة لحزب البعث.
5. ابتزاز العوائل العراقية وذلك عن طريقة كتابة التقارير من قبل الدوائر الحزبية في المنطقة وأصبح الرفيق الحزبي بإمكانه تحديد مصير أية عائلة حين لا تستجيب لمطالبه والرشاوى التي يرغب بها بحيث أصبحت تسعيرات خاصة حسب التقارير المكتوبة . فالتقرير الذي يعدم الشخص من اجله له تسعيرة مختلفة عن التقرير الذي يؤدي به إلى سجن لفترة زمنية معينة "38".
- الفساد في المؤسسات الأخرى:
1-القطاع التجاري شمله الفساد أيضا حيث أصبحت الاتفاقيات التجارية وسيلة ضغط وأغراء للدول العربية ورجال أعمالها مقابل كسب الولاء للنظام و تمرير بضائع تجارية فاسدة أو بأسعار خيالية حتى يبقى العراق مدين لدول هؤلاء التجار .هذا ما صرح به وزير التجارة العراقية من أن غالبية كشوف الصادرات للبضائع العراقية مزيفة و بأسعار غير حقيقية.
2-الفساد في دوائر أجهزة الأمن الداخلي: كثير من عمليات سرقة السيارات و النهب تم كشفها من خلال أجهزة مخابرات صدام التي بينت التنسيق بين أجهزة الشرطة و العصابات المنظمة حيث عمد النظام قبل سقوطه بإطلاق حريتهم من السجون العراقية مما أدى إلى تخريب متعمد في دوائر البلد.
3- الفساد في دوائر الصحة و التربية و التعليم :حيث انتشر تتهريب الأدوية و إعطاء الشهادات الجامعية المزورة التي لها تسعيرة حسب الدرجة العلمية من قبل المؤسسات العلمية "39".
· و يمكن أن نلخص حالة العراق بالنتائج التالية:
1- الحكم الفردي الشمولي هو أساس كل الفساد و التخريب الذي يحدث للمجتمع ولا يمكن أن يكون استقرار للبلد ألا بنظام تسود فيه العدالة و الحرية و التعددية بإدارة السلطة وعدم احتكارها .
2- ان نسبة كبيرة من الجهاز الإداري في العراق يسيطر عليه البعد الطائفي مما تسبب بحالة عدم توازن بين فئات المجتمع العراقي و بالتالي ولد حالة شعور بالغبن و الظلم عند غالبية المجتمع و الكراهية فيما بينهم.
3- أن البنية التحية في المؤسسات المهنية و التجارية و الصحية و جميع الدوائر الخدمية في العراق قد تعرضت إلى حالة انهيار بسب الفساد الذي قام به النظام السابق .
4- أن إدارات الدولة تعاني من حالة التضخم و البطالة المقنعة بسبب تواجد كثير من كوادر حزب البعث و الذي يجب أعادة بناء الجهاز الإداري على أساس مدروس و سليم و علمي و حسب الكفاءة.
5- أن الجهاز الإداري بحاجة ماسة لتقنية المعلومات الحديثة من الانترنيت و وسائل الاتصال الأخرى و التي تساهم بسرعة نقل المعلومات و توفير الخدمات الضرورية للمجتمع.
6- يجب استخدام النظام اللامركزي في العملية الإدارية وذلك لنجاحها في الدول المتطورة مدنيا و اقتصاديا .
7- وضع دوائر رقابة شديد تساهم في القضاء على الرشوة و الفساد إضافة إلى أن وجود برلمان تشريعي قوي و صحافة حرة يجعل من الصعوبة التستر على عمليات الفساد الاداري الحاصله اليوم.
8- تكوين نظام اقتصادي متطور و ذي نمو متصاعد مما يجعل مستوى دخل الفرد جيدا ليكون ضمانا تجاه كل أمراض الفساد الإداري مثل الرشوة و المحسوبية و استغلال النفوذ .
9- قوانين الضمان الاجتماعي أنجع الوسائل المهمة التي تحصن المجتمع من الفساد الإداري.
10- بناء مؤسسات المجتمع المدني من منظمات حقوق الإنسان ومنظمات ضد التميز العنصري و الطائفي ومعاهد التأهيل الاجتماعي التي تزيد من توعية المجتمع مدنيا و سياسيا و إداريا"40".
· لتطبيق سياسة الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد في العراق يجب :
1- تبني فلسفة واضحة للتنمية الإدارية تشارك في وضعها وتنفيذها جميع الأجهزة المتخصصة.
2- تحديث التشريعات ونظم إجراءات العمل بشكل يكفل زيادة فاعلية أجهزة الإدارة ويساهم في تقديم الخدمات العامة للمواطنين بيسر وسهولة.
3- تبني سياسة واضحة المعالم للاهتمام بالعنصر البشري داخل أجهزة الدولة المختلفة من خلال تنمية القوى البشرية العاملة علميا ومسلكيا وتبني نظام رواتب وحوافز فعال يكفل الحد الأدنى للحياة الكريمة للموظف ويوفر له الخدمات الاجتماعية والصحية المناسبة.
4 - تحديث قانون التقاعد بهدف إنصاف الموظف المتقاعد والمساواة بين المتقاعدين القدامى والجدد، وان لا يكون التقاعد سيفا مسلطا على رقاب العاملين في الدولة، بالحد من السلطة التقديرية الواسعة للمسئول في الإحالة على التقاعد.
5- تحديث تشريعات الإدارة المحلية لتحقيق مفهوم اللامركزية والعمل على تفويض السلطة والمشاركة في اتخاذ القرار.
6- تبني سياسة واضحة لتوزيع القوى العاملة بشكل متوازن على أجهزة الدولة وفق خطة محددة المعالم لاحتياجات الأجهزة الإدارية من الكفاءات المختلفة. وضبط عملية التوظيف بما يحقق العدالة والمساواة بين الباحثين عن العمل.
7- مكافحة التسيب في الأداء الحكومي وفي إنفاق المال العام والعمل على تعزيز الشعور بالمسؤولية لدى جميع العاملين في الدولة، والحد من عملية تجميد الكفاءات المبنية على المزاج الشخصي وعدم الموضوعية من قبل بعض المسئولين.
8- العمل على وضع نظام خدمة مدنية وطني شامل يطبق على كافة العاملين في الدولة ويسمح بمعالجة خصوصيات بعض الدوائر وفقا لطبيعة عملها.
9- إشاعة الخلق الإداري السوي ومحاربة عوامل الفساد الإداري ومظاهره .
10-محاربة التسابق لاصطياد المناصب الإدارية العليا عن طريق النفاق الإداري، والعمل على وضع معايير وأسس عادلة لشغل مثل هذه الوظائف القيادية.
11-محاسبة كل المفسدين والعابثين والمعتدين على حقوق الوطن والمواطن .
12-اطلاع المواطنين على كافة المعلومات المتعلقة بالفساد والمفسدين، وتحويل رموز الفساد إلى المحاكم المدنية .
13-تفعيل دور أجهزة الرقابة والمحاسبة وكذلك الصحافة وضمان استقلالها.
14-تحقيق استقلالية القضاء فعليا وليس شعارا ووقف توغل السلطة التنفيذية وبعض الأجهزة الأخرى على بقية السلطات.
15-الالتزام بأسس تعتمد الكفاءة والأمانة والنزاهة في اختيار كبار الموظفين خاصة.
16-الإسراع في إصدار تشريع يحقق معنى من أين لك هذا "41".
المبحث السادس: الخلاصة والاستنتاجات
تعاني الدول النامية أكثر من غيرها من تفشي ظاهرة الفساد في مجتمعاتها، فقد تركت هذه الظاهرة آثارها السلبية على مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية ، بل يمكن القول أنه أصبح للفساد في تلك الدول بيئة حاضنة وراعية وداعمة تكرس هذا الوضع ليتسنى لها القدرة على جني المكاسب المادية على حساب بناء مجتمع متقدم قادر على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية .
وعودة إلى ما ذكرناه عن أشكال الفساد وأسبابه واستراتيجيات الحد منه نلمس بوضوح حجم الانعكاسات السلبية للفساد على المسار التنموي في تلك الدول ،فالفساد يضعف النمو الاقتصادي حيث يؤثر على استقرار وملاءة مناخ الاستثمار ويزيد من تكلفة المشاريع ويهدد نقل التقنية ، ويضعف الأثر الإيجابي لحوافز الاستثمار بالنسبة للمشاريع المحلية والأجنبية ، ويؤثر على كل من العدالة التوزيعية والفعالية الاقتصادية نظراً لارتباطه بإعادة توزيع أو تخصيص بعض السلع والخدمات ، حيث يسهم الفساد في إعادة تخصيص الثروات لصالح الأكثر قوة ممن يحتكرون السلطة . كما أن الفساد يعمل ضد الديمقراطية لأنه يزيد من سلطة ونفوذ الأثرياء ويوسع الفجوة بين الطبقات ، كما أنه يؤذي الشريحة الفقيرة من المجتمع ويزيد من نسبة المهمشين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً إلى جانب تشويهه للسياسات العامة وتفتيته للموارد ، ويضعف الفساد من شرعية الدولة ويتهدد الاستقرار السياسي والأمني، مما يستدعي العمل على إيجاد حلول ناجعة لمحاصرة هذه الظاهرة التي تستنزف موارد هامة في تلك الدول يمكن أن توجه إلى الاستثمار في قطاعات مختلفة تعزز مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية .
إن قدرة الدول النامية على محاربة الفساد والحد من نموه وانتشاره لا تزال رهينة الإرادة السياسية ، وهذه الإرادة غير متوفرة في غالبية الدول النامية و العربية ذلك أن الأنظمة الحاكمة في تلك الدول متورطة في سلوكيات فاسدة وحققت ريعاً مادياً ضخماً من التجاوزات القانونية التي مارستها – تخشى المطالبة بإعادة ما حققته من مكاسب مادية بصورة غير شرعية و الملاحقة القانونية - ، فهي و إن كانت تظهر رغبتها في محاربة الفساد إلا أنها تمارس الفساد بمختلف أشكاله .
إن مكافحة الفساد باعتباره أحد معوقات التنمية يتطلب توفر إرادة سياسية من قبل صانعي القرار الراغبين في الإصلاح ومنح هامش من الحرية لمؤسسات المجتمع المدني للقيام بدور فاعل ومؤثر ومساند للجهود التي تبذلها الحكومات والرامية إلى محاربة الفساد بمختلف أشكاله ومظاهره ، كما يتطلب تهيئة المناخ المناسب لجذب الاستثمارات الخارجية التي ترى في الفساد عبئاً إضافياً ، خاصة وأن تدفق الاستثمارات الخارجية على الدول النامية يساهم في دفع عجلة التنمية وفي كسر احتكار التكنولوجيا والتقنية الحديثة المادية وغير المادية كالمهارات الإدارية والتنظيمية .
إن استمرار تنامي الفساد في الدول النامية ومنها العربية ستكون له انعكاسات غير مواتية على اقتصاديات هذه الدول ، وخاصة بعد التحول الكبير الذي طرأ على مواقف المجتمع الدولي من الفساد بمختلف صوره وأشكاله ، فهذه الدول إن لم تحد من تنامي الفساد فإن مصيرها التهميش في الاقتصاد العالمي ، وربما يوفر الفساد الفرصة لأطراف خارجية للتدخل في السياسات الداخلية و الخارجية لهذه الدول ، و سيحرم هذه الدول من المساعدات والقروض الخارجية ، وسيعيق تنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي والسياسي .
الـخـاتـمـة
لقد استعرضنا مفهوم الفساد الإداري وأشكاله، والأسباب المؤدية للفساد ودوافعها، ومن ثم استعرضنا الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على الفساد الإداري، واستراتيجيات الحد من الفساد والحلول المقترحة، وطبقنا موضوع البحث على حالة العراق، إلى أن انتهينا بمجموعة من النتائج. وقد اتضح ان مكافحة الفساد الإداري لا يمكن ان يتحقق من خلال حلول جزئية وإنما من خلال إصلاح شامل يطال أجهزة الدولة جميعها بجميع أسلاكها .
وهذا الإصلاح يقتضي ان يكون شاملا يتناول جميع مرتكزات الإدارة من بنيتها وهيكلتها إلى العنصر البشري العامل فيها إلى أساليب العمل السائدة فيها ، إلى وسائل العمل من أدوات وتجهيزات ومعدات، فالبنية والهيكلية بما تحتويه من مهام وصلاحيات يجب ان تخلو ا من جميع الشوائب ، وفي طليعتها الازدواجية، وان تبنى ثانياً على الحاجة الملحة من ضمن الامكانات والقدرات المتاحة وذلك دون إفراط أو تفريط .
والعنصر البشري يقتضي ان يولى العناية الفائقة بحيث :
أ- حسن الاختيار: ويكون ذلك فقط على أساس المؤهلات من جهة ، وتكافؤ الفرص من جهة ثانية ، والتنافس من جهة ثالثة وليس على أساس الاختيار العشوائي أو الطائفي الذي أدى حاليا إلى نفقات مالية باهظة تختصر بان تعويضات المتعاقدين وأجور الاجراء باتت تزيد عن رواتب الموظفين الدائمين ، عدا افراد الهيئة التعليمية .
ب- توفير الإعداد المسبق لتوليه الوظيفة، والتدريب المتواصل لاغنائه بالمعارف المستجدة من يوم إلى يوم، وبذلك نتمكن من تفعيل أدائه.
ج- ضمان حداً معيناً من الحقوق تتوازن مع ما تفرض عليه من واجبات من خلال نظرية " التوازن بين الحقوق والواجبات " ، وفي طليعة ذلك راتبا يؤمن له الحد الأدنى من العيش اللائق الكريم ، وفي المقابل يلزم بأداء واجباته واحترام القوانين والأنظمة التي يعمل من خلالها ، دون غطاء أو شفاعة.
د - توفر له الحوافز التي تحفزه على ان يبذل قصارى جهده من اجل أداء جيد فعال لا يضيع له أجره إذا هو أحسن عملا ، ولا نتورع عن معاقبته كي يصحح مساره بنفسه، ويكون عبرة لمن يعتبر، وذلك عملا بنظرية التوازن بين الثواب والعقاب .
هـ - ولا يمكن ان يتحقق ذلك، كما ذكرنا، إلا من ضمن تقويم لأدائه : علني من جهة ، وفردي من جهة ثانية ، وجماعي مؤسساتي من جهة ثالثة لأنه ما من موظف قادر بذاته وبمفرده على انجاز عمل متكامل ، وقابل للتظلم من جهة رابعة، حتى لا يكون الموظف ضحية عوامل لا يد له فيها وليس بامكانه تصحيحها.
و - يوفر له في نهاية مساره الوظيفي نهاية خدمة لائقة تقيه شر العوز والمرض في وقت تتراجع فيه قدرته على البذل والعطاء .
ز - ثم ان الرقابة الانجح والافعل تبدأ بالرقابة الذاتية في الدرجة الأولى وتستكمل بالرقابة الخارجية من جانب الهيئات المستقلة ، كالتفتيش المركزي وديوان المحاسبة ومجلس الخدمة المدنية على ان يتوج ذلك كله برقابة برلمانية من جانب لجان متخصصة كما هو الحال في معظم الدول المتقدمة وشريطه ان تكون الرقابة من جميع هذه الأجهزة هي رقابة توجيه وإرشاد قبل ان تكون رقابة جزاء وعقاب .
الهوامش والمراجع
1 – Robert Klitgaard , International Cooperation Against Corruption , Finance and Development , March 1998 , P. 3 .
2 – Sheryle W . Gray and Daniel Kaufmanns , Corruption and Development , Finance and Development , March 1998 , P . 9 .
3 - تقرير عن التنمية في العالم 1997 ، الدولة في عالم متغير ، البنك الدولي ، واشنطن ، ترجمة مؤسسة الأهرام ، القاهرة ، ص 55 .
4 – Shong – Jin Wci , “ Corruption in Economic Development : Beneficial Grease , Minor Annoyance , or Major obstacle ? “ P . 1
Http : // ideas . Uqam . ca/ ideas / data , papers / wopw obapd 2048 . htm
- انظر أيضاً تقرير عن التنمية في العالم 1997 ، الدولة في عالم متغير ، البنك الدولي ، ترجمة مؤسسة الأهرام ، القاهرة ، ص 112 .
5 – Paolo Mauro , Corruption : Causes , Consequences , and Agenda for further research , Finance and Development , March 1998 , P . 11 .
6 – Ibid . , p . 11 .
7 – عطية حسين أفندي ، " الممارسات غير الأخلاقية في الإدارة العامة " ورقة قدمت إلى ندوة الفساد والتنمية ، مركز دراسات وبحوث الدول النامية ، القاهرة ، 1999 ، ص 56 .
8 – عطية أفندي، المرجع السابق ، ص 57 .
9 – عطية أفندي، المرجع السابق ، ص 57 .
10 – تقرير عن التنمية في العالم 1996 " من الخطة إلى السوق " البنك الدولي ، واشنطن ، ترجمة مؤسسة الأهرام ، القاهرة ، ص 124 .
11 - المرجع السابق ، ص 125 .
12 – جيريمي بوب و فرانك فوجل ، " لكي تصبح أجهزة الفساد أكثر فعالية " ، مجلة التمويل والتنمية ، صندوق النقد الدولي ، العدد 2 ، يونيه 2000 ، ص 6 .
13 – المؤسسة العربية لضمان الاستثمار ،" الفساد : آثاره الاجتماعية والاقتصادية وسبل مكافحته " ، سلسلة الخلاصات المركزة ، السنة الثانية إصداره / 1999 ، الكويت ص 3 .
14 – المرجع السابق ، ص 4-5.
15 – المرجع السابق،ص6-7.
16 – Sheryle W . Gray and Daniel Kaufmanns , Corruption and Development , Finance and Development , March 1998 , P . 8 .
17 – هدى متكيس ، " الشروط السياسية للتنمية – خبرة دول الجنوب " ، ورقة قدمت إلى ندوة الفساد والتنمية ، مركز دراسات الدول النامية ، القاهرة ، 1999 ، ص 30 .
18 – المرجع السابق ، ص 30 .
19 – المرجع السابق ، ص 31 .
20 – ماجد عبد الله المنيف ، " التحليل الاقتصادي للفساد وأثره على الاستثمار والنمو " ، مجلة بحوث اقتصادية عربية ، الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية ، القاهرة ، العدد 12 ، صيف 1998 ، ص 45 .
21 – ماجد المنيف، المرجع السابق ، ص 46 .
22 – ماجد المنيف، المرجع السابق ، ص 49 .
23 – ماجد المنيف، المرجع السابق ، ص 50 .
24 – Paolo Mauro , Corruption : Causes , Consequences , and Agenda for further research , Finance and Development , March 1998 , P . 12
25 – ماجد عبد الله المنيف ، مرجع سابق ، ص 53 .
26 – أحمد رشيد ، نظرية الإدارة العامة – السياسة العامة والإدارة " القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1993 ، ص 23 .
27 – الفساد في الحكومة ، تقرير الندوة الإقليمية التي عقدتها دائرة التعاون الفني للتنمية ومركز التنمية الاجتماعية والشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة في لاهاي ، هولندا ، 11 – 15 ديسمبر 1985 ، عمان : المنظمة العربية للتنمية الإدارية ، تراجم مختارة رقم 329 ، ترجمة نادر أحمد أبو شيخة 1993 ، ص 54 .
28 – شادية فتحي ، " الآثار السياسية للتحول : حالة روسيا " ، ورقة قدمت إلى ندوة الفساد والتنمية ، مركز دراسات الدول النامية ، القاهرة ، 1999 ، ص 127 .
29 – عطية حسين أفندي ، مرجع سابق ، ص 62 – 63 .
30 – صندوق النقد الدولي ، " آفاق الاقتصاد العالمي 1998 ، بيروت ، مكتبة لبنان 1997 ، ص 143 – 153 .
31– تقرير عن التنمية في العالم 1997 ، " دور الدولة في عالم متغير " البنك الدولي ، واشنطن ، ترجمة مركز الأهرام للترجمة والنشر ، القاهرة ، ص 116 .
32 – محمود عبد الفضيل ، " الفساد وتداعياته في الوطن العربي " مجلة المستقبل العربي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، العدد 243 ، أيار / مايو 1999 ، ص 9 .
33 – تقرير عن التنمية في العالم 1997 ،" دور الدولة في عالم متغير " مصدر سابق ، ص 109 – 110 .
34- كمال سيد قادر: الفساد الإداري أفيون العراق، موقع جيران في 14/9/ 2004
35- المرجع السابق.
36- المرجع السابق.
37- صلاح التكمجي - الاقتصاد العراقي بين الواقع والطموح ،الحوار المتمدن-العدد 127 في 20/10/2003.
38- صلاح التكمجي، المرجع السابق.
39- زهير فهد الحارثي: حرب الفساد.. معادلة المنتج الفردي والتأثير الجمعي، ص 84.
40- زهير الحارثي، المرجع السابق،ص90.
41- محمود حافظ، القضاء الإداري الطبعة الثانية لسنة 1966 ص19.
المراجع:
1 – أحمد رشيد ، نظرية الإدارة العامة – السياسة العامة والإدارة " القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1993 م.
2- المؤسسة العربية لضمان الاستثمار ،" الفساد : آثاره الاجتماعية والاقتصادية وسبل مكافحته " ، سلسلة الخلاصات المركزة ، السنة الثانية إصداره / 1999 ، الكويت . 7 – تقرير عن التنمية في العالم 1996 " من الخطة إلى السوق " البنك الدولي ، واشنطن ، ترجمة مؤسسة الأهرام ، القاهرة .
3– الفساد في الحكومة ، تقرير الندوة الإقليمية التي عقدتها دائرة التعاون الفني للتنمية ومركز التنمية الاجتماعية والشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة في لاهاي ، هولندا ، 11 – 15 ديسمبر 1985 ، عمان : المنظمة العربية للتنمية الإدارية ، تراجم مختارة رقم 329 ، ترجمة نادر أحمد أبو شيخة 1993 م.
4- تقرير عن التنمية في العالم 1997 ، الدولة في عالم متغير ، البنك الدولي ، واشنطن ، ترجمة مؤسسة الأهرام ، القاهرة .
5 – جيريمي بوب و فرانك فوجل ، " لكي تصبح أجهزة الفساد أكثر فعالية " ، مجلة التمويل والتنمية ، صندوق النقد الدولي ، العدد 2 ، يونيه 2000 م.
6– Robert Klitgaard , International Cooperation Against Corruption , Finance and Development , March 1998 .
7 – Sheryle W . Gray and Daniel Kaufmanns , Corruption and Development , Finance and Development , March 1998 . .
8 – عطية حسين أفندي ، " الممارسات غير الأخلاقية في الإدارة العامة " ورقة قدمت إلى ندوة الفساد والتنمية ، مركز دراسات وبحوث الدول النامية ، القاهرة ، 1999 م.
9 – Sheryle W . Gray and Daniel Kaufmanns , Corruption and Development , Finance and Development , March 1998 . .
10– Shong – Jin Wci , “ Corruption in Economic Development : Beneficial Grease , Minor Annoyance , or Major obstacle ? .
11 – Paolo Mauro , Corruption : Causes , Consequences , and Agenda for further research , Finance and Development , March 1998 . .
12-Paolo Mauro , Corruption : Causes , Consequences , and Agenda for further research , Finance and Development , March 1998 .
13 – شادية فتحي ، " الآثار السياسية للتحول : حالة روسيا " ، ورقة قدمت إلى ندوة الفساد والتنمية ، مركز دراسات الدول النامية ، القاهرة ، 1999 م.
14 – صندوق النقد الدولي ، " آفاق الاقتصاد العالمي 1998 ، بيروت ، مكتبة لبنان 1997 م.
15– تقرير عن التنمية في العالم 1997 ، " دور الدولة في عالم متغير " البنك الدولي ، واشنطن ، ترجمة مركز الأهرام للترجمة والنشر ، القاهرة .
16- زهير فهد الحارثي: حرب الفساد.. معادلة المنتج الفردي والتأثير الجمعي،
17- صلاح التكمجي - الاقتصاد العراقي بين الواقع والطموح ،الحوار المتمدن-العدد 127 في 20/10/2003.
18- كمال سيد قادر: الفساد الإداري أفيون العراق، موقع جيران في 14/9/ 2004
19-ماجد عبد الله المنيف ، " التحليل الاقتصادي للفساد وأثره على الاستثمار والنمو " ، مجلة بحوث اقتصادية عربية ، الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية ، القاهرة ، العدد 12 ، صيف 1998.
20 – محمود عبد الفضيل ، " الفساد وتداعياته في الوطن العربي " مجلة المستقبل العربي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، العدد 243 ، أيار / مايو 1999 .
21- محمود حافظ، القضاء الاداري الطبعة الثانية لسنة 1966 م.
22 – هدى متكيس ، " الشروط السياسية للتنمية – خبرة دول الجنوب " ، ورقة قدمت إلى ندوة الفساد والتنمية ، مركز دراسات الدول النامية ، القاهرة ، 1999 م.
كلية التجارة
قسم العلوم السياسة
دراسات عليا
"الفساد الإداري"
إعداد البا حث:
محمد عبد الفتاح الحمراوى
· مقدمة:
الفساد مشكلة اجتماعية واقتصادية تضرب بجذورها في أعماق التاريخ الإنساني ، فهي ليست مقصورة على مجتمع بعينه أو فترة زمنية دون الأخرى بل هي موجودة في كافة المجتمعات-المتقدم منها والنامي- وهذا لا يعني أن الفساد موجود في المجتمع الإنساني بصورة واحدة، لكنه يتخذ أشكالاً متباينة ونماذج مختلفة باختلاف طبيعة البناء الاجتماعي، فالممارسات الفاسدة غالباً ما تمارس في سرية تامة لذلك يعرف الفساد الإداري على أنه إساءة استعمال السلطة العامة لتحقيق مكسب خاص، ولذلك فالدول تعكف على تبني سياسات إصلاحية للحد من هذه الممارسة، وسوف يركز البحث على العراق في دراسة هذه الظاهرة وذلك خلال فترة حكم نظام صدام حسين المخلوع.
· أهمية البحث:
أهمية البحث تنبع من كونها تتناول موضوعاً حيوياً وهاماً ألا وهو الفساد الإداري الذي تسعي الدول والحكومات إلى القضاء عليه بعدة سياسات أصلاحية.
· الهدف من البحث:
يتمثل الهدف من البحث في التعريف بمفهوم الفساد الإداري وأسبابه والآثار المترتبة عليه، طرق علاجه في ظل التنمية. وذلك للإجابة على سؤال البحث المطروح.
· مشكلة البحث:
تتمثل مشكلة البحث في تنامي الفساد الإداري في المجتمعات النامية والمتقدمة وذلك لكبر حجم المشكلة واختلاف طرق ممارستها مما يجعل الدول تنتهج إصلاحات للحد من هذه الظاهرة .
منهج البحث:
نظراً لمادة البحث العلمية فإن المناهج المناسبة استخدام المناهج التالية:
أ- المنهج التاريخي و ذلك لحصر الأحداث و الاستفادة منها .
ب- المنهج ألوصفي من خلال معرفة أهم الصفات المميزة للمشكلة.
ج- المنهج التحليلي وذلك لتحليل أبرز ألأسباب المؤدية للفساد الإداري والآثار المترتبة عليها لاستخلاص النتائج منها.
· الإطار النظري للبحث:
ينقسم موضوع البحث إلى ستة مباحث وهي على النحو التالي:
المبحث الأول : مفهوم الفساد الإداري وأشكاله
المبحث الثاني: أسباب الفساد الإداري ودوافعه
المبحث الثالث: الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على الفساد الإداري
المبحث الرابع: استراتيجيات الحد من الفساد الإداري والحلول المقترحة
المبحث الخامس: حالة تطبيقية للفساد الإداري (العراق)
المبحث السادس: الخلاصة والاستنتاجات
المقدمة :
تزايد الاهتمام بقضية الفساد منذ النصف الثاني من الثمانينات ، نظراً للآثار السلبية للفساد على التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية . وقد ظهرت العديد من الدراسات التي اتخذت من قضية الفساد عنواناً لها ، قدم فيها الباحثون عرضاً لصور الفساد ومظاهره ، وتحليلاً لهذه الظاهرة في محاولة جادة وصادقة من جانبهم لكشف وتعرية هذه الظاهرة والدعوة لمكافحتها والحد من انتشارها ، خاصة وأن الفساد تحول من ظاهرة محلية إلى ظاهرة عالمية تستوجب التعاون الدولي ( حكومات ، برلمانات ، منظمات غير حكومية ، رجال أعمال ، وسائل الإعلام المختلفة ، القطاع الخاص ) لمواجهتها وإبداء قدر أكبر من الاهتمام بإعادة النظر في الترتيبات الحالية لمواجهة الفساد ، ووضع استراتيجيات يتم تحديثها باستمرار لضمان مواجهة المشكلات الناجمة عن كل صور الفساد المعاصرة . ولم تقتصر هذه الجهود على الدول المتقدمة ، وإنما شملت أيضاً الدول النامية التي تعاني اقتصادياتها ومجتمعاتها من تفشي هذه الظاهرة بصورة أكبر مما تعانيه الدول المتقدمة ، حتى أضحى موضوع الفساد يحظى بالأولوية في قائمة اهتمامات الحكومات في الدول النامية .
ويرجع الاهتمام بقضايا الفساد في الدول النامية لعدة أسباب ، من أهمها :-
- الكساد واختلال الميزان الاجتماعي بسبب سياسات الإصلاح الهيكلي في غالبية الدول النامية.
- ظهور شريحة اجتماعية غنية في العقد المنصرم استفادت من التحولات في السياسات الداخلية للدول النامية والدول التي تمر بمرحلة التحول وانفتاح هذه الدول على العالم ، بعد أن كانت مجتمعات منغلقة .
- انتشار الفساد في الأوساط السياسية ، وخاصة منهم أصحاب المناصب الرفيعة في تلك الدول .
- ظهور قوى معارضة في الدول النامية تدعو إلى مكافحة الفساد وفضح رموزه .
- الاهتمام الدولي المتزايد بهذه الظاهرة وخاصة من قبل المنظمات ومؤسسات التمويل الدولية، التي تربط تقديم قروضها بتبني الدول المقترضة لسياسات وبرامج محاربة الفساد في مجتمعاتها
وسنحاول في هذا البحث إلقاء الضوء على أشكال و أسباب ودوافع الفساد والآثار الاقتصادية والاجتماعية التي تجذرت في المجتمعات بفعل تفشي هذه الظاهرة ، ثم ننتقل للحديث على الجهود الدولية في مكافحة تفشي هذه الظاهرة و من ثم استراتيجية الحد من تنامية ، و أخيراً نتقدم ببعض المقترحات التي يمكن أن تساعد على الحد من تنامي هذه الظاهرة و التخفيف إلى حد بعيد من حدتها لا نقول تنفيسها أو القضاء عليها ، وسنعرض خلال دراستنا لبعضٍ من آثار الفساد الإداري والسياسي في الدول النامية ومنها العربية كي تكون الصورة واضحة ومكتملة إلى حد ما، ثم نطبق ما سبق على (العراق) كحالة تطبيقية للبحث، للوصول إلى الخلاصة والاستنتاجات.
المبحث الأول : مفهوم الفساد الإداري وأشكاله
· أولاً: مفهوم الفساد
الفساد ليس ظاهرة محلية وإنما هو ظاهرة عالمية ولكن يختلف من بلد وآخر ، و أشد أنواع الفساد ضرراً تقع في الدول النامية وخاصة الدول التي تفتقر إلى وجود المنظمات غير الحكومية ، وتلك التي لم تنضج فيها بعد مؤسسات المجتمع المدني ، وتلك التي تكون فيها مثل هذه المؤسسات محظورة ، فهذه المنظمات والمؤسسات تساعد على كشف الآثار السلبية للفساد كما هو الحال في الدول المتقدمة .
والفساد مصطلح له معان عديدة ، وبدء التعامل السليم مع هذه المسألة هو تقسيمها وتحليلها إلى عناصرها الكثيرة . وفي أوسع صورة يمكن القول بأن الفساد هو سوء استخدام المنصب العام لغايات شخصية ، وتتضمن قائمة الفساد على سبيل المثال لا الحصر ، الرشوة ، والابتزاز ، و استغلال النفوذ والمحسوبية ، و الاحتيال ، و الاختلاس ، واستغلال " مال التعجيل " وهو المال الذي يدفع لموظفي الحكومة لتعجيل النظر في أمر خاص يقع ضمن نطاق اختصاصهم بقضاء أمر معين . وعلى الرغم من أن كثير من الناس ينـزعون إلى اعتبار الفساد خطيئة حكومية ، إلا أن الفساد موجود في القطاع الخاص أيضاً ، بل إن القطاع الخاص متورط إلى حد كبير في معظم أشكال الفساد الحكومي " 1 " .
و أحد التعاريف الهامة الأخرى للفساد هو استخدام المنصب العام لتحقيق مكاسب خاصة مثل الرشوة و الابتزاز ، وهما ينطويان بالضرورة على مشاركة طرفين على الأقل ، ويشمل أيضاً أنواعاً أخرى من ارتكاب الأعمال المحظورة التي يستطيع المسئول العمومي القيام بها بمفرده ومن بينها الاحتيال والاختلاس ، وذلك عندما يقوم السياسيون وكبار المسئولين بتخصيص الأصول العامة لاستخدام خاص واختلاس الأموال العامة ويكون لذلك آثار معاكسة واضحة ومباشرة على التنمية الاقتصادية لا تحتاج تبعاتها إلى مناقشة ، غير أن الأمر يكون أكثر تعقيداً عندما يتعلق بتقديم الأطراف الخاصة للرشوة إلى المسئولين العموميين لا سيما تأثيرها على تنمية القطاع الخاص ، ومن المفيد في بحث أشكال الرشوة النظر فيما يمكن للقطاع الخاص أن يحصل عليه من السياسي أو الموظف العام " 2 " :-
- العقود الحكومية – الامتيازات التي تمنحها الحكومة – الإيرادات الحكومية – توفير الوقت وتجنب الضوابط التنظيمية – التأثير على نتائج العمليات القانونية والتنظيمية .
والفساد وفقاً لتعريف الأمم المتحدة : هو سوء استعمال السلطة العامة لتحقيق مكسب خاص " 3 " . ويتدرج الفساد من الرشوة إلى عمليات غسيل الأموال وأنشطة الجريمة المنظمة وأنشطة المافيا .
ويعرف البنك الدولي الفساد بأنه استغلال المنصب العام بغرض تحقيق مكاسب شخصية(4 ) .
“ The a buse of public offic for private gains “ .
والمنصب العام – كما عرفه القانون الدولي – هو منصب ثقة يتطلب العمل بما يقتضيه الصالح العام.
· ثانياً: أشكال الفساد الإداري
يأخذ الفساد أشكالاً متعددة يأتي في مقدمتها :
1 – استغلال المنصب العام : يلجأ أصحاب المناصب الرفيعة والعليا في الدول النامية إلى استغلال مناصبهم لتحقيق مكاسب مادية ، وهؤلاء يتحولون مع مرور الوقت إلى رجال أعمال أو شركاء في تجارة إلى جانب كونهم مسئولين حكوميين ، يصرفون جل اهتمامهم إلى البحث عن طرق و أساليب تمكنهم من زيادة حجم ثرواتهم الخاصة ، على حساب الاهتمام ببرامج التنمية وتحقيق قدر من الرفاه الاجتماعي لمواطني دولهم.
2 – الاعتداء على المال العام : غالباً ما يقوم بهذا السلوك الفاسد السياسيون والمسئولين الحكوميين ، كسحب قروض من البنوك المملوكة للدولة بفوائد منخفضة ، وتسهيل حصول رجال الأعمال من القطاع الخاص على قروض بفوائد منخفضة وبدون ضمانات مقابل حصوله على جزء من القرض على سبيل الرشوة أو العمولة ، و الاستيلاء على بعض الممتلكات العامة عن طريق التزوير في الأوراق الرسمية أو استئجارها لفترة زمنية طويلة بمبالغ زهيدة .
3 – التهرب الضريبي والجمركي : ويقوم بمثل هذا السلوك الفاسد رجال الأعمال من القطاع الخاص ، فهؤلاء يدفعون الرشاوى للمسئولين الحكوميين بغية حصولهم على تخفيض ضريبي أو إعفاء ضريبي لفترة طويلة نسبياً ، أو تخفيض الرسوم الجمركية أو إعفائهم من دفع الرسوم وفق استثناء أو تلاعب على القوانين ، وفي كثير من الأحيان يقوم هؤلاء المسئولين الحكوميين بتغير مواصفات السلع المستوردة على الورق لتخفيض حجم الرسوم الجمركية الواجب دفعها لخزينة الدولة مقابل حصولهم على رشاوٍ من المستورد وهذا بحد ذاته احتيال وتزوير وتلاعب على القوانين ونهب للمال العام .
4 – الرشوة المحلية والدولية :هذا النوع من الرشوة يدفع لكبار المسئولين في الدول النامية ، فالحكومات تقوم بشراء مواد ومستلزمات من السوق المحلية بكميات كبيرة وتطرح عدداً من المشاريع للتنفيذ من قبل القطاع الخاص وذلك عبر مناقصات يتقدم بها القطاع الخاص المحلي ، والتنافس على مثل هذه المناقصات يدفع بالقطاع الخاص لدفع رشوة لبعض المسئولين الحكوميين للحصول على مثل هذه المناقصات ، ويترتب على مثل هذا السلوك الفاسد للمسئول الحكومي زيادة في أسعار المواد والسلع الموردة وزيادة في القيمة الإجمالية للمشاريع الاقتصادية والخدمية المتوسطة والكبيرة ، حيث يقوم القطاع الخاص بإضافة الرشاوى والعمولات إلى التكاليف مما يؤدي إلى تحميل الدولة نفقات إضافية تصل إلى 25 % من قيمة العقود والمشاريع .
أما فيما يتعلق بالرشوة الدولية فتدفع لقاء قيام حكومة في دولة من الدول النامية بشراء معدات ومستلزمات وتجهيزات تحتاجها من شركة دون أخرى ( المناقصات الدولية لتنفيذ مشروعات ضخمة ، امتيازات التنقيب عن البترول و الغاز والمعادن ، شراء الطائرات المدنية ، والعتاد العسكري الثقيل والخفيف بما فيها الطائرات الحربية ، مناقصات قطاع الاتصالات ، …. إلخ ) .مما يدفع بالشركات الأجنبية إلى دفع عمولات كبيرة للحصول على المناقصات الخارجية والامتيازات في الدول النامية .
5 – تهريب الأموال : يقوم المسئولون الحكوميون في الدول النامية بتهريب الأموال التي حصلوا عليها بطرق غير قانونية و غير شرعية إلى مصارف و أسواق المال في الدول الأجنبية و خاصة أوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية لاستثمارها على شكل ودائع في بنوك تلك الدول لقاء فوائد مرتفعة ، أو بشراء أسهم في شركات أجنبية ، أو شراء عقارات، ويبرر هؤلاء المسئولين هذا السلوك الفاسد بأنه ضرورة تفرضها الأوضاع السياسية المتقلبة باستمرار في الدول النامية ، فهو من وجهة نظرهم تأمين لهم في حال استبعادهم من السلطة مستقبلاً .
6 – وبالإضافة إلى ما ذكرنا يقوم أصحاب المناصب الرفيعة في الدول النامية بتحويل جزء لا يستهان به من المعونات والمساعدات والقروض التي تقدمها الدول الغنية المانحة للمعونات الاقتصادية بهدف تمويل عملية التنمية في تلك الدول إلى حسابات مصرفية خارجية ، بدلاً من إدخالها إلى حسابات البنك المركزي ، وغالباً ما تكون هذه الحسابات بأسماء أبنائهم أو أشخاص تربطهم بالمسئول الحكومي صلة قرابة أو من المقربين . وهذا الاختلاس هو من أسوأ أنواع الاختلاسات نظراً لضرره المضاعف على اقتصاديات الدول النامية .
المبحث الثاني: أسباب الفساد الإداري ودوافعه
الفساد ليس ظاهرة حديثة ، ولا هو مقتصر على البلدان النامية دون المتقدمة ، ومن غير الممكن معرفة مدى انتشار الفساد بشكل دقيق في منطقة ومقارنتها بأخرى ، و إنما يتم ذلك في الغالب بشكل تقريبي ، فمعظم أعمال الفساد تتم بسرية ، ونادراً ما يتم الكشف عن مثل هذه العمليات وخاصة منها تلك التي تتم في الأوساط الرسمية العليا ( فساد القمة – الفساد الكبير ) ، فهذه الأوساط تشكل فيما بينها شبكة تقوم من خلالها بأعمال الفساد وتحيط أعمالها بالسرية التامة ونادراً ما يتم كشفها أو معرفة تفاصيلها .
وتختلف الأسباب التي تؤدي إلى نمو الفساد وانتشاره في البلدان النامية ومنها الدول العربية عنها في الدول المتقدمة ، فالعوامل التي تساعد على نموه في الدول النامية تختلف إلى حد كبير عن العوامل المساعدة على نموه في الدول المتقدمة ، إلا أن طرق ممارسة الفساد متشابهة إلى حد كبير ، وعلاوة على ذلك فإن قدراً كبيراً من الفساد في الدول النامية تشارك فيه الدول الصناعية بصور مختلفة ، فالتنافس بين الشركات متعددة الجنسيات المتمركزة في غالبيتها في الدول المتقدمة على صفقات الأعمال الدولية ، يدفع بهذه الشركات إلى دفع رشاوى ضخمة للمسئولين الحكوميين في الدول النامية للفوز بهذه الصفقات ، ولم تساهم سياسات التحول نحو الديمقراطية والأخذ بسياسات السوق في التخفيف من نمو هذه الظاهرة بل على العكس من ذلك تماماً ساعدت على نموها ، وذلك يعود برأينا إلى عدم مواكبة أو مصاحبة هذا التحول حدوث تطوير في القوانين المعمول بها في تلك الدول وخاصة منها القوانين التي تمكن المسئولين الحكوميين / العموميين من الحصول على رشاوى نظير منح الشركات ( من داخل الدولة أو خارجها ) عقود حكومية أو تسهيلات أو امتيازات داخل الدولة ، أو منح استثناءات و امتيازات لأشخاص من الدولة ذاتها .
· ويمكن إيجاز أسباب نمو وتفشي ظاهرة الفساد في الدول النامية ومنها العربية بالتالي :
1 – تمتع المسئولين الحكوميين ( العموميين ) بحرية واسعة في التصرف وبقليل من الخضوع للمساءلة ، فهؤلاء يستغلون مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية عن طريق قبول الرشاوى من الشركات ( القطاع الخاص ) أو المواطنين نظير حصولهم على امتيازات و استثناءات .
2 – إن الدافع وراء سلوك المسئولين الحكوميين الفاسد هو الحصول على ريع مادي ، ويساعدهم على تحقيق هذا الكسب غير القانوني التدخل الحكومي والقيود والقوانين التي تضعها حكومة ما ، ومن الأمثلة على ذلك قيود التجارة ( الرسوم الجمركية ، حصص الاستيراد ، قائمة المسموح والممنوع استيراده ، إلخ ) والسياسات الصناعية القائمة على المحسوبية والعلاقات الشخصية مثل ( الإعانات والاستقطاعات الضريبية ) وتعدد قواعد تحديد سعر الصرف ، وخطط توزيع النقد الأجنبي ، وتوفير القروض تحت رقابة حكومية"5".
3 – يحصل بعض المسئولين الحكوميين على رشاوى ضخمة رغم عدم وجود تدخل حكومي ، مثلما يحدث في حالة الموارد الطبيعية كالبترول و الغاز ، و إمداداته محدودة بطبيعته ، وكلفة استخراجه أقل كثيراً من سعره في السوق ، ولما كانت الأرباح غير العادية متاحة لمن يستخرجون البترول و الغاز ، فمن الراجح تقديم الرشاوى للمسئولين عن منح حقوق استخراجه" 6 " .
4 – يتفشى الفساد في البلدان النامية والبلدان التي تمر بمرحلة انتقال / التحول ، ولا يرجع ذلك إلى اختلاف شعوب هذه البلدان عن الشعوب في غيرها ، وإنما لأن الظروف مهيأة لذلك ، فالحافز على اكتساب الدخل قوي للغاية ، ، ويتفاقم بفعل الفقر ومرتبات الموظفين المنخفضة والمتناقصة ، وعلاوة على ذلك فإن المخاطر من كافة الأنواع ( المرض ، الإصابات ، البطالة ) مرتفعة في البلدان النامية ، والناس يفتقدون عموماً الكثير من آليات توزيع المخاطر ( بما في ذلك التأمين وسوق العمل جيدة التنظيم ) المتاحة في البلاد الأكثر تقدماً وثراءً "7" .
5 – ولطبيعة المجتمع وبروز أهمية العلاقات الشخصية في الحياة الاجتماعية ، أثر كبير في الفساد في الدول النامية ، وفيما يرى الأوربيون أن المحاباة والمحسوبية هي نوع من الفساد ، فإن الكثيرين في الدول النامية لا يرون ذلك ، ويتساءلون كيف يستطيع شخص من فئة اجتماعية معينة ، متخلفة أو متأخرة أن يلحق بالمنافسين له من فئة اجتماعية أخرى إذا لم يجد عوناً له أو ظهيراً بين الذين ينتمون إلى نفس الفئة الاجتماعية أو الذين تربطهم به صلة قرابة أو نسب " 8 " .
6 – بالإضافة إلى ذلك ، فإن كثيراً من مجتمعات الدول النامية تضم أقليات ثقافية وعرقية ترى نفسها مظلومة وليس لها حظوة فيما يتعلق بمجالات الإدارة العامة المختلفة ، ومثل هذه الأقليات ربما تلجأ إلى ممارسة أساليب الفساد لأنها تمثل في رأيها الوسيلة الوحيدة للحصول على الخدمات التي تحتاجها من أجهزة الإدارة العامة" 9" .
7 – استحداث أو إلغاء قوانين أو سياسات تتحقق عن طريقها مكاسب مباشرة للمسؤولين في الجهاز الحكومي .
8 – احتفاظ الدولة بثروة هائلة – منشآت وممتلكات وموارد طبيعية – وإضفاء المشروعية على سلطتها على مشروعات الأعمال ، حتى ولو كانت خاصة ، مما يعطي المسئولين الحكوميين سلطات استثنائية ، وفرصاً كثيرة لالتماس الرشوة ، ونطاقاً واسعاً لنهب الثروات العامة " 10 " .
9 – يؤدي ضعف المجتمع المدني وتهميش دور مؤسساته في كثير من الدول النامية – الأحزاب السياسية وجماعات المصالح والتنظيمات الاجتماعية المختلفة – إلى غياب قوة الموازنة المهمة في هذه المجتمعات ، مما يساعد على تفشي ظاهرة الفساد واستمرار نموها .
10 – انخفاض الأجر الرسمي للموظفين الحكوميين يغري بالفساد ، والذي بدوره يمثل في غالبية الدول النامية ومنها الدول العربية الحافز الرئيسي للبقاء والتمسك بالخدمة العامة في مؤسسات الدولة المختلفة .
11 – انخفاض المخاطر المترتبة على الانغماس في سلوك فاسد ، فالعقوبة المنصوص عليها في قوانين غالبية الدول النامية لا تشكل رادعاً عن ارتكاب الأعمال الفاسدة ، ناهيك عن أن ضعف الإشراف الحكومي بعيداً عن المركز ، وإضفاء الطابع الشخصي على العلاقات الاقتصادية ، والفضائح المالية ، كل ذلك يمكن أن يؤدي إلى تقويض معايير السلوك الرسمي والخاص على حد سواء ، فمن الصعب معاقبة شخص ما على سوء التصرف إذا كان هناك تصور عام بأن الأشخاص الآخرين ، بما في ذلك كبار المسؤولين يفعلون نفس الشيء ولا يتعرضون للمساءلة والخضوع للمحاكمة " 11 " ، مما يعني انتشار أوسع وفترة انتعاش أطول للفساد في تلك البلدان
12 – هناك عوامل أخرى تتعلق بالإدارة ذاتها فانعدام أو ضعف الأخلاقيات الوظيفية للعمل الحكومي ، وغياب مفهوم المساءلة العامة والمسؤولية ، كلها تؤدي إلى الفساد وتمهد له .
13 – من العوامل أيضاً التي يمكن القول بأنها تهيأ الدول النامية أو بعضاً منها للفساد ، أن هناك أعداداً كبيرة تعمل في القطاع الحكومي والعام الذي له أثر كبير على حياة المجتمع فيما يتعلق بتوزيع السلع والخدمات ، وكلما كبر حجم القطاع العام واتسعت مجالات عمله وتخصصه ازداد الميل نحو الفساد ، وهذا يؤدي إلى بيروقراطية ذات توجهات تعنى بالتوزيع لا بالإنتاج .
14 – تغير نظرة المجتمع للأشخاص الذين يقومون بأعمال الفساد من رشوة واختلاس والاحتيال ونهب المال العام والخاص .
15 - أدى التغاضي عن معاقبة كبار المسئولين المتهمين بالفساد واستغلال المنصب العام إلى انهيار منظومة القيم الأخلاقية في تلك الدول .
16 – أدى هذا التغاضي وانتشار الفساد على نطاق واسع ، إلى استخفاف أفراد المجتمع بالقوانين المعمول بها في مختلف المجالات الحياتية والتنظيمية ، وإلى تغير النظرة العامة لشرعية الأنظمة الحاكمة في تلك الدول .
17 - يتفشى الفساد أيضاً عندما تتوفر لكبار الموظفين ورجال السياسة حصانة تحميهم من الملاحقة " 12 " والخضوع للمساءلة .
المبحث الثالث: الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على الفساد الإداري
تحدثنا في الصفحات السابقة عن صور ومظاهر الفساد وعن أسبابه ودوافعه ، وكان من الطبيعي أن يكون لانتشار هذا السلوك الفاسد والمدمر آثاراً سلبية على مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الدول النامية ، وهي آثار تتبدى على المدى المتوسط ، ومعرفة هذه الآثار وانعكاساتها السلبية على اقتصاديات تلك الدول يخلق وعياً لدى شعوب الدول النامية ويحفز القوى المختلفة في المجتمع من أحزاب سياسية وتنظيمات ومؤسسات على محاربة هذه الظاهرة ومعاقبة رموزها ، ويمكن تسجيل ورصد الآثار التالية :
1 - يؤثر الفساد على أداء القطاعات الاقتصادية ويخلق أبعاداً اجتماعية لا يستهان بها . وقد أظهرت الأبحاث في هذا المجال أنه يضعف النمو الاقتصادي ، حيث يؤثر على استقرار وملاءة مناخ الاستثمار ويزيد من تكلفة المشاريع ويهدد نقل التقنية ، ويضعف الأثر الإيجابي لحوافز الاستثمار بالنسبة للمشاريع المحلية والأجنبية وخاصةً عندما تطلب الرشاوى من أصحاب المشاريع لتسهيل قبول مشاريعهم ، أو يطلب الموظفون المرتشون نصيباً من عائد الاستثمار . وفي هذا الصدد يعتبر الفساد ضريبة ذات طبيعة ضارة وبشكل خاص معيقة للاستثمار ، ويزيد من حدة المشكلة الطبيعة السرية للرشوة وعدم التأكد مما إذا كان الموظفون الذين يتقاضون الرشوة سينفذون دورهم في الصفقة أم لا ، ومع ازدياد الفساد يقوم المستثمرون بإضافة المدفوعات الناجمة عن الرشاوى والعمولات إلى التكاليف مما يرفع التكلفة الاجتماعية للمشروعات ويخفض العائد على الاستثمار . " 13 "
2 - يؤدي الفساد إلى إضعاف البنية الأساسية والخدمات، ويدفع ذوي النفوس الضعيفة للسعي إلى الربح غير المشروع عن طريق الرشاوى بدلاً من المشاركة في الأنشطة الإنتاجية ، ويحد من قدرة الدولة على زيادة الإيرادات ، ويفضي إلى معدلات ضريبية متزايدة تجبى من عدد متناقص من دافعي الضرائب ، ويقلل ذلك بدوره من إيرادات الخزينة /الدولة ومن ثم قدرتها على توفير الخدمات العامة الأساسية، كما يضعف من شرعية الدولة وسلطتها." 14 "
3 - يقوم الفساد بتغيير تركيبة عناصر الإنفاق الحكومي، إذ يبدد المسئولون المرتشون موارد عامة أكثر على البنود التي يسهل ابتزاز رشاوى كبيرة منها مع الاحتفاظ بسريتها، ويلاحظ أن الأجهزة الحكومية التي ينتشر فيها الفساد تنفق أقل على الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، وتتجه إلى الإنفاق بشكل أكبر على مجالات الاستثمار المفتوحة للرشوة. "15 "
4- ترفع الرشوة من تكاليف الصفقات وعدم التيقن في الاقتصاد .
5 - يضعف الفساد من شرعية الدولة ، ويمهد لحدوث اضطرابات وقلاقل تتهدد الأمن والاستقرار السياسي في الدول النامية
6 - يؤثر الفساد على المبادرة والابتكار ويضعف الجهود لإقامة مشاريع استثمارية جديدة
7 - تنطوي الرشوة على ظلم ، إذ أنها تفرض ضريبة تنازلية تكون ثقيلة الأثر بشكل خاص على التجارة والأنشطة الخدمية التي تضطلع بها المنشآت الصغيرة . " 16 "
8 - يقود الفساد إلى التشكيك في فعالية القانون وفي قيم الثقة والأمانة إلى جانب تهديده للمصلحة العامة من خلال إسهامه في خلق نسق قيمي تعكسه مجموعة من العناصر الفاسدة أو ما يسمى Public bads وهو ما يؤدي إلى ترسيخ مجموعة من السلوكيات السلبية . " 17 "
9 - وعلى صعيد آخر يؤثر الفساد على كل من العدالة التوزيعية والفعالية الاقتصادية نظراً لارتباطه بإعادة توزيع أو تخصيص بعض السلع والخدمات ، حيث يسهم الفساد في إعادة تخصيص الثروات لصالح الأكثر قوة ممن يحتكرون السلطة . " 18 "
10 - تتبدى أهم مخاطر الفساد في تغييرها للحوافز والدوافع السلوكية بحيث تسود نوع من الأنشطة غير الإنتاجية الساعية إلى الربح السريع إلى جانب إهدار جانب من الطاقات الإنتاجية المحتملة من خلال جهود ملاحقة ومتابعة الفساد التي تستأثر بجانب كبير من الموارد"19".
11 - يزيد الفساد من سلطة الأثرياء ويوسع الفجوة بين الطبقات ، ويؤثر سلباً على الشريحة الفقيرة من المجتمع ويزيد من نسبة المهشمين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً .
المبحث الرابع: استراتيجيات الحد من الفساد الإداري والحلول المقترحة
· أولاً: استراتيجيات الحد من الفساد
تحولت قضية الفساد في الدول النامية من مجرد قضية تحظى باهتمام الحكومات المحلية إلى قضية تحظى باهتمام الدوائر السياسية والحكومية والهيئات والمؤسسات الدولية، و أخذت هذه القضية تشغل حيزاً مهماً في سلم الأولويات الحكومية وفي برامج الأحزاب السياسية ، نظراً لما يترتب على تفشي هذه الظاهرة من آثار سلبية بالغة الضرر بالمجتمع ككل .
وقد وجدت الحكومات والمؤسسات والهيئات الاجتماعية المحلية والمنظمات والمؤسسات الدولية أن علاج هذه الظاهرة والقضاء عليها أو محاصرتها على الأقل لا يمكن أن يحدث بدون اعتماد استراتيجية متعددة الجوانب ، فالفساد لا يمثل ظاهرة منعزلة عن الإطار المجتمعي الذي ينمو فيه بل هو عرض لمشكلات قائمة ، لذلك فإن أي استراتيجية لا تأخذ بعين الاعتبار الأسباب التي أدت وساعدت على نمو وتفشي هذه الظاهرة ، والآليات التي تساعد على إعادة إنتاجه في مرافق ومناحي الحياة المختلفة لن تكون استراتيجية ناجحة ، من هنا نرى ضرورة أن تتضمن استراتيجيات مواجهة الفساد ومحاربته حلول منطقية للأسباب التي أدت إلى تفشيه ونموه في المجتمع ، فبدون هذه الحلول لا يمكن أن تكون الاستراتيجية الموضوعة سواء أكانت محلية أم دولية فاعلة ومؤثرة في محاصرة الفساد والحد من انتشاره . والجوانب التي يجب أن تشملها هذه الاستراتيجية هي :
أ – الجانب الاقتصادي :
تتمثل أبعاد هذه الاستراتيجية فيما يلي " 28 " :
1 – الشفافية في العمليات الحكومية : تعد الشفافية في العمليات الحكومية أمراً ضرورياً لسلامة المالية العامة وحسن الحكم والإدارة والنـزاهة والحد من الفساد . ويمكن تعريف الشفافية على أنها " الانفتاح على الجمهور العريض فيما يتعلق بالهيكل والوظائف التي تقوم بها الحكومة، ومضمون سياسات المالية العامة ، وحسابات القطاع العام والتوقعات . ولعل هذا التعريف يثير ما يلي :
- أن شفافية المالية هي شرط أساسي لسلامة السياسة المالية والاقتصادية فنشر وثيقة الميزانية التي يتم عرضها بوضوح في الموعد المناسب ، يضفي الانضباط على العمليات الحكومية ، وعلى العكس من ذلك فإن الممارسات التي لا تتمتع بالشفافية يمكن أن ينتج عنها تبديد موارد المالية العامة .
- من شأن شفافية المالية العامة تعزيز ثقة المواطنين في حكومتهم ، بينما تؤدي ممارسات المالية العامة التي لا تتمتع بالشفافية إلى عدم الاستقرار وسوء تخصيص الموارد ، وتفاقم عدم المساواة .
- تعتبر الشفافية أمراً حيوياً بالنسبة للعمليات الحكومية فيما يتعلق بعملية الموازنة والإدارة العامة والسياسة الضريبية وعمليات تمويل الدين ، وتتطلب الشفافية تصنيف البيانات الخاصة بالعمليات الحكومية والملكية والالتزامات " 29 " .
2 – المساءلة : يشكل مبدأ المساءلة قيداً على سلوك القائمين على شؤون السلطة ويلزمهم باحترام حقوق ورغبات المواطنين . وهو مبدأ أصيل من مبادئ الديمقراطية ، ولكي يتم تفعيل هذا المبدأ لا بد من اتباع عدد من الخطوات يتمثل أهمها فيما يلي :
- الخصخصة السريعة والشفافية والتحرر وتفكيك احتكارات الاقتصاد يمكن أن تسهم كثيراً في تقليل نطاق الفساد وإعادة هيكلة الحوافز .
- منح رواتب أعلى للموظفين العموميين يقلل من قيمة الرشاوى .
- تبسيط اللوائح والضرائب وتوضيح حقوق الملكية يقلل من فرص تقديم الرشاوى ويساعد الشركات الاستثمارية على الاستمرار بدون اللجوء للفساد .
- دعم آليات الإشراف والتظلم وتقليل احتكار المسئولين لسلطة منح الموافقات .
- القيام بحملات توعية عامة ومحاولات جادة للتشهير بفساد المستويات العليا ومعاقبته ، مما يؤدي إلى زيادة المخاطر المترتبة على الفساد ، وتقليل الفرص المتاحة .
ب – الجانب الإداري :
تبدأ الخطوة الأولى على طريق مكافحة الفساد الإداري بالحاجة إلى إحداث تغييرات إدارية وإصلاحات داخلية في قطاعات الخدمة العامة ، على أن تأخذ هذه الإصلاحات بعين الاعتبار عدداً من العوامل بما يمكنها من التعامل بشكل فعال مع الفساد الإداري وهي : " 30 "
1 - اعتماد سياسة التدوير الوظيفي Job rotation كلما كان ذلك ممكناً .
2 – إعادة النظر في أوضاع العاملين في القطاع الحكومي .
3 – التركيز أثناء التدريب للخدمة العامة على أخلاقيات الوظيفة العامة والمسؤولية العامة.
4 – المساءلة ، ووضع عقوبات صارمة ورادعة للمخالفين .
5 – إنشاء وحدات رقابية في المؤسسات الحكومية .
6 – منح الموظفين العموميين الذين يبلغون عن القيام بالأعمال المحظورة من جانب زملائهم أو من جانب الجهات التي تتعاقد معها الحكومات مكافآت مالية " 31 " .
7 – أثبتت تجارب بعض الدول التي حققت نجاحاً نسبياً في الحد من الفساد أنه عند تصميم برامج الإصلاح الإداري ينبغي التعامل مع مجالين أساسين من مجالات العملية البيروقراطية في قطاع الخدمة المدنية هما :
- مقارنة الإجراءات الإدارية الرسمية ، كما هي محددة في السياسات والتشريعات والتعليمات ، بالإجراءات الإدارية غير الرسمية كما تتم في الواقع العملي بهدف إيضاح الفجوة بين ما ينبغي أن يكون وما هو كائن على صعيد الممارسة . وكلما كانت الفجوة كبيرة زادت المساحة الممكنة للفساد ، والعكس صحيح . إن تضييق الفجوة بين الإجراءات الرسمية وغير الرسمية أمر يدعم الجهود المبذولة لمكافحة الفساد .
- مراقبة وتنظيم عملية اتخاذ القرارات وتوزيع العمل على الموظفين بشكل مدروس ، و تطوير نظم المساءلة بهدف الحد من ممارسات الفساد وتحسين الخدمات الحكومية .
8 – إصلاح نظام الاستخدام والترقية الوظيفي للأفراد العاملين في القطاع الحكومي على أساس الكفاءة ، على أن يتم ذلك وفق معايير عادلة وموضوعية ، لا على أساس القرابة أو الانتماءات السياسية و الحزبية .
كذلك يمكن استخدام واستثمار العديد من الآليات لتطوير أداء القطاع العام وتضييق نطاق الفساد وممارساته ، ومن أكثر هذه الآليات تكلفة وربما أكثر فعالية هي إنشاء هيئة خاصة لمكافحة الفساد ، ومع ذلك فإنه يجب التأكيد على أهمية توافر الإرادة السياسية لمكافحة الفساد أو السيطرة عليه بشكل فعال .
ج – الجانب الاجتماعي :
في هذا الجانب من الاستراتيجية هناك حاجة شديدة إلى :
1 – إحداث تحول حقيقي في النظام الاجتماعي نفسه بحيث يتضمن إقرار القيم الديمقراطية .
2 - رفع الحظر والرقابة على عمل مؤسسات المجتمع المدني المختلفة ، والترخيص لتأسيس هذه المؤسسات نظراً لدورها الفاعل والمؤثر في محاربة الفساد .
3 – تعديل القوانين المعمول بها في محاسبة مرتكبي جرائم الفساد المختلفة ، بحيث تكون العقوبة المعنوية والمادية رادعة وشديدة لحماية المجتمع من المخاطر المرتبة على تفشي هذه الظاهرة .
4 – التنديد بالفساد وفضح رموزه عبر وسائل الإعلام المختلفة ، وخلق رأي عام معارض للفساد داخل المجتمع المحلي .
5 – رفع المستوى المعيشي للموظفين العموميين ، مما يفسح المجال لمحاسبة الموظفين ذوي السلوك الفاسد و مكافئة الموظفين ذوي الكفاءة والذين يتمتعون بحس عالي بالمسؤولية والجدية في العمل ، مما يساعد على زيادة درجة الحصانة إزاء الفساد والمفسدين ، وبما يساعد على القضاء على ما يسمى " الفساد الصغير " 32 " .
د - الجانب السياسي :
إن أي استراتيجية تعتمد سياسات إصلاحية على المستويين الاقتصادي والإداري بمعزل عن الإصلاحات السياسية هي استراتيجية ناقصة البنيان ولن تمهد لترسيخ دعائم الإدارة الجيدة لشؤون الدولة والمجتمع . وقد سبق وأن ذكرنا أن الشروط السياسية للتنمية الاقتصادية تتضمن مجموعة من المفاهيم لا يمكن أن تتحقق التنمية والديمقراطية بدونها وهذه المفاهيم هي الشفافية والمساءلة وحسن الحكم ، وفي ظل غياب هذه المفاهيم يستفحل الفساد وتزداد المشكلات الناجمة عنه وتستحيل مكافحته خاصة في الدول التي تنتهج سياسة التحول إلى اقتصاد السوق حيث يشكل هذا التحول – في بدايته مع غياب إصلاحات إدارية وسياسية – بيئة مناسبة لنمو الفساد ، ومن هنا جاءت الدعوة إلى ضرورة تبني استراتيجية ذات أبعاد سياسية للحد من الفساد ، ويتمثل أهم هذه الأبعاد فيما يلي :
1 – تعزيز الديمقراطية والخضوع للمساءلة : يمكن أن يمثل تعزيز الديمقراطية بعناصرها المختلفة ، والتي يأتي على رأسها احترام القانون ، والإبقاء على الحدود بين الدولة والمجتمع ، ووجود أحزاب سياسية فعالة ، ومجتمع مدني قوي ، وثقافة ديمقراطية شعبية تبرز اهتماماً بالديمقراطية والتعددية . وتمثل الديمقراطية بهذا المعنى قيداً على نمو الفساد ، و إن كانت لا تشكل ضماناً ضد ممارسة الفساد .
2 – التأكيد على استقلالية القضاء وفاعليته : لكي تزدهر الاقتصاديات فإنها تحتاج إلى ترتيبات مؤسسية لفض المنازعات ، وتوضيح أوجه الغموض في القوانين والتنظيمات ، وإلى الالتزام بالقانون ، والقضاء وحده هو الذي يملك استخدام قدرة الدولة على الإرغام في تنفيذ الأحكام ، كما أنه هو الوحيد الذي لديه القدرة على الحكم على مشروعية إجراءات السلطتين التشريعية والتنفيذية . ولا بد أن يتوفر للسلطة القضائية ، لكي تضطلع بهذا الدور ، ثلاثة شروط رئيسية ، وهي : الاستقلال ، وسلطة تنفيذ الأحكام والتنظيم الفعال .
3 – الفصل بين السلطات : كلما اتسع نطاق الفصل بين السلطات ازداد بالتالي عدد الخطوات والإجراءات التي يجب إتباعها لتغيير أية التزامات مستندة إلى القانون ، ولذلك فإن الفصل بين السلطات يزيد من الثقة في القواعد المعمول بها . فقد يكون في استطاعة السلطة القضائية تنفيذ القوانين ، ولكن إذا كان الجمهور لا يثق كثيراً في استمرار استقرار هذه القوانين ، فإن مصداقية الدولة يمكن أن تضعف . والآلية الدستورية للحد من التغييرات التشريعية هي الفصل الأفقي بين السلطات ( تشريعية –تنفيذية – قضائية ) أو الفصل الرأسي ( سلطات مركزية – سلطات محلية ) " 33 " .
4 – الإقرار بمبدأ التداول السلمي للسلطة : ويقوم هذا المبدأ على التسليم بإمكانية تبادل المواقع بين الحكومة والمعارضة ، على نحو ما هو مطبق في اليابان وأوربا الغربية والولايات المتحدة ، والهند و غيرها ، ففي هذه النظم لا توجد حكومة دائمة ولا معارضة دائمة ، وإنما يتم تبادل المواقع بين الحكومة والمعارضة من حين لآخر وذلك طبقاً لنتائج الانتخابات .
5- احترام حقوق الإنسان المدنية والسياسية .
6 – منح مؤسسات المجتمع المدني حريات الرأي والتعبير والاجتماع ، وأهم هذه المؤسسات هي الأحزاب السياسية ، وتبدو أهمية تعدد الأحزاب في أهمية جعل المعارضة منظمة فممارسة الحريات والحقوق السياسية لا يمكن تحقيقها دون تنظيم والأحزاب هي التي تتولى ذلك التنظيم . ويمكن لهذه الأحزاب السياسية أن تلعب دوراً مهماً في مكافحة الفساد ، فالتنافس بين هذه الأحزاب يُمكن الشعب من محاسبة ومحاكمة الحكام الفاسدين .
· ثانياً: بعض الحلول المقترحة
يعتبر الفساد نتاجاً لتضافر مجموعة من العوامل السياسية و الاقتصادية و المؤسسية ، و عليه فإن أية حلول مقترحة يجب أن تغطي جميع هذه الجوانب ، وفيما يلي بعض الحلول المقترحة التي من الممكن من خلال العمل على تنفيذها الحد من تنامي ظاهرة الفساد وتفشيها في المجتمع :
1 - توعية المواطنين بالآثار السلبية للفساد على عملية التنمية بمختلف جوانبها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية عبر وسائل الإعلام المختلفة المرئية و المسموعة و المكتوبة .
2 – التشهير برموز الفساد وخاصة أصحاب النفوذ و السلطة و المناصب الرفيعة .
3 – إنشاء هيئة مشتركة حكومية شعبية تابعة في مرجعيتها لمكتب رئيس الدولة لتجنب حدوث تدخلات وضغوطات من أطراف مختلفة ، وظيفتها مكافحة الفساد في المؤسسات الحكومية المختلفة ويمكن في هذا المجال الاستفادة من تجارب دول عديدة في هذا المجال مثل كوريا الجنوبية و سنغافورة و ماليزيا ( وكالة مكافحة الفساد ) و الهند ( مكتب مكافحة الفساد).
4 – تعريف المواطنين من خلال اللوحات التعريفية و الإرشادية في كل مؤسسة حكومية مدنية أو أمنية وخاصة أقسام الشرطة و الجوازات و مفارز الحدود و الجمارك و مجالس المدن و البلديات ومصالح الضرائب و المصالح العقارية و البريد .... ، بما لهم من حقوق وما يترتب عليهم من واجبات منعاً للابتزاز الذي يتعرض له المواطن ، وقد يكون للجهود التي تبذلها الحكومات في بلورة تجربة الحكومة الالكترونية إلى حيز الوجود حلاً لبعض ما يعانيه المواطن في الدوائر الرسمية المختلفة.
5 – تبسيط القوانين وجعلها أكثر شفافية ووضوحاً و إزالة الغموض الذي يفسح المجال لتأويل وتفسير القوانين حسب مقتضيات مصالح فئة دون أخرى .
6 – تشديد العقوبة على من يثبت تلقيه لرشوة أو ابتز مواطناً أو شركة مقابل تقديم خدمات أو منح ترخيص أو امتياز مخالفاً بذلك القوانين و اللوائح المعمول بها الناظمة لعمل المؤسسات الحكومية المختلفة في تعاملها مع الغير ، على أن ترقى هذه العقوبة في تدرجها إلى عقوبات الخيانة العظمى أو عقوبة الاتجار بالمخدرات ، كون ما يترتب على الفساد من آثار سلبية من آثار مدمرة لا تقل خطورة عن الآثار المترتبة على خيانة الوطن أو الاتجار بالمخدرات ، إن توقع العقوبة القاسية غالباً ما يردع الفساد .
7- تفعيل دور البرلمانات و المجالس المحلية و البلدية المنتخبة ديمقراطياً و مؤسسات المجتمع المدني في مجال مكافحة الفساد .
8 - زيادة دخول المواطنين إلى درجة تكفل لهم حياة كريمة ، ويمكن توفير اعتمادات ومستحقات هذه الزيادة من خلال ترشيد الإنفاق الحكومي وخاصة منه التفاخري الترفي/البذخي غير الموجه لتمويل مشاريع استثمارية و إنمائية ، ومن الوفر المالي الذي كان عرضة للنهب و الاختلاس وهي مبالغ ضخمة ، ومن حصيلة ما سيتم استرداده من الأموال العامة التي تعرضت للنهب و السرقة من قبل موظفي الصف الأول و الثاني وحتى الثالث على نحو مطالبة نيجيريا و اندونيسيا و غيرها بأموال زعمائها و مسئوليها السابقين ، كذلك يمكن تأمين مستحقات هذه الزيادة من إصلاح نظام الضرائب و الحد من ظاهرة التهرب الضريبي و المتأخرات ومن خلال الحد من الهدر في المؤسسات الحكومية .
9 – العمل على إيجاد صيغة قانونية تنص صراحة على منح عفواً من العقوبة ومكافأة مالية لمن يبلغ عن حدوث صفقة فاسدة أو أعمال محظورة في أي مؤسسة حكومية .
10 – تمثل الخصخصة أحد الحلول المساعدة في محاصرة الفساد و تحجيمه و الحد من تناميه في الدول النامية ومنها العربية .
المبحث الخامس: حالة تطبيقية للفساد الإداري (العراق)
· أولاً: توصيف الفساد في العراق
يعد العراق في الوقت الحاضر من أكثر دول العالم فساداً على الإطلاق. وقد وضع أسس هذا الفساد النظام البعثي البائد، حيث أفراد النظام العراقي البائد يمارسون الفساد بكل أنواعه ويشجعون على ممارسته. وبعد إسقاط نظام الحكم الدكتاتوري، وذلك بعد احتلال العراق كانت آمال معظم أفراد المجتمع تتمثل بالتخلص من مظاهر الفساد في هذا البلد. ولكن المفاجأة تمثلّت في زيادة الفساد واشتداد حدته وتوسع دائرة انتشاره.
إن الفساد الإداري والمالي لم يطرق الأبواب بشكل مفاجئ وإنما هو إحدى المشاكل التي انتقلت من النظام السابق إلى النظام القائم، وكان لا يمكن لأحد أن يتحدث في هذا الجانب لعدم وجود مجال لحرية النقد عن كل ما من شأنه المساس بسمعة ذلك النظام أو أمنه فأنظمة الحكم والحكومات (السابقة والحالية) تتحمل مسؤولية الفساد المنتشر في العراق، مثلما تتحمل مسؤولية سرقة سلطات الاحتلال لمليارات الدولارات من الأموال العراقية. فلا تزال الصحافة العراقية تسكت عن ظاهره الفساد المنتشرة في العراق وصرف مبالغ طائلة من الأموال العراقية. كما أن أمريكا لم تصرف غير (600) مليون دولار من مجموع (18.4) مليار دولار، كان قد خصصه الكونغرس لإعادة أعمار العراق. فضلاً عن أن السبب الرئيسي وراء عدم استعداد الدول المانحة لتحويل ما يقارب من (39) مليار دولار خصصت لإعادة أعمار العراق، هو الفساد المنتشر في العراق، إذ لا ترغب أية دولة في هدر أموال دافعي ضرائبها"34".
إن ظاهرة الفساد في العراق أصبحت أشبه ما تكون بمسلسل لا حدَّ لحلقاته، تمثل في الآن نفسه سبباً ونتيجة حتمية لتلك الخصائص التي تميزت بها الدولة العراقية. فالفسـاد يمثل في حقيقته آلية من آليات التسيير السياسي في الدولة العراقية على امتداد عمرها، وهي آلية تمكنت من التغلغل في الأوساط المختلفة، ومن صنع قنوات خاصة أصبحت صعبة المحاصرة وعصيّة الاقتلاع، لأن للفساد أصحابه وأنصاره والمستفيدين منه، والذين يبذلون كل ما في طاقاتهم كي يبقى آلية قوية وفاعلة في المجتمع.
والفساد الإداري ضارب بأطنابه في هياكل السلطة. ومع انه موروث من أيام النظام البعثي السابق، إلا أن الحقيقة المؤلمة هي أن الورثة زادوا الطين بلّـة. ولهذا صار من الضروري فتح باب الفساد الإداري بأثر رجعي رجوعاً إلى يوم 9 أبريل (نيسان) 2003 وما بعده، مروراً بسلطات الاحتلال، ومجلس الحكم، والوزارتين السابقتين. ولا ضرر في ذلك، بل النفع كله، ذلك إن معظم وزارات الدولة ومؤسساتها يستشري فيها الفساد ويعيث بها فاسدون ينهبون ويستبيحون بطرق مختلفة أموال المجتمع وممتلكاته. لأن البلد بحاجة إلى تطهير جهازه الإداري، ممثلاً بكل الأجهزة الحكومية، وعلى أعلى المستويات، حفاظاً على المال العام، وصيانة للثقة الشعبية، وتشجيعاً للمواطنين على السير في طريق النزاهة المالية والإدارية. ولهذا أسست مفوضية النزاهة في هذا البلد. ولكن من يضمن أن محاربي الفساد لن ينحرفوا ولن يصابوا بمرض الفساد الإداري.
· ثانياً: البعد التاريخي لظاهرة الفساد
ثمة حرب جديدة تلوح في الأفق ضد الفساد، لا سيما في العراق، ولعل انبعاثها يعود إلى وتيرة التحولات والمتغيرات التي لم تعد تستسيغ ذاك البطء المعهود، الذي اخذ مكانه الفسيح في العقود الفائتة. وهو ما ساهم ـ بالتأكيد ـ في تفاقم وتضخم حالات الفساد طيلة السنوات الماضية، فلم تلبث أن تحولت إلى ظاهرة استشرت في بلدنـا مبلورة سمة تنفرد بها الدولة العراقية ومؤسساتها (إن كان لديها مؤسسات) عن غيرها من الأنظمة والحكومات.
على أن هذا لا يعني أن الوباء ليس مستشرياً في البلدان الأخرى سواءً كانت بلداناً نامية أو صناعية، بقدر ما أن الدول النامية، والعربية منها تحديداً، بزت الكل لتتبوأ المراتب الأولى، واحتل العراق فيها المرتبة الأولى، وهي بمثابة التميز الذي يشير إلى الفضح والانكسار. وليس من جديد في القول إن طبيعة الأنظمة الحاكمة في الدول العربية ـ والعراق منها ـ ساعدت على نمو وتكريس هذا المناخ الملوث، وذلك بدعم بعض الوجوه واستغلال دورها (حتى آخر قطرة) لتحقيق مآربها، غير انه في حال انكشافها، فإنها سرعان ما تكون كبش الفداء وبالتالي يجري البحث عن وجوه جديدة لتكمل المسيرة.
هذه الآلية منتجة وفاعلة في مجتمعات تفتقد إلى الحد الأدنى من هامش الحرية وآلية (المأسسة)، وغياب مفاهيم الديمقراطية وضمانات حقوق الإنسان، وتهميش دور المثقف، وتجهيل المجتمع، مما يؤدي بالتالي إلى نمو الفساد على كل الأوجه والمستويات ويتمخض عن ذلك قضاء غير مستقل، وصحافة هشّة، وحالة فقدان ثقة تصيب شرائح المجتمع إزاء نظامها وحكومتها وحتى ذاتها. فالسلوك قد يكون منتجاً فردياً، لكن تأثيره شامل وجمعي، وبالتالي فان هذه الأحاسيس التي يشعر بها أفراد المجتمع وتدخله في حالة من الاكتئاب والإحباط من جراء استشراء الفساد، ما هي إلا إفرازات لحالة من السلوكيات التي تعكس واقعاً ملموساً في الشارع العراقي، بحيث صار من الوضوح بمكان أن تلمح سوء التواصل بين المواطنين أنفسهم، أو بين المواطنين والحكومات والمؤسسات الاجتماعية، والتي تأخذ أشكالا متعددة، منها الازدراء والسخرية والاستخفاف، وفي ظل هذا المشهد القاتم، يكتوي الإنسان العراقي بنار الصراعات الداخلية "35".
لقد اعتبر تقرير منظمة الشفافية الدولية السنوي الرابع حول انتشار الفساد في العراق مثالاً واضحاً على الفشل الأخلاقي الذي مُني به المجتمع الدولي في مكافحة الرشوة والفساد، تارة بسبب فضيحة برنامج النفط مقابل الغذاء، وأخرى بسبب عدم الالتزام بأدنى مقومات الشفافية في مشروعات إعادة أعمار العراق بعد الحرب. ففي الحالة الأولى، رأى التقرير أن مصداقية المجتمع الدولي للعب دور أكبر في كبح جماح الفساد، تعتبر مصداقية مجروحة، بعد ما شهده العالم من فضيحة النفط مقابل الغذاء.
أما في الحالة الثانية، فرأى التقرير أن تصميم المشاريع تم بطريقة لا تمكن الشركات الصغيرة من الدخول في دائرة المنافسة، واستيلاء شركات مقربة من أشخاص لهم صلة بدوائر الحكومة الأمريكية على أكثر العقود وأهمها. وأكد التقرير أن عدم الالتزام بمقومات الشفافية في عملية إعادة أعمار العراق، أدى إلى انتشار الفساد على مستوى كبير، وعزى ذلك إلى تدفق الأموال بشكل مفرط دون إجراءات صرف وفق الأصول، وعدم وجود نظام بسيط لحصر ما تم العثور عليه في الوزارات والمصالح الحكومية بعد انهيار نظام (صدام حسين)، إضافة إلى ميراث المجتمع في العراق من الفساد، بسبب سيطرة الحكومة السابقة على الاقتصاد. كما رأى التقرير أن ما يفرضه نادي باريس، من ضرورة تخصيص الشركات الحكومية العراقية بسرعة كبيرة، كشرط لإعادة جدولة ديون العراق، "قد يفسح مجالاً أوسع لفرص ممارسة عمليات فساد "36".
· ثالثاً: ظاهرة الفساد ومتغيرات الواقع
تعد مظاهر الفساد الاجتماعي عامة، ومظاهر الفساد الإداري بشكل خاص أنماط من الفعل الإنساني الذي يحمل في أشكاله المتنوعة دلالات اجتماعية تختلف في المجتمع الواحد بين أوقات مختلفة. وتختلف بين المجتمعات المتعددة في الوقت الواحد، وتزداد مظاهر الفساد مع ضعف القيم الأخلاقية والدينية وغياب مظاهر الضبط الاجتماعي، وضعف فعاليته، وهي تتناقص مع انتشار القيم الأخلاقية والدينية وقوة الضبط الاجتماعي. و بناء على تصورات التحليل البنيوي السابق، يمكن إيجاز عناصر الإطار التحليلي لدراسة مظاهر الفساد في العراق على الشكل التالي:
1) خلل في النسق السياسي.
2) خلل في النسق الاقتصادي .
3) خلل في النسق السوسيوثقافي.
ولكن هذه الاختلالات تباينت في الحجم والنوع بينها في فترة لأخرى.
· الفساد الإداري لنظام صدام:
تميز الفساد الإداري لنظام صدام بالمركزية المدعومة بالمؤسسات الأمنية و المخابراتية والجهاز الحزبي و لهذا يمكن أن نعتبر الفساد الذي يدار من قبل صدام وعائلته كان موجها ومنظما ومحصورا بالجهات التي يرغب أن تزاوله من قبله.
ويمكن أن نقسم الجهات التي كانت مسموحا لها بالتلاعب بمقدرات البلد دون أي رقابة إدارية و قانونية مسئولة هي :
- الإمبراطورية المالية لصدام :
قدرت الدوائر المالية و بعض الصحافة العالمية ثروة صدام ما بين 4الى40 مليار دولار وسبب هذا الاختلاف هي السرية الصارمة على كل الخلايا التي تدير هذه الإمبراطورية المالية، وهذا ما يعني عدم مصداقية المعلومات المطروحة على أرض الواقع مما يدعو للشك في الذمة المالية "37".
- الجيش العراقي :
هو إحدى المؤسسات التي كان مسموحا لها في عملية الفساد الإداري و كانت تتلخص في:
1. عملية السلب و النهب الذي قام به أفراد الجيش حين قام بالغزو على إيران والكويت.
2. ابتزاز الجنود بالمبالغ و الرشاوى مقابل منحهم بعض الجازات و نقلهم إلى بعض الأماكن الأمينة.
3. السيطرة على بعض الممتلكات و المزارع للعوائل المعارضة للنظام و التي صودرت من قبل صدام.
4. سرقة أرزاق الجنود أو التواطؤ مع المقاولين المسئولين عن ذلك مقابل مبالغ كبيرة.
5. سرقة الأسلحة و الاعتدة والبطانيات وغير ذلك من أموال الجيش التي يمكن أن تباع في السوق أو للمواطنين .
- الفساد الإداري لحزب البعث:
قاعدة حزب البعث كانت تقدّر ب 2 مليون شخص، حوالي 50,000 هم كوادر تعمل كقادة، و معلمين و دائرة الرقابة. الحزب هو عبارة عن جهاز خليوي مقسّم إداريا من خليات سكنية مبنية من 2 إلى 7 أشخاص، وفرق حزبية في المصانع و المكاتب و المدارس و الأحياء المدنيّة، البلدات الكبيرة و المناطق القروية وقد شمل الفساد لهذا الحزب بهدر خيرات العراق و التصرف بها لرؤية الحزب و التي منها :
1. جعل 5% من نفط العراق في ميزانية خاصة تكون تحت تصرف القيادة القومية و القطرية لحزب البعث.
2. الأموال التي سرقت على يد حزب البعث و قياداته قدرت بعشرات البلايين من الدولارات. هذه الثروة تم حشدها على مر عشرات السنين من خلال عدم المحاسبة و عدم إعاقة المسئولين البعثيين الذين أخذوا أحسن النصائح من وسطاء محترمين، بنوك، محاميين دوليين، محاسبين، خبراء مخفيي الهوية بالذريعة و عن طريق غسيل الأموال وتم تأسيس شركات وهمية في بعض الدول العربية و التي تستخدمها ألان غطاء لعمليات الفوضى في العراق.
3. (الولاء مقابل النفط) هي اكبر عملية فساد قام بها النظام و الجهاز الحزبي وسميت بفضيحة (الولاء مقابل النفط) حيث جعل كوبونات خاصة يتم إعطاءها لأشخاص معينين سواء عرب أو مسئولين دوليين يتم بها بيع النفط عن طريق أسواق سوداء و يكون واردها إلى هؤلاء المرتشين.
4. تمت عملية فساد لجهاز القضاء و المؤسسة التعليمية و بقية أجهزة الدولة و ذلك بفرض تعيين الكادر الحزبي لهذه المؤسسات و جعلها مغلقة لحزب البعث.
5. ابتزاز العوائل العراقية وذلك عن طريقة كتابة التقارير من قبل الدوائر الحزبية في المنطقة وأصبح الرفيق الحزبي بإمكانه تحديد مصير أية عائلة حين لا تستجيب لمطالبه والرشاوى التي يرغب بها بحيث أصبحت تسعيرات خاصة حسب التقارير المكتوبة . فالتقرير الذي يعدم الشخص من اجله له تسعيرة مختلفة عن التقرير الذي يؤدي به إلى سجن لفترة زمنية معينة "38".
- الفساد في المؤسسات الأخرى:
1-القطاع التجاري شمله الفساد أيضا حيث أصبحت الاتفاقيات التجارية وسيلة ضغط وأغراء للدول العربية ورجال أعمالها مقابل كسب الولاء للنظام و تمرير بضائع تجارية فاسدة أو بأسعار خيالية حتى يبقى العراق مدين لدول هؤلاء التجار .هذا ما صرح به وزير التجارة العراقية من أن غالبية كشوف الصادرات للبضائع العراقية مزيفة و بأسعار غير حقيقية.
2-الفساد في دوائر أجهزة الأمن الداخلي: كثير من عمليات سرقة السيارات و النهب تم كشفها من خلال أجهزة مخابرات صدام التي بينت التنسيق بين أجهزة الشرطة و العصابات المنظمة حيث عمد النظام قبل سقوطه بإطلاق حريتهم من السجون العراقية مما أدى إلى تخريب متعمد في دوائر البلد.
3- الفساد في دوائر الصحة و التربية و التعليم :حيث انتشر تتهريب الأدوية و إعطاء الشهادات الجامعية المزورة التي لها تسعيرة حسب الدرجة العلمية من قبل المؤسسات العلمية "39".
· و يمكن أن نلخص حالة العراق بالنتائج التالية:
1- الحكم الفردي الشمولي هو أساس كل الفساد و التخريب الذي يحدث للمجتمع ولا يمكن أن يكون استقرار للبلد ألا بنظام تسود فيه العدالة و الحرية و التعددية بإدارة السلطة وعدم احتكارها .
2- ان نسبة كبيرة من الجهاز الإداري في العراق يسيطر عليه البعد الطائفي مما تسبب بحالة عدم توازن بين فئات المجتمع العراقي و بالتالي ولد حالة شعور بالغبن و الظلم عند غالبية المجتمع و الكراهية فيما بينهم.
3- أن البنية التحية في المؤسسات المهنية و التجارية و الصحية و جميع الدوائر الخدمية في العراق قد تعرضت إلى حالة انهيار بسب الفساد الذي قام به النظام السابق .
4- أن إدارات الدولة تعاني من حالة التضخم و البطالة المقنعة بسبب تواجد كثير من كوادر حزب البعث و الذي يجب أعادة بناء الجهاز الإداري على أساس مدروس و سليم و علمي و حسب الكفاءة.
5- أن الجهاز الإداري بحاجة ماسة لتقنية المعلومات الحديثة من الانترنيت و وسائل الاتصال الأخرى و التي تساهم بسرعة نقل المعلومات و توفير الخدمات الضرورية للمجتمع.
6- يجب استخدام النظام اللامركزي في العملية الإدارية وذلك لنجاحها في الدول المتطورة مدنيا و اقتصاديا .
7- وضع دوائر رقابة شديد تساهم في القضاء على الرشوة و الفساد إضافة إلى أن وجود برلمان تشريعي قوي و صحافة حرة يجعل من الصعوبة التستر على عمليات الفساد الاداري الحاصله اليوم.
8- تكوين نظام اقتصادي متطور و ذي نمو متصاعد مما يجعل مستوى دخل الفرد جيدا ليكون ضمانا تجاه كل أمراض الفساد الإداري مثل الرشوة و المحسوبية و استغلال النفوذ .
9- قوانين الضمان الاجتماعي أنجع الوسائل المهمة التي تحصن المجتمع من الفساد الإداري.
10- بناء مؤسسات المجتمع المدني من منظمات حقوق الإنسان ومنظمات ضد التميز العنصري و الطائفي ومعاهد التأهيل الاجتماعي التي تزيد من توعية المجتمع مدنيا و سياسيا و إداريا"40".
· لتطبيق سياسة الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد في العراق يجب :
1- تبني فلسفة واضحة للتنمية الإدارية تشارك في وضعها وتنفيذها جميع الأجهزة المتخصصة.
2- تحديث التشريعات ونظم إجراءات العمل بشكل يكفل زيادة فاعلية أجهزة الإدارة ويساهم في تقديم الخدمات العامة للمواطنين بيسر وسهولة.
3- تبني سياسة واضحة المعالم للاهتمام بالعنصر البشري داخل أجهزة الدولة المختلفة من خلال تنمية القوى البشرية العاملة علميا ومسلكيا وتبني نظام رواتب وحوافز فعال يكفل الحد الأدنى للحياة الكريمة للموظف ويوفر له الخدمات الاجتماعية والصحية المناسبة.
4 - تحديث قانون التقاعد بهدف إنصاف الموظف المتقاعد والمساواة بين المتقاعدين القدامى والجدد، وان لا يكون التقاعد سيفا مسلطا على رقاب العاملين في الدولة، بالحد من السلطة التقديرية الواسعة للمسئول في الإحالة على التقاعد.
5- تحديث تشريعات الإدارة المحلية لتحقيق مفهوم اللامركزية والعمل على تفويض السلطة والمشاركة في اتخاذ القرار.
6- تبني سياسة واضحة لتوزيع القوى العاملة بشكل متوازن على أجهزة الدولة وفق خطة محددة المعالم لاحتياجات الأجهزة الإدارية من الكفاءات المختلفة. وضبط عملية التوظيف بما يحقق العدالة والمساواة بين الباحثين عن العمل.
7- مكافحة التسيب في الأداء الحكومي وفي إنفاق المال العام والعمل على تعزيز الشعور بالمسؤولية لدى جميع العاملين في الدولة، والحد من عملية تجميد الكفاءات المبنية على المزاج الشخصي وعدم الموضوعية من قبل بعض المسئولين.
8- العمل على وضع نظام خدمة مدنية وطني شامل يطبق على كافة العاملين في الدولة ويسمح بمعالجة خصوصيات بعض الدوائر وفقا لطبيعة عملها.
9- إشاعة الخلق الإداري السوي ومحاربة عوامل الفساد الإداري ومظاهره .
10-محاربة التسابق لاصطياد المناصب الإدارية العليا عن طريق النفاق الإداري، والعمل على وضع معايير وأسس عادلة لشغل مثل هذه الوظائف القيادية.
11-محاسبة كل المفسدين والعابثين والمعتدين على حقوق الوطن والمواطن .
12-اطلاع المواطنين على كافة المعلومات المتعلقة بالفساد والمفسدين، وتحويل رموز الفساد إلى المحاكم المدنية .
13-تفعيل دور أجهزة الرقابة والمحاسبة وكذلك الصحافة وضمان استقلالها.
14-تحقيق استقلالية القضاء فعليا وليس شعارا ووقف توغل السلطة التنفيذية وبعض الأجهزة الأخرى على بقية السلطات.
15-الالتزام بأسس تعتمد الكفاءة والأمانة والنزاهة في اختيار كبار الموظفين خاصة.
16-الإسراع في إصدار تشريع يحقق معنى من أين لك هذا "41".
المبحث السادس: الخلاصة والاستنتاجات
تعاني الدول النامية أكثر من غيرها من تفشي ظاهرة الفساد في مجتمعاتها، فقد تركت هذه الظاهرة آثارها السلبية على مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية ، بل يمكن القول أنه أصبح للفساد في تلك الدول بيئة حاضنة وراعية وداعمة تكرس هذا الوضع ليتسنى لها القدرة على جني المكاسب المادية على حساب بناء مجتمع متقدم قادر على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية .
وعودة إلى ما ذكرناه عن أشكال الفساد وأسبابه واستراتيجيات الحد منه نلمس بوضوح حجم الانعكاسات السلبية للفساد على المسار التنموي في تلك الدول ،فالفساد يضعف النمو الاقتصادي حيث يؤثر على استقرار وملاءة مناخ الاستثمار ويزيد من تكلفة المشاريع ويهدد نقل التقنية ، ويضعف الأثر الإيجابي لحوافز الاستثمار بالنسبة للمشاريع المحلية والأجنبية ، ويؤثر على كل من العدالة التوزيعية والفعالية الاقتصادية نظراً لارتباطه بإعادة توزيع أو تخصيص بعض السلع والخدمات ، حيث يسهم الفساد في إعادة تخصيص الثروات لصالح الأكثر قوة ممن يحتكرون السلطة . كما أن الفساد يعمل ضد الديمقراطية لأنه يزيد من سلطة ونفوذ الأثرياء ويوسع الفجوة بين الطبقات ، كما أنه يؤذي الشريحة الفقيرة من المجتمع ويزيد من نسبة المهمشين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً إلى جانب تشويهه للسياسات العامة وتفتيته للموارد ، ويضعف الفساد من شرعية الدولة ويتهدد الاستقرار السياسي والأمني، مما يستدعي العمل على إيجاد حلول ناجعة لمحاصرة هذه الظاهرة التي تستنزف موارد هامة في تلك الدول يمكن أن توجه إلى الاستثمار في قطاعات مختلفة تعزز مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية .
إن قدرة الدول النامية على محاربة الفساد والحد من نموه وانتشاره لا تزال رهينة الإرادة السياسية ، وهذه الإرادة غير متوفرة في غالبية الدول النامية و العربية ذلك أن الأنظمة الحاكمة في تلك الدول متورطة في سلوكيات فاسدة وحققت ريعاً مادياً ضخماً من التجاوزات القانونية التي مارستها – تخشى المطالبة بإعادة ما حققته من مكاسب مادية بصورة غير شرعية و الملاحقة القانونية - ، فهي و إن كانت تظهر رغبتها في محاربة الفساد إلا أنها تمارس الفساد بمختلف أشكاله .
إن مكافحة الفساد باعتباره أحد معوقات التنمية يتطلب توفر إرادة سياسية من قبل صانعي القرار الراغبين في الإصلاح ومنح هامش من الحرية لمؤسسات المجتمع المدني للقيام بدور فاعل ومؤثر ومساند للجهود التي تبذلها الحكومات والرامية إلى محاربة الفساد بمختلف أشكاله ومظاهره ، كما يتطلب تهيئة المناخ المناسب لجذب الاستثمارات الخارجية التي ترى في الفساد عبئاً إضافياً ، خاصة وأن تدفق الاستثمارات الخارجية على الدول النامية يساهم في دفع عجلة التنمية وفي كسر احتكار التكنولوجيا والتقنية الحديثة المادية وغير المادية كالمهارات الإدارية والتنظيمية .
إن استمرار تنامي الفساد في الدول النامية ومنها العربية ستكون له انعكاسات غير مواتية على اقتصاديات هذه الدول ، وخاصة بعد التحول الكبير الذي طرأ على مواقف المجتمع الدولي من الفساد بمختلف صوره وأشكاله ، فهذه الدول إن لم تحد من تنامي الفساد فإن مصيرها التهميش في الاقتصاد العالمي ، وربما يوفر الفساد الفرصة لأطراف خارجية للتدخل في السياسات الداخلية و الخارجية لهذه الدول ، و سيحرم هذه الدول من المساعدات والقروض الخارجية ، وسيعيق تنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي والسياسي .
الـخـاتـمـة
لقد استعرضنا مفهوم الفساد الإداري وأشكاله، والأسباب المؤدية للفساد ودوافعها، ومن ثم استعرضنا الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على الفساد الإداري، واستراتيجيات الحد من الفساد والحلول المقترحة، وطبقنا موضوع البحث على حالة العراق، إلى أن انتهينا بمجموعة من النتائج. وقد اتضح ان مكافحة الفساد الإداري لا يمكن ان يتحقق من خلال حلول جزئية وإنما من خلال إصلاح شامل يطال أجهزة الدولة جميعها بجميع أسلاكها .
وهذا الإصلاح يقتضي ان يكون شاملا يتناول جميع مرتكزات الإدارة من بنيتها وهيكلتها إلى العنصر البشري العامل فيها إلى أساليب العمل السائدة فيها ، إلى وسائل العمل من أدوات وتجهيزات ومعدات، فالبنية والهيكلية بما تحتويه من مهام وصلاحيات يجب ان تخلو ا من جميع الشوائب ، وفي طليعتها الازدواجية، وان تبنى ثانياً على الحاجة الملحة من ضمن الامكانات والقدرات المتاحة وذلك دون إفراط أو تفريط .
والعنصر البشري يقتضي ان يولى العناية الفائقة بحيث :
أ- حسن الاختيار: ويكون ذلك فقط على أساس المؤهلات من جهة ، وتكافؤ الفرص من جهة ثانية ، والتنافس من جهة ثالثة وليس على أساس الاختيار العشوائي أو الطائفي الذي أدى حاليا إلى نفقات مالية باهظة تختصر بان تعويضات المتعاقدين وأجور الاجراء باتت تزيد عن رواتب الموظفين الدائمين ، عدا افراد الهيئة التعليمية .
ب- توفير الإعداد المسبق لتوليه الوظيفة، والتدريب المتواصل لاغنائه بالمعارف المستجدة من يوم إلى يوم، وبذلك نتمكن من تفعيل أدائه.
ج- ضمان حداً معيناً من الحقوق تتوازن مع ما تفرض عليه من واجبات من خلال نظرية " التوازن بين الحقوق والواجبات " ، وفي طليعة ذلك راتبا يؤمن له الحد الأدنى من العيش اللائق الكريم ، وفي المقابل يلزم بأداء واجباته واحترام القوانين والأنظمة التي يعمل من خلالها ، دون غطاء أو شفاعة.
د - توفر له الحوافز التي تحفزه على ان يبذل قصارى جهده من اجل أداء جيد فعال لا يضيع له أجره إذا هو أحسن عملا ، ولا نتورع عن معاقبته كي يصحح مساره بنفسه، ويكون عبرة لمن يعتبر، وذلك عملا بنظرية التوازن بين الثواب والعقاب .
هـ - ولا يمكن ان يتحقق ذلك، كما ذكرنا، إلا من ضمن تقويم لأدائه : علني من جهة ، وفردي من جهة ثانية ، وجماعي مؤسساتي من جهة ثالثة لأنه ما من موظف قادر بذاته وبمفرده على انجاز عمل متكامل ، وقابل للتظلم من جهة رابعة، حتى لا يكون الموظف ضحية عوامل لا يد له فيها وليس بامكانه تصحيحها.
و - يوفر له في نهاية مساره الوظيفي نهاية خدمة لائقة تقيه شر العوز والمرض في وقت تتراجع فيه قدرته على البذل والعطاء .
ز - ثم ان الرقابة الانجح والافعل تبدأ بالرقابة الذاتية في الدرجة الأولى وتستكمل بالرقابة الخارجية من جانب الهيئات المستقلة ، كالتفتيش المركزي وديوان المحاسبة ومجلس الخدمة المدنية على ان يتوج ذلك كله برقابة برلمانية من جانب لجان متخصصة كما هو الحال في معظم الدول المتقدمة وشريطه ان تكون الرقابة من جميع هذه الأجهزة هي رقابة توجيه وإرشاد قبل ان تكون رقابة جزاء وعقاب .
الهوامش والمراجع
1 – Robert Klitgaard , International Cooperation Against Corruption , Finance and Development , March 1998 , P. 3 .
2 – Sheryle W . Gray and Daniel Kaufmanns , Corruption and Development , Finance and Development , March 1998 , P . 9 .
3 - تقرير عن التنمية في العالم 1997 ، الدولة في عالم متغير ، البنك الدولي ، واشنطن ، ترجمة مؤسسة الأهرام ، القاهرة ، ص 55 .
4 – Shong – Jin Wci , “ Corruption in Economic Development : Beneficial Grease , Minor Annoyance , or Major obstacle ? “ P . 1
Http : // ideas . Uqam . ca/ ideas / data , papers / wopw obapd 2048 . htm
- انظر أيضاً تقرير عن التنمية في العالم 1997 ، الدولة في عالم متغير ، البنك الدولي ، ترجمة مؤسسة الأهرام ، القاهرة ، ص 112 .
5 – Paolo Mauro , Corruption : Causes , Consequences , and Agenda for further research , Finance and Development , March 1998 , P . 11 .
6 – Ibid . , p . 11 .
7 – عطية حسين أفندي ، " الممارسات غير الأخلاقية في الإدارة العامة " ورقة قدمت إلى ندوة الفساد والتنمية ، مركز دراسات وبحوث الدول النامية ، القاهرة ، 1999 ، ص 56 .
8 – عطية أفندي، المرجع السابق ، ص 57 .
9 – عطية أفندي، المرجع السابق ، ص 57 .
10 – تقرير عن التنمية في العالم 1996 " من الخطة إلى السوق " البنك الدولي ، واشنطن ، ترجمة مؤسسة الأهرام ، القاهرة ، ص 124 .
11 - المرجع السابق ، ص 125 .
12 – جيريمي بوب و فرانك فوجل ، " لكي تصبح أجهزة الفساد أكثر فعالية " ، مجلة التمويل والتنمية ، صندوق النقد الدولي ، العدد 2 ، يونيه 2000 ، ص 6 .
13 – المؤسسة العربية لضمان الاستثمار ،" الفساد : آثاره الاجتماعية والاقتصادية وسبل مكافحته " ، سلسلة الخلاصات المركزة ، السنة الثانية إصداره / 1999 ، الكويت ص 3 .
14 – المرجع السابق ، ص 4-5.
15 – المرجع السابق،ص6-7.
16 – Sheryle W . Gray and Daniel Kaufmanns , Corruption and Development , Finance and Development , March 1998 , P . 8 .
17 – هدى متكيس ، " الشروط السياسية للتنمية – خبرة دول الجنوب " ، ورقة قدمت إلى ندوة الفساد والتنمية ، مركز دراسات الدول النامية ، القاهرة ، 1999 ، ص 30 .
18 – المرجع السابق ، ص 30 .
19 – المرجع السابق ، ص 31 .
20 – ماجد عبد الله المنيف ، " التحليل الاقتصادي للفساد وأثره على الاستثمار والنمو " ، مجلة بحوث اقتصادية عربية ، الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية ، القاهرة ، العدد 12 ، صيف 1998 ، ص 45 .
21 – ماجد المنيف، المرجع السابق ، ص 46 .
22 – ماجد المنيف، المرجع السابق ، ص 49 .
23 – ماجد المنيف، المرجع السابق ، ص 50 .
24 – Paolo Mauro , Corruption : Causes , Consequences , and Agenda for further research , Finance and Development , March 1998 , P . 12
25 – ماجد عبد الله المنيف ، مرجع سابق ، ص 53 .
26 – أحمد رشيد ، نظرية الإدارة العامة – السياسة العامة والإدارة " القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1993 ، ص 23 .
27 – الفساد في الحكومة ، تقرير الندوة الإقليمية التي عقدتها دائرة التعاون الفني للتنمية ومركز التنمية الاجتماعية والشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة في لاهاي ، هولندا ، 11 – 15 ديسمبر 1985 ، عمان : المنظمة العربية للتنمية الإدارية ، تراجم مختارة رقم 329 ، ترجمة نادر أحمد أبو شيخة 1993 ، ص 54 .
28 – شادية فتحي ، " الآثار السياسية للتحول : حالة روسيا " ، ورقة قدمت إلى ندوة الفساد والتنمية ، مركز دراسات الدول النامية ، القاهرة ، 1999 ، ص 127 .
29 – عطية حسين أفندي ، مرجع سابق ، ص 62 – 63 .
30 – صندوق النقد الدولي ، " آفاق الاقتصاد العالمي 1998 ، بيروت ، مكتبة لبنان 1997 ، ص 143 – 153 .
31– تقرير عن التنمية في العالم 1997 ، " دور الدولة في عالم متغير " البنك الدولي ، واشنطن ، ترجمة مركز الأهرام للترجمة والنشر ، القاهرة ، ص 116 .
32 – محمود عبد الفضيل ، " الفساد وتداعياته في الوطن العربي " مجلة المستقبل العربي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، العدد 243 ، أيار / مايو 1999 ، ص 9 .
33 – تقرير عن التنمية في العالم 1997 ،" دور الدولة في عالم متغير " مصدر سابق ، ص 109 – 110 .
34- كمال سيد قادر: الفساد الإداري أفيون العراق، موقع جيران في 14/9/ 2004
35- المرجع السابق.
36- المرجع السابق.
37- صلاح التكمجي - الاقتصاد العراقي بين الواقع والطموح ،الحوار المتمدن-العدد 127 في 20/10/2003.
38- صلاح التكمجي، المرجع السابق.
39- زهير فهد الحارثي: حرب الفساد.. معادلة المنتج الفردي والتأثير الجمعي، ص 84.
40- زهير الحارثي، المرجع السابق،ص90.
41- محمود حافظ، القضاء الإداري الطبعة الثانية لسنة 1966 ص19.
المراجع:
1 – أحمد رشيد ، نظرية الإدارة العامة – السياسة العامة والإدارة " القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1993 م.
2- المؤسسة العربية لضمان الاستثمار ،" الفساد : آثاره الاجتماعية والاقتصادية وسبل مكافحته " ، سلسلة الخلاصات المركزة ، السنة الثانية إصداره / 1999 ، الكويت . 7 – تقرير عن التنمية في العالم 1996 " من الخطة إلى السوق " البنك الدولي ، واشنطن ، ترجمة مؤسسة الأهرام ، القاهرة .
3– الفساد في الحكومة ، تقرير الندوة الإقليمية التي عقدتها دائرة التعاون الفني للتنمية ومركز التنمية الاجتماعية والشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة في لاهاي ، هولندا ، 11 – 15 ديسمبر 1985 ، عمان : المنظمة العربية للتنمية الإدارية ، تراجم مختارة رقم 329 ، ترجمة نادر أحمد أبو شيخة 1993 م.
4- تقرير عن التنمية في العالم 1997 ، الدولة في عالم متغير ، البنك الدولي ، واشنطن ، ترجمة مؤسسة الأهرام ، القاهرة .
5 – جيريمي بوب و فرانك فوجل ، " لكي تصبح أجهزة الفساد أكثر فعالية " ، مجلة التمويل والتنمية ، صندوق النقد الدولي ، العدد 2 ، يونيه 2000 م.
6– Robert Klitgaard , International Cooperation Against Corruption , Finance and Development , March 1998 .
7 – Sheryle W . Gray and Daniel Kaufmanns , Corruption and Development , Finance and Development , March 1998 . .
8 – عطية حسين أفندي ، " الممارسات غير الأخلاقية في الإدارة العامة " ورقة قدمت إلى ندوة الفساد والتنمية ، مركز دراسات وبحوث الدول النامية ، القاهرة ، 1999 م.
9 – Sheryle W . Gray and Daniel Kaufmanns , Corruption and Development , Finance and Development , March 1998 . .
10– Shong – Jin Wci , “ Corruption in Economic Development : Beneficial Grease , Minor Annoyance , or Major obstacle ? .
11 – Paolo Mauro , Corruption : Causes , Consequences , and Agenda for further research , Finance and Development , March 1998 . .
12-Paolo Mauro , Corruption : Causes , Consequences , and Agenda for further research , Finance and Development , March 1998 .
13 – شادية فتحي ، " الآثار السياسية للتحول : حالة روسيا " ، ورقة قدمت إلى ندوة الفساد والتنمية ، مركز دراسات الدول النامية ، القاهرة ، 1999 م.
14 – صندوق النقد الدولي ، " آفاق الاقتصاد العالمي 1998 ، بيروت ، مكتبة لبنان 1997 م.
15– تقرير عن التنمية في العالم 1997 ، " دور الدولة في عالم متغير " البنك الدولي ، واشنطن ، ترجمة مركز الأهرام للترجمة والنشر ، القاهرة .
16- زهير فهد الحارثي: حرب الفساد.. معادلة المنتج الفردي والتأثير الجمعي،
17- صلاح التكمجي - الاقتصاد العراقي بين الواقع والطموح ،الحوار المتمدن-العدد 127 في 20/10/2003.
18- كمال سيد قادر: الفساد الإداري أفيون العراق، موقع جيران في 14/9/ 2004
19-ماجد عبد الله المنيف ، " التحليل الاقتصادي للفساد وأثره على الاستثمار والنمو " ، مجلة بحوث اقتصادية عربية ، الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية ، القاهرة ، العدد 12 ، صيف 1998.
20 – محمود عبد الفضيل ، " الفساد وتداعياته في الوطن العربي " مجلة المستقبل العربي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، العدد 243 ، أيار / مايو 1999 .
21- محمود حافظ، القضاء الاداري الطبعة الثانية لسنة 1966 م.
22 – هدى متكيس ، " الشروط السياسية للتنمية – خبرة دول الجنوب " ، ورقة قدمت إلى ندوة الفساد والتنمية ، مركز دراسات الدول النامية ، القاهرة ، 1999 م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق